بعد عشر سنوات من اندلاع الربيع العربي.. سويسريّو الشتات بين الأمل والإحباط
قد يشهد السويسريون المقيمون في الخارج أحداثاً تاريخية، كما هو حال بضعة آلاف منهم ممن يعيشون في دول تأثرت بثورات الربيع العربي في عام 2011. بعد عشر سنوات، طلبت SWI swissinfo.ch منهم تقديم تقييم لحصيلة تلك الثورات.
تم نشر هذا المحتوى على
12دقائق
أحمل درجة الماجستير في اللغات والتجارة الدولية. عملتُ لمدة ثمانية أعوام كمُساعدة شخصية للمدير العام لهيئة الإذاعة والتلفزيون السويسرية(SRG SSR) . باعتباري مُغتربة أنا أيضاً، فإنني في وَضع يُمكنني من فَهم المواطنين السويسريين الذين يعيشون في الخارج.
في ديسمبر 2010، أي قبل عشر سنوات تقريبا، أضرم الشاب محمد البوعزيزي، وهو بائع متجول، النار في نفسه في تونس احتجاجاً على مصادرة الشرطة لبضاعته. أثار هذا العمل اليائس غضب الشارع وساهم في انطلاق حركة احتجاجية سرعان ما انتشرت في دول أخرى في المغرب العربي وفي الشرق الأوسط.
قادت الشعوب تحركات قوية احتجاجا على الفقر والعطالة وكذلك ضد الفساد والاستبداد المُمارَس من قبل الحكومات الموجودة في السلطة منذ عدة عقود.
كانت الدول الثمانية التي شهدت تظاهرات احتجاجية هي: تونس ومصر وسوريا والجزائر وليبيا والمغرب واليمن والبحرين. ووفقاً للمكتب الفدرالي للإحصاء، يُقيم 4856 سويسرياً في تلك البلدان في عام 2020، غالبيتهم في تونس (1482 سويسري) والمغرب (1417) ومصر (1338).
وفي عام 2011، صار السويسريون الذين يعيشون هناك مراقبين لما يحدث من حولهم. وقد تأثروا بالانتفاضات الشعبية التي يفهمها معظمهم ويؤيدونها، ولكنهم يصرون على أنها ليست انتفاضاتهم.
دعم معنوي
عدنان بن شعبان (63 عاماً) هو، كما يقول عن نفسه، «مزدوج الثقافة» ـ من أم سويسرية وأب تونسي. عندما بدأت المواجهات الأولى في العاصمة تونس في يناير 2011، كان «في الصفوف الأولى»، حيث كان يسكن على عيْن المكان. كان يدعم المتظاهرين، ولكنه لم ينزل معهم إلى الشارع، لأنه يرى في ذلك «خطراً كبيراً» ولأنه يعتبر نفسه «ليس ناشطا سياسيا». وهو اليوم يلوم نفسه قليلاً. ففي ذلك الحين، لم يكن «يدرك أن الحراك كان اجتماعياً أكثر منه سياسياً».
أمّا ماكس رويف (71 عاماً)، الذي يعيش في تونس منذ عام 2009، وبالتحديد في جرجيس (جنوب شرق). كان كالكثير من الناس، قد سمع بالأحداث التي هزت البلاد عن طريق وسائل الإعلام. وظهر الرئيس بن علي على شاشة التلفزيون العمومي وهدَّدَ مثيري الشغب بالقمع. ومن ثم وصلت الثورة إليه أيضاً. في جرجيس، قامت السلطات بقمع الاحتجاجات بشكل وحشي. ويستعيد ماكس ذكرياته قائلاً: «لقد شاهدنا إطلاق نار في الشوارع. حيث كانوا يطلقون النار الحية على المتظاهرين أمام مقر الشرطة المركزي».
في الأيام التي تلت ذلك، هرب الرئيس بن علي من البلاد وقامت الميليشيات بنشر الرعب في المدن. وعلى غرار عدنان بن شعبان، عبّر ماكس رويف وزوجته عن تفهمهما للمطالبة التي رفعها المحتجون، إلا أنهما امتنعا عن تقديم أي دعم للمتظاهرين «لقد تحصَّنا في المنزل تحت حماية الشبان التونسيين الذين كانوا يقومون بحراسة الشوارع لردع اللصوص المحتملين».
