ضحايا غوانتانامو: انتحار ام إعدام؟
اللجنة الطبية السويسرية التي كلفتها جمعية الكرامة لحقوق الإنسان نيابة عن أهالي المعتقلين الثلاثة الذين توفوا في معسكر غوانتانامو في عام 2006، تصدر تقريرها الذي لا يستثني عملية الانتحار ولا يقر بأنها الاحتمال الوحيد.
تشريح جثة المعتقل اليمني أحمد علي عبد الله سمحت بالعثور على آثار شنق، ولكن مع اكتشاف إختفاء اعضاء وقطع من منطقة الرقبة بإمكانها أن تقدم المزيد من التفاصيل حول ظروف الوفاة.
المهمة التي قامت بها اللجنة الطبية السويسرية نيابة عن جمعية الكرامة لحقوق الإنسان، تمثلت في إجراء تشريح لجثة الضحية اليمنية لمحاولة العثور على الأسباب الحقيقية للوفاة، نظرا لأن عائلة الضحية قد شككت في التصريحات الأمريكية التي اعادت الوفاة لعملية انتحار.
آثار انتحار وغياب قطع هامة
في الندوة الصحفية التي نظمتها جمعية الكرامة في جنيف يوم 2 مارس 2007، أوضح البروفسور مانجان “أن جثة الضحية اليمنية أحمد علي عبد الله، التي تعرضت لعملية تشريح من قبل الأمريكيين، كانت في وضعية صيانة جيدة…”.
وما توصل إليه فريق الأطباء عند التشريح، كما يقول البروفسور مانجان هو “وجود أثر حبل شنق حول العنق، وبعد آثار ارتطام في ظهر اليد اليمنى والذراع الأيمن، وآثار آخز غبر الأمر الذي يسمح بتصور أنه تمت عملية محاولة انعاش عبر الحقن”.
وما أثار استغراب فريق التشريح “أن أظافر اليدين والرجلين قلمت بشكل جذري”. تفسير البروفسور مانجان لذلك “أن تقليم الأظافر بهذا الشكل لربما قد يكون لمنع بقاء بقايا وبصمات بيولوجية تابعة لجهة تكون الضحية قد حاولت الدفاع عن نفسها ضدها”.
وعن التشريح الذي قامت به السلطات الأمريكية، يقول البروفسور مانجان “كان تشريحا شاملا، وأن السلطات الطبية الأمريكية أعادت الأجهزة لمكانها، باستثناء قطع من الرقبة هامة في نظرنا، مثل الحنجرة والقصبة الهوائية التي لها أهمية كبرى في حالة الانتحار”، وأضاف البروفسور مانجان أن “الاتصالات التي تمت مع الطبيب السعودي، الذي قام بتشريح جثتي السعوديين، أوضح بأن نفس القطع في منطقة الرقبة مفقودة في الجثتين”.
وعن سؤال لسويس إنفو حول ما إذا كانت هناك تفسيرات طبية لعدم وجود هذه القطع في جثة الضحية اليمني وما الذي يمكن قراءته من خلال العثور على تلك القطع، أجاب البروفسور مانجان “في حالات الانتحار، يمكن للقطع الموجودة في منطقة الرقبة تقديم معلومات عن الضغط الذي تمت ممارسته على تلك المناطق، وقد يحدث في عمليات التشريح الطبي أن يتم الاحتفاظ بتلك القطع كدلائل إثبات، ولكن في هذه الحالة، يجب وضعها تحت تصرف الخبير الذي يرغب في الحصول على مزيد من المعلومات عن ظروف الوفاة”، وإذا كان الخبير السويسري قد عبر عن “تفهمه لأن تلك القطع غير موجودة، فإنه يستغرب لأن السلطات لم تسمح بالإطلاع عليها”.
الخلاصة الطبية
الخلاصة التي توصل إليها فريق الأطباء، كما أوضح البروفسور مانجان هي أن “الوفاة تعود الى عملية خنق ميكانيكية، وأن هذا الخنق ناتج عن عنف تمت ممارسته على مستوى العنق، وأن وجود أثر حبل يشير إلى إمكانية أن تكون الوفاة عن طريق الشنق”.
وعن الظروف التي تمت فيها عملية الشنق وما إذا تعلق الأمر بعملية انتحار او إعدام بالشنق أو حادث، أوضح البروفسور مانجان، أن “ما توصلنا إليه يسمح باعتبار العملية انتحارية، ولكن احتمالات أخرى تبقى قائمة، نظرا لأننا لم نتمكن من الحصول على مزيد من التفاصيل التي تسمح لنا بالذهاب الى ابعد في تحرياتنا، مثل الظروف والوضعية التي وجدت فيها الجثة أثناء اكتشاف الحادث، وما هي الوسائل التي استخدمت في عملية الشنق، وبعض المعلومات عن الحالة النفسية للضحية قبل الحادث، هل كان إنسانا متشنجا وفي حالة صدمة نفسية”؟
كما عدد البروفسور مانجان من بين المعلومات التي ود الفريق الحصول عليها لتحديد ظروف وأسباب الوفاة بدقة “نوعية العمليات الطبية التي أجريت أثناء عملية الإنعاش وأثناء عملية التشريح الأولي”.
