سويسرا في صدارة مبادرة عالمية من أجل وصول عادل لخدمات الذكاء الاصطناعي
تتصدّر سويسرا مبادرة عالمية لتعزيز استفادة الدول من الذكاء الاصطناعي على قدم المساواة، بقطع النظر عن قوتها الاقتصادية أو السياسية. أظهرت مشاريع تجريبية ثلاثة، قوة الموارد الدولية المرصودة لتعزيز أبحاث الذكاء الاصطناعي حول أكثر المشاكل إلحاحًا في العالم.
ويُعدّ الذكاء الاصطناعي غالبا، تكنولوجيا متطورة، قادرة على تسريع وتيرة تقدّم البحث العلمي في مجالات عديدة؛ من التنبؤات الجوية، إلى الطب، والطاقة. لكن يُخشى في المقابل أن تحتكر البلدان والشركات الغنية، الجيل الجديد من الحواسيب فائقة القوة.
لا يوجد تعريف واحد مقبول للذكاء الاصطناعي. غالبًا ما يتم تقسيمه إلى فئتين، الذكاء الاصطناعي العام (AGI) الذي يسعى جاهدًا إلى محاكاة السلوك البشري عن كثب، بينما يركز الذكاء الاصطناعي ضيق الاستخدام على مهام واحدة، مثل التعرف على الوجوه والترجمة الآلية وتوصيات المحتوى، مثل مقاطع الفيديو على يوتيوب.
وتعرّضت سويسرا حتى وقت قريب، إلى انتقاد بطء تكييف قوانينها الوطنية المنظّمة لاستخدام الذكاء الاصطناعي محلياً، لكنها اكتسبت الآن مكانة هامة دوليا، بدعوتها إلى تعزيز تبادل الخبرات والتجارب في مجال الذكاء الاصطناعي، في جميع أنحاء العالم.
وتهدف شبكة التحالف الدولي للذكاء الاصطناعي (ICAIN) التي تحتفظ فيها سويسرا بالمبادرة، إلى ربط المشاريع العلمية في الدول النامية بأحدث الحواسيب الفائقة، وبأفضل خبرات الذكاء الاصطناعي في العالم، لخلق تكافؤ الفرص للجميع.
+ دبلوماسي يدافع عن معاهدة دولية حول الذكاء الاصطناعي
وصرّحت كاتارينا فراي، نائبة رئيس قسم السياسة الرقمية في وزارة الخارجية السويسرية لسويس إنفو ( SWI swissinfo.ch): “نلاحظ اختلالاً كبيراً في توازن القوى، فيمكن لأقلية من الشركات في جميع أنحاء العالم، تطوير نماذج ذات قدرة حاسوبية عالية، تعجز عنها الأغلبية عادة”.
التصدي لعدم المساواة
وتضم المجموعة المؤسسة لشبكة التحالف الدولي للذكاء الاصطناعي إلى جانب وزارة الخارجية السويسرية، المعهدين الفدراليين التقنيين في زيورخ (ETH )، ولوزان (EPFL)، والمختبر الأوروبي للتعلم والأنظمة الذكية (ELLIS)، وعلوم البيانات في أفريقيا (Data Science Africa)، بالإضافة إلى مراكز الحواسيب الفائقة في سويسرا وفنلندا.
وقالت سييرا ماينا، رئيسة مركز علوم البيانات في أفريقيا:”تصدي هذه الشبكة الدولية لعدم المساواة في الوصول إلى الذكاء الاصطناعي، مهمّ. إذ ليست الشركات التكنولوجية الكبيرة سيئة في حد ذاتها، فنحن جميعًا نستخدم منتجاتها، ولكنّ تنوّع النظام البيئي ضروريّ”.
وتدعم شبكة التحالف الدولي للذكاء الاصطناعي، التي أُطلقت في شهر يناير من هذا العام، مشروعين علميين في أفريقيا ومبادرة الذكاء الاصطناعي، بالتعاون مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر (ICRC). يمكّن كلّ منهما من الوصول إلى الحواسيب العملاقة، وفريق الخبراء الأكاديمي الرائد في مجال الذكاء الاصطناعي.
وتلتزم الشبكة بنداء الأمم المتحدة من أجل المساواة في الوصول إليه. فخصّتها حسب تقرير صدر في شهر سبتمبر، بوصفها نموذجا لكيفية تعزيز شبكات الذكاء الاصطناعي العالمية، لتقاسم الموارد وتحقيق أهداف الاستدامة. وقد أكّد التقرير ”قدرة الاقتصادات المتقدمة على تيسير بناء قدرات الذكاء الاصطناعي من خلال التعاون الدولي، وواجبها أيضا“.
+ هل يمكن لسويسرا تقدّم الصفوف بشأن احترام أخلاقيات الذكاء الاصطناعي؟
فما هي النتائج العلمية المتوقعة لهذه المبادرة؟ ترى ماينا، أستاذة الهندسة الكهربائية وعلوم البيانات في جامعة ديدان كيماثي للتكنولوجيا في كينيا، إمكانية تعزيز التعاون الدولي البحوثَ الأفريقية في مجال التنبؤات الجوية، والتعرّف على أمراض المحاصيل.