في نهاية يناير 2011، تمرَّد الشعب المصري، متأثراً بالأحداث في تونس، ضد الرئيس حسني مبارك، الذي كان يحكم البلاد منذ فترة طويلة. من جهتها، تقول السيدة فيرينا فوليتي محمد (74 عاماً)، التي وصلت إلى مصر في عام 2005، والمقيمة في الأقصر (الجنوب): «كنت على نهر النيل مع أولادي، وعندما رجعت إلى البيت، وجدت المدينة فارغة تماماً». تمَّ إيقافها من قبل الشرطة التي أبلغتها بحصول «ثورة في البلاد». فعادت إلى منزلها واكتشفت على شاشة التلفزيون وقوع اشتباكات في وسط المدينة.
هناك أيضاً، كان القمع عنيفاً. فيرينا فوليتي لم تشارك في الحراك. «كنت خائفة من العواقب. فهنا الاتهامات سريعة جداً، يكفي أن تقول شيئاً “بالخطأ” لتجد نفسك في السجن». كان يسود انعدام الأمن وأصبح احتمال التعرض للاعتداء والسرقة في الليل كبيراً. هي الأخرى تتفهم الثورة، ولكن، تقول المنحدرة من كانتون تيتشينو مُتأسفة: «يؤلمني أن يتقاتل [الناس] ويموتون من أجل حراك لن يُحقق شيئاً في بلد ينتشر فيه الفساد مع سيطرة العسكر على كل شيء».
في المغرب، حصلت أوضاع مشابهو لكنها بأقل حدة، ولم تؤدّ إلى تغيير جذري للأوضاع. روزا فري (58 عاماً)، التي تعيش في ورزازات (الوسط) منذ عام 2007، علمت بما يحصل بفضل وسائل الإعلام. في فبراير 2011، شهدت المدن الكبرى موجة احتجاج لآلاف المغاربة. ولكن في ورزازات، تتذكر السويسرية: «لم تكن هناك أية مظاهرة».
مقارنة مع البلدان الأخرى، يعتبر المغرب استثناء. حيث أعلن الملك محمد السادس بسرعة عن إصلاح دستوري. وتقول روزا فري: «لو كنت أعيش في تونس أو في مصر، لربما كنت شاركت في المظاهرات، أما المغرب فهو ليس ديكتاتورية عسكرية. هو أكثر تسامحاً ويسير على الطريق الصحيح».
ذر الرماد في العيون
هي ليست مخدوعة لهذا الحد، وتدرك تماماً أنَّ وراء الإصلاحات التي أعلن عنها الملك تختبأ رغبة بالبقاء في السلطة. ومع ذلك، ترى السيدة القادمة من زيورخ أن تلك الاحتجاجات قد أتت أُكلها: بعد مرور عشر سنوات، تنوه إلى أنَّ: «التغييرات كانت هائلة. وقفزت البنى التحتية قفزة واسعة نحو الأمام، فقد بنوا الطرقات والمستشفيات. كما يبدو لي أن الفساد قد تراجع بعض الشيء».
وفي مصر أيضاً قادت الثورة إلى بعض التغييرات الهيكلية العميقة، ولا سيما تعديل الدستور الذي تمَّ التصويت عليه في 19 مارس 2011. إلا أنَّ فيرينا فوليتي محمد لا تخدعها الأوهام: «الناس ليسوا على علم بشيء. ثم لا أحد يعرف ما إذا كان الأمر للدعاية أكثر من أي شيء آخر». وهي تُقرُّ بأنَّه تمَّ استثمار الكثير من الأموال في تجديد المواقع السياحية الرئيسية. وفي ذات الوقت، أعربت عن أسفها لإهمال كل ما لا يخدم السياحة ـ التي تعتبر إحدى قطاعات الاقتصاد الرئيسية في البلاد حيث تُشكّل 11,9% من إجمالي الناتج المحلي (PIB).
وتجد السويسرية، وبكل قناعة، أنَّ الناس أصبحوا أكثر ريبةً وأنَّ القمع صار أسوأ مما كان عليه قبل الربيع العربي. «صحيح أنَّ المسؤولين قد تغيّروا إلا أنَّ الأموال لا زالت تذهب إلى نفس المحفظة».
