علماءُ ومُفكرون يبحثون عنف الإسلاميين
تداول أكثر من أربعين أكاديميا في الدوحة على مدى يومين "ظاهرة العنف: من مواجهة الآثار إلى معالجة الأسباب" عبر ندوة نظمها مركز الخليج للدراسات.
وحضر اللقاء كوكبة من كبار علماء الدين والمفكرين في العالم العربي من بينهم الدكتور يوسف القرضاوي وزعيم جبهة الإنقاذ الجزائرية عباسي مدني.
فيما ساد اتفاق بين المشاركين في الندوة حول ضرورة التفريق بين مفهومي الجهاد والعنف في فلسطين، باعتبار أن ما يحدث هناك هو “أعظم أنواع الجهاد في عصرنا” على حد وصف القرضاوي، اختلف الراي وتباين حول العمليات التي تمارسها بعض التنظيمات الإسلامية في عدد من الدول العربية.
وقال القرضاوي في هذا الصدد “إن آفة الجماعات الإسلامية المتطرفة في رؤوسهم وليست في قلوبهم”، مضيفا أن “هناك خللا في فقه هذه الجماعات” وداعيا إلى فتح حوار معهم عن طريق العلماء الثقاة وليس عن طريق “علماء السلطة أو عملاء الشرطة” على حد تعبيره.
ورغم أن مديرة جامعة قطر الدكتورة شيخة المسند التي افتتحت الندوة قالت إنه “لا يجب اختزال هذه الظاهرة والنظر إليها من زاوية سياسية فقط”، ورغم وجود محاور في الندوة تهم العنف الاجتماعي والآخر المسلط على المرأة، فإن جلستي عمل المحور السياسي للعنف وارتباط العنف ببعض التنظيمات والأحزاب السياسية، استأثرتا باهتمام خاص بسبب ضغط الأحداث الدامية في المملكة العربية السعودية والعراق والجزائر، وهي البلاد التي تكرر ذكرها أكثر من مرة كنماذج على هذا الضرب من العنف.
“الإرهاب نشأ مع الخليقة”
ويرى الدكتور رفعت سيد أحمد، الكاتب والباحث المصري، أن الديمقراطية كفيلة بامتصاص عنف هذه الجماعات. وعلى شاكلته قدم المحامي الإسلامي منتصر الزيات مداخلة تدعو إلى محاورة هؤلاء المتشددين كسبيل لمساعدتهم على مراجعة فكرية مثل تلك التي حدثت في مصر.
لكن هذا الراي اصطدم بوضوح مع طرح الدكتور عبد الحميد الأنصاري العميد السابق لكلية الشريعة والقانون بجامعة قطر، والذي يعتقد أن العنف يجب أن يكون مُحتكرا من طرف الدولة لكي تستعمله في الدفاع عن كرامة المواطن وأمنه.
في المقابل دعا حسن إبراهيم، الباحث في قناة “الجزيرة” إلى استنتاج العبرة والدروس من التجارب الفاشلة لحكم الإسلاميين في السودان مثلا، والاحتذاء بمنهج العلمانية الغربية التي قدمت الكرامة والحرية للجميع.
ومن جهته، قدر الدكتور مصطفي عقيل الخطيب أستاذ التاريخ بجامعة قطر، أن الذين يقومون بالأعمال الإرهابية هم مجموعة من الشباب العاطلين عن العمل أو المتخلفين فكريا، ملتقيا مع كثير من المشاركين في أنه لا يمكن القضاء علي الإرهاب بشكل كامل لأن الظاهرة أوجدها الله مع بدء الخليقة منذ تقاتل ابنا آدم عليه السلام قابيل وهابيل، لكن يمكن التقليل والتخفيف من وطأتها.
منطق الحملات الصليبية؟
وأعطى الدكتور محمد محيي الدين أستاذ علم الاجتماع بعدا أوسع لظاهرة العنف بحديثه عن الهيمنة الأمريكية على العالم، وتراجع هذه الهيمنة علي مدار السنوات الثلاث الماضية في وجه التحديات التي واجهتها من الاتحاد الأوروبي ومن دائرة جنوب شرق آسيا التي يقودها رأس المال الياباني بالتحالف مع المهاجرين الصينيين.
وأوضح الدكتور محيي الدين أن الاتحاد الأوروبي اتخذ الشكل السياسي كما اتخذ جنوب آسيا الشكل الاقتصادي، فيما اتخذ العالم الإسلامي شكل التأكيد علي الهوية. و”من هنا يمكن فهم ظاهرة العنف التي تتبناها الجماعات الإسلامية وتفسر الإسلام في ضوء رؤية سيد قطب وغيره” حسب تعبيره.
ويرى الدكتور محيي الدين أن ما تقوم به جماعة القاعدة اليوم هو إعادة إنتاج لمنطق الفعل الذي مارسته الحملات الصليبية من حيث أنهم ينقلون مجال المعركة إلى قلب الغرب نفسه في نيويورك، وإسبانيا، وهو الإطار التاريخي العام الذي تولد فيه العنف السياسي المعاصر الاجتماعي للتحولات.
افتقار لوضوح الرؤية
وقد بدا واضحا من خلال مجمل المداخلات أن الأكاديميين العرب لم يتوصلوا بعد إلى تنضيج فكرتهم حول العنف وأسبابه، فضلا عن طرق التصدي له، ذلك أن كل فريق منهم ما زال ينظر للظاهرة من خلال موقعه السياسي وخلفيته الأيديولوجية، وليس من خلال نظرة مجردة وموضوعية.
ولعل اعتراف محامي الإسلاميين في مصر منتصر الزيات بان “هذه الحركات بصدد التقدم نحو النضج شيئا فشيئا” يعكس الحقيقة نفسها التي يدور فيها المفكرون العرب، الذين يحاولون تنضيج موقف من الظواهر التي تتلبس بمجتمعاتهم عبر ندوات لا يرجح كثيرون أن تترتب عليها قرارات من الجهات المعنية بها، سواء كانت في السلطة أو خارجها لعدم وضوح الرؤية حولها ولعدم الاجتماع حول صحتها من خطئها.
فيصل بعطوط – الدوحة
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.