وكل هذه المعطيات طلب الفريق الطبي السويسري من زملائه الأمريكيين الذين قاموا بعملية التشريح في غوانتانامو تزويده بها، ولكن رئيس الفريق الأمريكي رد بأنه “لا يمكنه القيام بذلك إلا بترخيص من السلطات الأمريكية”. ورغم توجيه رسالة بهذا الخصوص للسلطات الأمريكية، إلا أننا “لم نحصل مع الأسف لحد اليوم على أي رد”، مثلما يقول البروفسور مانجان.
تساؤلات جمعية الكرامة
عبرت جمعية الكرامة على لسان المحامي رشيد مسلي عن أسفها لأن السلطات السعودية لم ترد على طلب القيام بتشريح جثتي الضحيتين السعوديتين، وهو ما جعل العملية تكتفي بحالة الضحية اليمني.
وقد أوضح السيد مسلي أن جمعية الكرامة ومعها عائلات الضحايا “انطلقت من ان تصريحات السلطات الأمريكية لا يمكن تصديقها، لأن شهادة العديد من السجناء الذين تم إطلاق سراحهم لا تؤكد نوايا الانتحار الجماعي”.
ومن النقاط التي تشكك فيها جمعية الكرامة، كما جاء على لسان الأستاذ مسلي:
-أن هناك دورية حراسة تمر أمام الزنزانات في اقل من خمس دقائق، وان هذه الزنزانات خاضعة لمراقبة متواصلة عبر كاميرات المراقبة.
– وأنه قبل أسبوع من إعلان حادث الوفاة، تمت مشادات في الممر الذي توجد فيه زنزانات المعتقلين الثلاثة وأنهم دورا هاما في تلك المشادات، وانه، حسب شهادة بعض المعتقلين، صورتهم السلطات الأمريكية على أنهم هم المحرضون.
– تشير كل الشهادات التي حصلنا عليها من المعتقلين الذين أفرج عنهم، إلى أنه من المستحيل إيجاد مكان تثبيت حبل او ما شابه ذلك في الزنزانة.
كل هذه الملاحظات والتي يضاف لها غياب رد السلطات الأمريكية، هي التي يرى السيد مسلي انها تدفع الى “قناعة ان العملية ليست عملية انتحار، حتى وإن لم تتوفر لدينا دلائل قاطعة”.
إشعار محافل حقوق الإنسان
الخطوة التي تنوي جمعية الكرامة القيام بها بعد هذا التشريح، كما يقول السيد مسلي “تتمثل في رفع تقرير للمقرر الخاص المعني بالإعدامات خارج نطاق القانون، وللمقرر الخاص بحماية حقوق الإنسان أثناء عملية محاربة الإرهاب”.
“كما سيقوم فريق المحامين الأمريكيين الممثل لعائلات الضحايا بتقديم شكوى قضائية أمام القضاء الأمريكي”، حسب السيد مسلي، لمحاولة توضيح ظروف الوفاة.
أما السيد هيثم مناع من اللجنة العربية لحقوق الإنسان، فيرى كمدافع عن حقوق الإنسان أن “المثير في هذه القضية، هي النية المبيتة لبناء نظام معاملة مشينة قد تصل الى حد الموت او الانتحار من جهة، وعدم تعاون السلطات الأمريكية من جهة أخرى، منذ افتتاح معسكر غوانتانامو الى يومنا هذا مع منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان”.
وتساءل النشط الحقوقي عن أسباب رفض الولايات المتحدة أكثر من 20 محاولة لزيارة معسكر غوانتانامو من قبل منظمات حقوقية غير حكومية، ليصل الى خاتمة أن “من يرفض، لديه شيء يرغب في إخفائه ويتعدى حدود القانون الدولي وحدود الشرعية”.
محمد شريف – سويس إنفو – جنيف
في 10 يونيو 2006، وبعد أربعة أعوام من الإعتقال، توفي السجين اليمني أحمد علي عبد الله في معتقل غوانتانامو ومعه إثنان من السجناء السعوديين، ياسر طلال الزهراني وما نع شمان العتيبي. وفاة المعتقلين الثلاثة، قالت السلطات الأمريكية إنها تعود إلى عملية انتحار تم القيام بها كرد فعل قتالي.
لكن عائلات الضحايا شككت في ذلك، وهو ما دفعها الى طلب المساعدة من جمعية الكرامة لحقوق الإنسان، التي مقرها في جنيف، لمساعدتها في تشريح الجثة للتعرف على الأسباب الحقيقية للوفاة، وقد اصرت العائلات على أن يكون الفريق الطبي سويسريا.
جمعية الكرامة كلفت لجنة من الأطباء الشرعيين السويسريين بالقيام بعملية التشريح، على رأسها البروفسور باتريس مانجان، مدير معهد الطب الشرعي بجامعة لوزان، وشملت الدكتور بيتوريس بيرغ والطبيبة بيتينا شراك والمساعد غيدو تيستوري، والتي قامت بعملية التشريح في المستشفى العسكري بصنعاء في 21 يونيو 2006 وقدمت تقريرا بهذا الخصوص لجمعية الكرامة.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.