في تونس، عدنان بن شعبان وماكس رويف متفقان على نقطة: من أهم المكاسب الواضحة التي حققتها الثورة التونسية هي حرية التعبير. وتعليقاً على ذلك يقول السويسري التونسي: «في عام 2011، لم أكن أستطيع التحدث إليك بهذا الشكل». أما بالنسبة لما تبقى، فهما لا يران مكاسب حقيقية. ويبدو أنَّ الإصلاحات التي تمَّ إجراؤها والدستور الجديد الذي تمَّ تبنيه في عام 2014 لم تحقق النتائج المُنتظرة. وصرَّح ماكس رويف قائلاً: «في البداية، لاحظنا أنَّ الشعب التونسي، الذي بدا لنا وكأنه يخلط بين الديمقراطية والفوضى، قد أساء فهم الحرية». وأشار السبعيني بشكل خاص إلى ازدهار الأبنية العشوائية ونزوح الشباب.
من جهته، يرى عدنان بن شعبان: «أنَّ الطبقة السياسية التي استولت على السلطة خيّبت الآمال اقتصادياً وسياسياً». ففي غضون عشر سنوات، ارتفعت تكاليف المعيشة ثلاث أضعاف وتجاوز معدل البطالة بين الشباب، الذين أطلقوا شرارة الاحتجاجات، الـ 40% في الربع الأول من عام 2021. كما أنَّ المحسوبية لا تزال موجودة حتى الآن، حيث أضاف غاضباً: «لقد كانت موجودة قبل الثورة، ولكن تحت غطاء السلطة ولم يكن أحد يجرؤ على قول شيء. أما اليوم فهي كما كانت عليه ولكن تحت ستار الديمقراطية. كنت أُفضّل أن يحكمنا نظام أقسى بدلاً من هذا النفاق».
كان الوضع أفضل قبل الثورة
ويتفق ماكس رويف وعدنان بن شعبان أيضاً على القول بأنه في النهاية، كان الوضع أفضل قبل الثورة، حيث يقول الأخير بمرارة: «حرية التعبير لم تكن تستحق كل هذا العناء». بدوره، يرى ماكس رويف أنَّ: «الوضع قد تدهور: بطالة، وتراجع القوة الشرائية، وانعدام الأمن… لذا نعم، كان الوضع أفضل قبل الثورة، وهذا ما يقوله الكثير من التونسيين أنفسهم».
في مصر، لا ترى فيرينا فوليتي محمد الوضع أفضل ولا أسوأ: «هنا، الناس المهتمون بالسياسة ليسوا ناشطين. وطالما أنهم لا يتدخلون، لن يكون هناك أي تغيير حقيقي».
التغيير يواجه المصاعب
الجميع يخرجون بنفس النتيجة: لقد تحوّلت الألعاب النارية التي انطلقت في البداية إلى نار في الهشيم، خالطةً بين الصبر والأمل والإحباط. في السياق، تقول روزا فري من المغرب: «سيحتاج التغيير إلى جيل أو جيلين». وتضيف، مثلها مثل عدنان بن شعبان من تونس، أنَّ أحد أسوأ أمراض البلد هي المحسوبية، التي تضع «الشخص السيئ في المكان غير المناسب». وهي تُلقي اللوم على ضعف الإدارة والفساد وسوء النظام التعليمي.
من ناحيتها، تعتبر فيرينا فوليتي محمد أنَّ الحكم في مصر لا يزال يهيمن عليه الجيش: «هي ليست ثورة في المدن التي يجب أن تكون فيها، إنها حرب» وبالتالي هي أقنعت نفسها بأنَّه: «للعيش هنا، عليك ألا تهتم. فإما أن تعتاد وإما أن تعود إلى سويسرا».
ومن تونس، يقول ماكس رويف: «ما زلنا نستمتع بالعيش في تونس، ولكن قلوبنا حزينة لرؤية الفقر والمصاعب التي تُحيط بنا».
