مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

سويسرا: نحو استهلاك كميات أقلّ من اللّحوم بحلول 2050؟

خنزيران مقيدان
في 11 يونيو 1986، تظاهرت دينيس غراندجيان، وهي مزارعة من فاليه، ضد تربية الخنازير في مزارع تشبه المصانع. وقادت بنفسها خنزيريْن مقيّديْن أمام القصر الفدرالي في برن. KEYSTONE

تهيمن اللّحوم على النظام الغذائيّ والزراعة في سويسرا، لكنّ ذلك يجب أن يتغيّر ، حتى تتمكّن البلاد من تحقيق أهدافها المتعلّقة بالمناخ ، بحلول عام 2050. وتثير بعض التوجّهات قلق الخبراء والخبيرات ، على غرار ازدياد استهلاك الدجاج. ومع ذلك، فإنّ الحلّ ممكن .

كثيرا ، ما سمعنا عن ضرورة التقليل من تناول المنتجات الحيوانيّة، وخاصّة اللّحوم . لقد غيّرت نظامي الغذائي منذ عامين ، كما ورد في هذه السلسلة، ولا أتناول الآن، اللحوم سوى مرة أو مرتين في الشهر، فقط.

لقد تفاجأت كثيرا بترويج الحكومة السويسريّة للأنظمة الغذائية، التي تحتوي على كمّيات أقلّ من اللحوم ، من أجل الحدّ من انبعاث الكربون، وتحقيق أهدافها المتعلّقة بالمناخ، بحلول عام 2050. وقد صدر هذا الإجراء، عن بلد معروف بتربية الأبقار، يتلقىّ مربّوه ومربّياته،دعمًا من الدولةرابط خارجي، والعديد من المزارعين والمزارعات، أعضاء وعضوات في البرلمان، يدافعون ويدافعن، عن التقاليد السويسرية القويّة، في مجال اللّحوم ومنتجات الألبان.

لكن تشير استراتيجيّة المناخرابط خارجي في البلاد، إلى أنّ استهلاك اللحوم “لا يزال مرتفعا للغاية”. وهذا صحيح: ففي سويسرا، يأكل كل شخص حوالي 50 كيلوغراما من اللحوم سنويا، وهي كمية وإن كانت دون المعدّل السنويّ في فرنسا، وإسبانيا، وألمانيا، إلّا أنّها أعلى من المتوسّط ​​العالمي، البالغ رابط خارجي28 كيلوغرامارابط خارجي بكثير .

أما في المنطقة العربية، فيقدّر حجم سوق اللحوم بنحو 29 مليارا و930 مليون دولار بحسب إحصاءات 2022. ومن المتوقع أن تصل هذه السوق إلى 33 مليارا و200 مليون دولار بحلول عام 2029، وذلك بمعدل نمو سنوي مركب قدره 2.09% وفق ما ذكرت منصة “موردور إنتليجنس”. وإذا كانت مصر هي أكبر دولة عربية منتجة للحوم في عام 2022، فإن السعودية كانت أكبر دولة عربية مستوردة له في العالم العربي.

ويكشف الرسم البياني التالي على أن استهلاك اللحوم الحمراء مرتفع جدا في دول النفط والغاز في العالم العربي كما هو الحال في دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والكويت، في المقابل يتراجع حجم الإستهلاك في البلدان محدودة الدخل مثل اليمن والسودان والعراق. ولا تخرج عن هذه القاعدة سوى الجزائر التي يستهلك المواطنون والمواطنات فيها كميات محدودة من اللحوم رغم ثرواتها الطبيعية المتنوعة.

محتويات خارجية

استراتيجية تفتقر إلى الجدوى

يرى الخبراء والخبيرات، أن استراتيجية الحكومة السويسرية تفتقر إلى تدابير ملموسة، لإقناع الناس بتناول كميات أقل من اللحوم، واستهلاك المزيد من المنتجات النباتيّة .

يقول مايكل سيغريست، الأستاذ في المعهد التقني الفدرالي العالي في زيورخ :”لن تكون هذه الاستراتيجية، دون مشاركة المستهلكين والمستهلكات، أكثر من حبر على ورق”.