وتضيف هذه الخبيرة الأفريقية:” يُعدّ حشد المزيد من قوة الحوسبة معطى جديدا ومهما، لأنه يعني إمكانية توسيع نطاق هذه البحوث. فقد أتاحت لنا شبكة التحالف الدولي للذكاء الاصطناعي، خبرات عالية الجودة وإمكانية الحصول على حواسيب فائقة القدرة“.
حماية البيانات الحساسة
وقد يعالج الذكاء الاصطناعي المزيد من البيانات في الآلات التي يمكن تدريبها على “التفكير“ التلقائي والتعلم بمرور الوقت، ما قد يزيد حجم العمليات الحسابية، وينوّع الحلول المقترحة لمعالجة المشاكل المطروحة أكثر.
كما قد تفيد هذه القدرة الحاسوبية الفائقة اللجنة الدولية للصليب الأحمر في مجال عملها الإنساني. إذ تعتمد على كميات هائلة من ملفات الحالات، والملاحظات التي يوفّرها العمل الميداني، بدعم من بيانات الأقمار الصناعية مثلا.
المزيد
وتأمل هذه اللجنة أن تستوعب النماذج اللغوية الكبيرة (أنظمة الذكاء الاصطناعي المدربة على فهم كميات كبيرة من البيانات وتفسيرها) البيانات المتغيرة باستمرار، والمستمدة من الأوضاع الميدانية التي تتسم بالفوضوية، ما يسمح لها بتخطيط العمليات، وتعبئتها بشكل أفضل.
ويقول بليز روبرت، مستشار المنظمة الإنسانية في مجال الذكاء الاصطناعي: “نرى طريقة الذكاء الاصطناعي في تشكيل الحروب، وما لها من تأثير مباشر في سكان مناطق النزاعات. لكنه يقدم أيضًا إمكانات مهمة لتحسين طريقة تقديم المساعدات الإنسانية”.
مبادرة سويسرية
وتهتمّ اللجنة الدولية للصليب الأحمر كثيرا بأن يسمح لها الذكاء الاصطناعي بالاحتفاظ بالسيطرة الكاملة على بياناتها الحساسة.
فيقول روبرت:”يعتمد الحفاظ على ثقة الفئات التي نتحدث إليها وهي تمرّ بوضع حساس، على مدى حفاظنا على سرية هذا الحوار، فمن المهم جداً أن تُحكم اللجنة الدولية للصليب الأحمر السيطرة على بياناتها. وعليها التثبّت من عدم اعتمادها على بعض الجهات التي قد تسبب لها مشكلات تشغيلية في المستقبل”.
وأثنت ماينا من مؤسسة البيانات العلمية بأفريقيا، على سويسرا لأخذها زمام المبادرة لإطلاق شبكة التحالف الدولي للذكاء الاصطناعي.
وقالت: ”لطالما تواتر الحديث عن مشكلة عدم المساواة في الحصول على خدمات الذكاء الاصطناعي، ولكن يتطلب الأمرأحيانًا اتخاذ المبادرة بجمع الأطراف المناسبة معًا في مكان واحد للتعاون من أجل إيجاد حلّ، لقد بدأنا ببذرة نأمل أن تغذي المزيد من التفاعل العالمي، وتجلب شركاء جدد إلى هذه المبادرة”.
ورغم مبادرة سويسرا بإنشاء هذه الشبكة الدولية، أعلنت وزارة خارجيتها عدم نيتها التحكم في عملياتها، أو مسار نموها المستقبلي في مناطق أخرى من العالم. بل تخطط لإنشاء كيان قانوني مستقل فيها، يوفّق بين المشاريع العلمية وموارد الذكاء الاصطناعي.
ولم يُكشف بعد عن تفاصيل هذا الكيان، ولكن يتجه التفكير إلى تحرير الهيئة من أي إيحاءات بتدخل سياسي للدول.
وقالت أنجيلا مولر، رئيسة قسم السياسات في منظمة سويسرا لمراقبة الخوارزمية غير الحكومية: ”نحن في حاجة ماسة إلى مبادرات تخلق بدائل للاقتصاد السياسي الواقف حالياً وراء الذكاء الاصطناعي، وتُطبق عليه قلة من الشركات العالمية الكبرى هيمنتها”.
وأضافت قائلة: ”على التحالف الدولي للذكاء الاصطناعي، أن لا يقصر أهدافه على كيفية استخدام المزيد والمزيد من هذا الذكاء في تعزيز الاستدامة أو العدالة، بل عليه أن يركّز في كيفية جعله هو نفسه أكثر استدامة وعدالة أيضا“.
تحرير: فيرونيكا دي فوري
ترجمة: عبد الحفيظ العبدلي
مراجعة: مي المهدي
التدقيق اللغوي: لمياء الواد
المزيد
مقالاتنا الأكثر قراءة هذا الأسبوع
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.