تم نشر هذا المحتوى على
ويمكن تلخيص هذه العوامل في ثلاث: مسألة الهوية والصراع الإجتماعي (الطبقي) والعلاقة مع ظاهرة العولمة، بصفتها أحد المحدّدات الكبرى الجديدة، ليس فقط للإقتصاد والسياسة، بل أيضاً للثقافة والفِكر في كل دول العالم. كل هذه العوامل مجتمعة كانت حاضِرة خلال اندلاع الثورات، لكن الطريقة التي تفاعلت بها هذه العوامل في الشارع المنتفِض، كانت غامِضة إلى حدٍّ…
“تونس أنجحُ تجارب التحول الديمقراطي.. رغم الصّعاب”
تم نشر هذا المحتوى على
بعد شهور من الإستقطاب السياسي بين الإسلاميين والعلمانيين في تونس، والذي كاد يعصف بالتحوّل الديمقراطي ويقترِب بالبلاد من الإنقسام الحاد، الذي تشهده مصر، ومع زيادة الضغط الشعبي لتشكيل حكومة تسيير أعمال من التكنوقراط، في ضوء ما رأته المعارضة عجزا من الحكومة التي شكّلها حزب النهضة الإسلامي بعد فوزه في انتخابات أكتوبر عام 2011 واستعان فيها…
“الشعوب التي ثارت ضد الطغيان لا يمكن أن تقبل عودة أنظمة جائرة”
تم نشر هذا المحتوى على
أثارت ثورات الربيع العربي في بدايتها الكثير من التفاؤل لأن الشعوب المنتفضة، طالبت فيها أولا وقبل كل شيء، بالحقوق والكرامة. ولكن ما آلت إليه الأوضاعُ في العديد من هذه البلدان يطرح العديد من التساؤلات حول ما تبقّى من تلك الطموحات – على ضوء ما يحدث على أرض الواقع، سواء في تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن…
تم نشر هذا المحتوى على
ألوان تذكِّر بأن الطموح لنيْل الحرية والديمقراطية، ليست حرباً واحدة تُربَح أو تُخسَر مرة واحدة، بل هي سِلسلة معارِك متّصلة، يتراكم فيها الوعي الليبرالي المؤدّي إلى الديمقراطية بمشقّة وعبْر التجربة والخطأ. أجل. القوى التي يُفترض أنها قامت بثورات الربيع لتحقيق حُلم الحرية، كانت أول من تنكّـر لها، سواء تلبّست هذه حلّة ليبرالية أو إسلامية، وهذا…
تم نشر هذا المحتوى على
تجسيد سويسرا لقيم الديمقراطية والسلام يحملها مسؤولية الإسهام بفعالية في رفع التحديات التي تواجه الإنسانية مثل العنف والفقر والإستبداد والفساد. كجزء من فعاليات قسم "الابواب المفتوحة" بالدورة الحالية لمهرجان لوكارنو السينمائي الدولي، أطلق الرئيس السويسري ديدييه بوركهالتر يوم الاحد 10 أغسطس الجاري مبادرة "ديمقراطية بلا حدود". والهدف منها تعزيز الديمقراطية والسلام وحقوق الإنسان في العالم من خلال بعث ودعم مشاريع ملموسة في العديد من المناطق في العالم.
وأوضح بوركهالتر في خطاب ألقاه بالمناسبة أن "تجسيد سويسرا لهذه القيم، يحمّلها مسؤولية الإسهام الفعال في رفع التحديات التي تواجه الإنسانية، وحلّ أزمات العالم المتفاقمة"، وفقا للبيان الصادر عن وزارة الخارجية السويسرية.
وبالنسبة للرئيس السويسري دائما "تتأثّر سويسرا مباشرة من الأوضاع السائدة في العالم". وحتى الأزمات التي تحدث بعيدا عن حدودها، "تكون لها تداعيات في داخلها على مستوى الهجرة والامن والاقتصاد"... ومن مصلحة سويسرا يضيف المسؤول السويسري: "الإسهام في تحقيق الإستقرار في العالم".
لكن ليس هذا فحسب، فالكنفدرالية، وفقا لديدييه بوركهالتر "تحصل على الكثير من ثرواتها من التبادل التجاري مع الخارج، ومن انفتاحها على المناطق الاخرى، وهي من أكثر البلدان عولمة وتنافسية، ومن اكثرها اعتمادا على التجديد والابتكار". وإلى جانب كل هذه المصالح، "علينا أيضا واجب المساهمة في الاستقرار العالمي"، يضيف وزير الخارجية السويسري.
البحث عن الجدوى والإشعاع
الفكرة التي تتأسّس عليها هذه المبادرة بسيطة جدا، وهدفها وفقا لسونجا إيسيلاّ، موظفة دبلوماسية وناطقة بإسم وزارة الخارجية السويسرية: "إشراك شخصيات سويسرية تحظى بالإشعاع والشهرة في الداخل والخارج في تنفيذ مشاريع تشرف عليها الوكالة السويسرية للتعاون والتنمية، وزيادة تأثيرها للفت الأنظار وجذب الإشعاع إليها".
ولا تهدف مشاركة هؤلاء إلى توعية وتحسيس السكان السويسريين لأهمية هذه المشاريع فحسب، بل وكذلك تحسيس السكان المحليين في البلدان المستفيدة بحجم التحديات وأهمية الرهانات التي تسعى إلى تحقيقها".