ويدرك سيغريست، الذي يدرّس سلوك المستهلك والمستهلكة، منذ ما يقرب من 20 عاما، أنه من الصعب للغاية على الناس، رجالا ونساء، تغيير عاداتهم.ن الغذائية طوعا. ويقول: “إذا لم ير الناس، حافزاً، فلن يقوموا.ن بذلك”.

ولا تزال بدائل اللحوم مقتصرة على فئة معينة من النساء والرجال: فبعد الطفرة الأولية، شهدت المبيعات ركودا، وفق دراسة أجرتها شركة “كوب سويسرا”( Coop Switzerland)رابط خارجي، إحدى أكبر سلسلة للتجارة بالتجزئة في البلاد. وي.تشيررابط خارجي المستهلكون والمستهلكات، إلى ارتفاع الأسعار، والمخاوف الصحيّة المتعلّقة بالمنتجات المصنّعة ، كأسباب لعدم شراء المزيد منها.

ومع ذلك، تعتبر الباحثة والخبيرة الزراعية بريسكا باور، استراتيجيّة الحكومة، خطوة مهمّة إلى الأمام.

وتقول باور: ” لم يكن بالإمكان قبل عام أو عامين حتّى، مجرد ذكر تخفيض استهلاك اللحوم”.  وترأس باور، مشروع أبحاث رابط خارجي“نوف نيمال” رابط خارجي (Novanimal)  لنظام غذائيّ صحيّ، وغير مُضِرٍّ بالطبيعة، وهي نباتية منذ مراهقتها. وتقول إنها لن تعود إلى تناول اللحوم، إلاّ إذا ذبحت هي بنفسها الحيوان، الذي تنوي أن تضعه في طبقها .

وتقول: “لقد عملت في مجال الزراعة، وأنا أعرف كيف أفعل ذلك… ولكني لا أريد”.

وتقرّ باور أنّ الطريق إلى الحدّ من استهلاك اللحوم في سويسرا، محفوف بالعقبات. ولا يقتصر الأمر على أنّ اللحوم، لا تزال مركزيّة في الثقافة الغذائيّة السويسريّة – مثل النقانق، أو الفوندو المحضرة باللحم، أو حساء لحم العجل على طريقة زيورخ – ولكنها تهيمن أيضًا على الإنتاج الزراعي في البلاد.

القليل من لحم البقر ولحم الخنزير والمزيد من الدجاج

تهيمن اللحوم ومنتجات الألبان على الزراعة، في سويسرا، وهي مسؤولة عن أكثر من 15% من انبعاثات غازات الدفيئةرابط خارجي في هذا البلد الواقع في جبال الألب. وتقول باور: كذلك، سيتطلّب خفض الانبعاثات تقليل عدد الحيوانات في المزارع ، لكن ذلك لم يُذكر صراحةً، في استراتيجيّة الحكومة.

وعموما، هي لا ترى تغييرات كبيرة جارية. وتقول باور : لقد تزايد إنتاج اللحوم، على سبيل المثال، منذ الستينيات، وكذلك تزايد الاستهلاك، “رغم أنّ السياسيّين يريدون منّا أن نعتقد خلاف ذلك”. ويُظهر التقرير الزراعي الفدراليرابط خارجي لعام 2023 نموّ استهلاك الدجاج بشكل مطّرد، رغم أن الناس يتناولون كميات أقلّ من لحوم البقر والخنزير .

محتويات خارجية

ويعدّ هذا اتجاهًا عالميا، حيث تضاعف استهلاك الدواجن ثلاث مرات، خلال السنوات الستين الماضية، وفق منظّمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو).رابط خارجي

ويفضّل الناس لحم الدجاج على أنواع اللحوم الأخرى، لأنه يعتبر صحيًا، وأقلّ ضررًا للبيئة. وعلى عكس الأبقار، فإن الدجاج لا ينبعث منه غاز الميثان. لكن الدجاج، لا يأكل العشب، ويعتمد كليّا على العلف، وخاصّة فول الصويا، الذي يستورده المزارعون والمزارعات السويسريّون والسويسريّات، بسعر منخفض من الخارج . كما ينجذب المستهلكون والمستهلكات، إلى انخفاض أسعار الدواجن، عموما .  وتقول باور: “يحلّ الدجاج محلّ اللحوم الأخرى”.

