شبح المَحاور يزحف على المغرب العربي
يعمل الأمين العام لاتحاد المغرب العربي التونسي الحبيب بولعراس على إنعاش الإتحاد أملا في إخراجه من غرفة العناية الفائقة.
لكن أوضاع المريض زادت تدهورا في الفترة الأخيرة بفعل نوبات الحرارة المتعاقبة التي تجتاح جسمه وتهدد بوضع حد نهائي لحياته.
منذ قرار وزراء الخارجية في 23 ديسمبر 2003 بتأجيل القمة المغاربية ونقل رئاسة الإتحاد من الجزائر إلى ليبيا، ما انفكت السحب تتلبد في المنطقة على خلفية تصعيد الخلاف بين المغرب والجزائر حول تسوية النزاع في الصحراء الغربية.
وألقى هذا المناخ المشحون بظلاله على العلاقات الثنائية بين بلدان الإتحاد الذي يضم كلا من المغرب والجزائر وتونس وليبيا وموريتانيا، على نحو كرّس فرزا بين قطبين إقليميين قد يعودان بالمنطقة إلى سياسة المحاور التي أبصرتها في أواسط الثمانينات.
وكان التوقيع على معاهدة للأخوة وحسن الجوار بين الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة والرئيس الجزائري الأسبق الشاذلي بن جديد في سنة 1983، والتي انضمت إليها لاحقا موريتانيا، منطلقا لرد مغربي – ليبي حازم تمثل بالإعلان في صيف العام التالي عن إقامة اتحاد بين البلدين تحت عنوان “الإتحاد العربي الإفريقي” أو “معاهدة وجدة” على رغم كونهما متباعدين في كل شيء.
تقارب هنا وتنافـر هناك
وفي الأشهر الأخيرة، لاحظ مراقبون تقاربا لافتا بين الجزائر وتونس متزامنا مع تسمم العلاقات بين المغاربة والجزائريين. ومن المؤشرات الدالة على ذلك الزيارة التي أداها رئيس جنوب إفريقيا ثابو مبيكي مؤخرا إلى تونس قادما إليها من الجزائر بعد أيام قليلة من الاعتراف بالجمهورية الصحراوية التي أعلنتها جبهة “البوليساريو” ِِمن طرف واحد في سنة 1976 والتي تحظى بدعم الجزائر.
وأدت خطوة استقبال تونس لمبيكي إلى موقف غاضب في الرباط على اعتبار أنها تجاهل لمقتضيات التضامن مع المغرب الساخط من خطوة جنوب إفريقيا، لكنه ظل غضبا مكتوما.
ولاشك بأن المغاربة الذين ينتظرون منذ أشهر تحديد موعد زمني للاجتماع السنوي للجنة العليا المشتركة مع تونس برئاسة رئيسي الوزراء في البلدين، والذي حل ميعاده منذ الصيف لا ينظرون بعين الإرتياح إلى التئام الاجتماع السنوي للجنة العليا المشتركة التونسية – الجزائرية مؤخرا في الجزائر، ولا إلى الكلام الذي قاله الرئيس بوتفليقة لدى استقبال الوزير الأول التونسي محمد الغنوشي في قصر المرادية في شأن العلاقات المميزة بين البلدين.
أجواء متقلبة
يأتي ذلك في ظل خلاف مستحكم بين تونس والرباط على حصص الطلاب التي يتعين على كل بلد القبول بترسيمهم في جامعات الطرف الآخر تنفيذا لاتفاقات سابقة في هذا المجال، إذ يعتقد المغاربة أن التونسيين لم يوفوا بالتعهدات التي قطعوها على أنفسهم على هذا الصعيد.
كما يأتي في مناخ منافسة تونسية – مغربية صامتة على كسب ود واشنطن والتسابق على موقع الحليف المميز لها إقليميا. ويمكن القول إن المغاربة سجلوا نقطة مهمة في هذا المجال بقبولهم استضافة الدورة الأولى من “منتدى المستقبل” في ديسمبر المقبل بمشاركة وزراء الخارجية والمال في مجموعة البلدان السبعة الغنية وبلدان الشرق الأوسط الكبير. وكان قد تم الإتفاق على هذه الاستضافة في أعقاب لقاء بين وزير الخارجية الأمريكي باول ونظيره المغربي بن عيسى في شهر سبتمبر الماضي في واشنطن.
لكن الأوساط الرسمية التونسية والجزائرية تنفي وجود حلف بين البلدين وتؤكد أن ما بينهما لا يعدو أن يكون علاقات تعاون طبيعية بين بلدين جارين مستدلة بحجم السياح الجزائريين الذين يزورون تونس، والذين ارتفع عددهم من عام لآخر حتى تجاوز المليون ونصف المليون سائح لأن المنافذ إلى أوروبا مقفلة في وجوههم.
كما استدلت بالتطور السريع لحجم الاستثمارات الجزائرية في تونس والسلع التونسية المصدرة للجزائر. وفعلا شكل الإقبال الواسع للجزائريين والليبيين على زيارة تونس في الصيف منقذا للموسمين السياحيين الأخيرين بعد تراجع أعداد السياح الأوروبيين، وخصوصا الألمان الذين كان أكثر من مليون منهم يزور البلد على امتداد النصف الثاني من تسعينات القرن الماضي.
“محور تونسي – جزائري – ليبي”؟
ويمكن القول إن العلاقات التونسية – الجزائرية التي تلقت نكسة قوية على أيام الرئيس السابق ليامين زروال أبصرت انتعاشا واضحا في سنوات بوتفليقة إذ عاودت المبادلات نسقها التصاعدي، واستعادت حركة السياحة زخمها السابق على نحو كرّس واقعا جديدا مبنيا على منطق الجغرافيا خصوصا في ظل استمرار إقفال الحدود الغربية للجزائر مع المغرب، بل وأوصل الأمور إلى درجة متقدمة من التداخل يصعب التراجع عنها في المستقبل.
فلم يعد ممكنا للجزائري الذي يسعى للعلاج في الخارج أو لرب الأسرة الذي يسافر مع أسرته للسياحة صيفا أن يختار وجهة أخرى غير تونس بحكم الوضع الإقليمي. غير أن هذا التشابك لا ينفي وجود تفاهم سياسي في القمة من النوع الذي حمل المراقبين على الحديث عن محور جزائري – تونسي.
ويمكن إضافة ليبيا إلى هذا المحور بحكم العلاقات الشخصية المتينة بين الرؤساء الثلاثة والتحسن المطرد في المبادلات الاقتصادية بين بلدانهم، لكن من دون المجازفة بالكلام عن ظهور محورين متصارعين في المنطقة أسوة بما شهدته من تجاذبات في الثمانينات.
ولعل الجديد على هذا الصعيد هو أن كل بلد صار يعتبر نفسه محورا بذاته ويبني علاقاته مع الآخرين بكثير من البراغماتية، مما زاد من تشظي الإتحاد المغاربي الذي لم يصل منذ إنشائه في سنة 1989 إلى درجة من التفكك مثل التي وصل إليها اليوم.
وفي هذه اللوحة القاتمة يبدو بولعراس أشبه بسيزيف الذي يعاود رفع الحجر ليتدحرج من يديه إلى نقطة أسفل من المكان الذي كان فيه.
رشيد خشانة – تونس
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.