وتنحدر هذه الشخصيات من مجالات واختصاصات متنوعة، من سياسيين، وفنانين، وإعلاميين، ورجال أعمال،... وهذا التعدد والتنوّع يعزّز من فعاليات هذا المسعى. لكن ميزة هذه المبادرة كما ترى إيسلاّ، هو أن "الجميع يتعاون من أجل الجدوى والفعالية، وتحقيق النجاح المنشود".
وتتضمّن القائمة المؤقتة التي نشرتها وزارة الخارجية للشخصيات التي قبلت حتى الآن القيام بهذا الدور أسماء لامعة مثل أندرياس آور، الفقيه الدستوري، وديك مارتي، عضو مجلس الشيوخ السويسري، ونائب رئيس المنظمة الدولية لمناهضة التعذيب (OMCT)، وشيارا سيمونيشي، النائبة البرلمانية السابقة، والرئيسة السابقة للجنة الفدرالية المعنية بقضايا المرأة، وفيرونيك بوليتو، السكرتيرة الأولى لإتحاد النقابات السويسرية....، والمعيار الرئيسي لإختيار هذه الشخصيات بحسب الناطقة بإسم وزارة الخارجية "خبرة المترشحين ومعرفتهم بالمجالات ذات الصلة بالمشاريع التي اختيروا سفراء لها".
تعزيز الديمقراطية
أما المشروعات التي اختارت الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون، وقسم السلامة الإنسانية بوزارة الخارجية إدراجها ضمن هذه المبادرة حتى الآن فتشتمل على ثلاثة مشروعات طموحة.
يهدف المشروع الأوّل إلى دعم عملية الانتقال الديمقراطي في تونس، إذ يشهد هذا البلد المغاربي منذ اندلاع ثورات الربيع العربي "عملية تحوّل مهمة وعميقة". وتركّز سويسرا بحسب سونجا إيسلاّ جهودها ودعمها في هذا السياق على "تعزيز دور المرأة التونسية في الحياة السياسية، ودعم استقلالية وسائل الإعلام، والمساعدة في جهود إصلاح المؤسسات الامنية والقضائية".
وعن الدور المستقبلي لبرنامج "ديمقراطية بلا حدود" في تونس، تقول الموظفة الدبلوماسية السويسرية في حديث إلى swissinfo.ch: "حالما تنظم الانتخابات التشريعية المقبلة، ستكون المهمّة الرئيسية للبرلمان المنتخب تنزيل الدستور الجديد، ما سيتطلّب صياغة عدد كبير من القوانين والمراسيم ثم المصادقة عليها وتنفيذها. وفي بعض المجالات المحددة، ستوفّر شخصيات سويسرية مثل أساتذة القانون والمحامين، والمعنيين بقضايا حقوق الإنسان، وأعضاء سابقين في البرلمان السويسري، المشورة والنصح للبرلمانيين التونسيين المنتخبين حديثا".
للسينما دورها أيضا
شهدت الدورة السابعة والستون لمهرجان لوكارنو السينمائي الدولي تنظيم حدث استثنائي وخاص بالتعاون مع الوكالة السويسرية للتعاون والتنمية ووزارة الخارجية.
فقد تم تقديم الفيلم الاثيوبي "ديفريت" (Difret) للمخرجة زيريزيناي برهان مهاري في عرض خاص وتبعه نقاش مع منتج الفيلم ميهرات مانديفرو، ومشاركة نافي بيلاي، مفوّضة الامم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، وفينانتي بيزينفاي نابينتي أمينة عام المنظمة الكونغولية غير الحكومية "شبكة النساء المدافعات عن حقوق الإنسان وعن السلام"، وجيانكارلو دي بيشياتو، رئيس مكتب الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون بمنطقة البحيرات الكبرى.
وفيلم "ديفريت"، عمل روائي طويل يروي قصة محامية اثيوبية تقوم بالمرافعة والدفاع عن فتاة تبلغ من العمر 14 عاما متهمة بقتل رجل حاول اختطافها لإجبارها على الزواج به. وهذا هو الفيلم الرابع فقط الذي ينتج في أثيوبيا باللغة الامهرية الرسمية في اثيوبيا. ولعنوان الفيلم دلالتيْن: "الشجاعة" وأيضا "المغتصبة".
يتساءل هذا الفيلم الذي يشارك في مهرجان لوكانو السينمائي الدولي ضمن قسم "الأبواب المفتوحة" عن فرص اندماج مجموعات سكانية معينة في العالم الحديث، وعما يحدث عندما يتم التخلّي عن تقاليد استمرت لقرون، وما يواجه الافراد عندما يتخلون عن نظم عقائدية معينة.
سبق لهذا الفيلم أن فاز بجائزة أفضل فيلم روائي في بنوراما جائزة الجمهور في مهرجان برلين السينمائي، كما حصل على جائزة الجمهور في مهرجان الفيلم السويدي.
دعم الفئات الضعيفة
البرنامج الثاني ضمن مبادرة "ديمقراطية بلا حدود"، يتمثّل في نجدة ومساعدة النساء اللاتي هن ضحايا العنف والاغتصاب في منطقة البحيرات الكبرى الفاصلة بين رواندا وبورندي والكونغو الديمقراطية. منطقة شهدت العديد من النزاعات المدمّرة في التسعينات، وتسببت في ويلات شديدة للسكان المحليين خاصة بالنسبة للنساء حيث تعرضن إلى العنف والاغتصاب، ممارسة انتشرت على نطاق واسع خلال نزاعات استمرت لعقد كامل. وتشير التقديرات السويسرية إلى أن عدد ضحايا الاغتصاب في تلك المنطقة يصل إلى 5000 حالة في السنة.
وللحد من هذه المعاناة، تموّل الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون برنامجا يشمل جنوب الكونغو الديمقراطية وبورندي ورواندا المجاورتيْن، ويقدّم الرعاية الصحية والنفسية والاجتماعية لهذه الفئة من النساء بالتعاون مع المؤسسات الاهلية هنا ومع مؤسسات المجتمع المدني السويسري المعنية بحقوق المرأة.
ولمعالجة ظاهرة العنف ضد النساء من جذورها، تعتمد الجهود السويسرية وفقا لتقرير على موقع الوكالة السويسرية للتعاون والتنمية مقاربة تشاركية تساهم فيها عائلات الضحايا والمجموعات السكانية المحلية في أفق إيجاد آليات دائمة تكون قادرة على رد الفعل والتحرّك لمواجهة أي خطر يهدد وحدة النسيج الاجتماعي في تلك المناطق.
المشروع الثالث الذي أطلقته الوكالة السويسرية للتعاون والتنمية ضمن هذه المبادرة في العام الماضي يهدف إلى توفير فرص التدريب المهني للذين يقطنون في الاحياء الشعبية في ضواحي مدن كبيرة بالهندوراس، حيث يوجد مستوى عال من الانحراف والعنف. إنها محاولة لإيجاد بديل لهؤلاء الشباب للوقاية من الوقوع في قبضة العصابات والجريمة المنظمة في بلد يعرف بأعلى معدلات القتل والجريمة في العالم.
لا يهدف المشروع إلى تحسين القدرات المهنية والتقنية للمستفيدين، بل تمكينهم مهارات وخبرات عامة تساعدهم على الإندماج في المجتمع وتجنب الوقوع في الإنحراف. ولقد حدّد هذا البرنامج هدفا مرحليا له يتمثّل في تكوين 12.200 شابا إضافيا بحلول عام 2017، على أن يحصل 50% منهم على الأقل على فرص عمل خلال السنة التي تلي انتهاء تدريبهم، بما يساعدهم على الخروج من الدائرة المفرغة للعنف والفقر.
لئن كان توجّه مبادرة "ديمقراطية بلا حدود" في الأساس دعم مشاريع الوكالة السويسرية للتعاون والتنمية القائمة اصلا، فإنها لا تستبعد كما تقول سونجا أيسلاّ دعم مشروعات أخرى في المستقبل، ودعوة المشاهير السويسريين إلى التعريف والترويج لها، وكان هذا ردا منها على سؤال swissinfo.ch بشأن امكانية إطلاق جهود سويسرية لدعم الأقليات الدينية والعرقية التي تواجه الخطر في العراق حاليا.
ثورات الربيع العربي فرضت ملف الأموال المُهرّبة على الأجندة الدولية
تم نشر هذا المحتوى على
يُجمع الكثير من المختصين على القول بأن ثورات الربيع العربي كان لها تأثير كبير ليس فقط في ممارسة مزيد من الضغوط على إجراءات إعادة الأموال المهربة المعقدة والطويلة الأمد التي كانت تنتهجها سويسرا بشكل رائد في هذا المجال، بل أيضا في فرض الموضوع كأولوية على طاولة المجموعة الدولية وبالتالي توسيع رقعة الدول المعنية بالمسألة وعدم الإقتصار…
اكتب تعليقا