محتويات خارجية

سويسرا بلد استهلاك الدجاج

عندما يتعلّق الأمر بإحصاء عدد حيوانات المزارع في سويسرا، لا تنخدع باور بالمظاهر. وهي تقول إن إحصائيات الحكومة الفدرالية مضلِّلة ومبهَمة، ويعود ذلك أساسا، حسب قولها إلى أنّ “العدّ يقع في يوم محدّد، وليس على مدار العام، ولا يأخذ بعين الاعتبار أنّ عمر الدجاج قصير للغاية”،  وأنّه يُذبح في المزارع الصناعيّة، بعد حوالي شهر من الحياة فقط .

وقد أجرت باور عمليّاتها الحسابيّة، على مدار عام ، بدلًا من يوم واحد، ووجدت أنّ عدد حيوانات المزارع، تجاوز 96 مليونًا في سويسرا، خلال عام 2022، وأنّ 94% منها من الدواجن. في حين ، أفاد المكتب الفدراليّ للإحصاء، ووكالة “أغريستات” (Agristat)، بوجود 16،6 مليون حيوان، في المزارع السويسرية في العام نفسه. ويؤكّد بلوغ عدد الدواجن المذبوحة في سويسرا، عام 2022، حوالي 80 مليونا ، وفقا لبروفيانديرابط خارجي، حسابات باور، أي بما يفوق 10 دجاجات لكلّ سويسري، هذا ، دون اعتبار الكميّة الكبيرة من لحوم الدجاج، المستوردة .

محتويات خارجية

نسبة اللّحوم والأبقار التي تتغذّى على العشب أقلّ بثلثين

لكن أليست سويسرا مشهورة برعي الأبقار في المراعي الجبليّة الجميلة؟ نعم، وهذا هو الطريق إلى الأمام، نحو المزيد من الزراعة البيئيّة ، كما يقول ماتياس ماير، أستاذ النظم الغذائيّة المستدامة، في جامعة برن للعلوم التطبيقيّة.

وتتكون أكثر من 60% من المساحة الزراعيّة في سويسرا، من المروج الدائمة، التي لا يمكن استخدامها لزراعة المحاصيل ، لذلك، يصعب استخدامها مرعًى للماشية ، والأغنام ، السبيل الوحيد لجعلها مربحة . يقول ماير: “نحن بحاجة إلى الحيوانات المجترّة ، لكنّ الإشكال اليوم يكمن في كثرة الحيوانات لدينا ، وكثرة الإنتاج “.

الأراضي
استخدام الأراضي في سويسرا Kai Reusser / SWI swissinfo.ch

ويرى ماير ضرورة اكتفاء سويسرا في المستقبل، بتغذية الأبقار بالعشب. فلن تكون هناك حاجة لاستيراد الأعلاف، ويمكن تخصيص معظم الأراضي الصالحة للزراعة التي كانت تُستخدم في تغذية الحيوانات، لزراعة المحاصيل للاستهلاك البشري. وهو نموذج بدأت ألمانيا، والسويد، وإيطاليا، وبعض المزارع السويسرية، تجربته رابط خارجيبالفعل ، وقد ذكرته الحكومة السويسرية في استراتيجيتها كذلك.

في ظل هذا النموذج، ستنتج الأبقار كمية أقل من الحليب، ولحم البقر، لأنها لن تتغذّى على الأعلاف المركّزة (التي تحتوي أساسا على بروتينات الصويا، والحبوب) المخصصة لتسمينها.

ويرى ماير أنّ ذلك من شأنه، أن يقلّل من نسبة كمّيات تناول اللّحوم إلى الثلثين، مع الحصول على إنتاج أكثر استدامة، ونظام غذائي أكثر تنوعًا.

ويقول: “ليس علينا أن نستبعد اللحوم، والحليب تماما، فهي مصادر قيّمة للبروتين”. رغم أنه يصف نفسه ب”النباتيّ إلى حدّ ما” إلا أنه ممن لا يعتقدون أنّ النظام النباتيّ هو الحلّ : لأن مساحة الأراضي الصالحة للزراعة، محدودة جدّا، سواء في سويسرا، أو في جميع أنحاء العالم، كما أنّ استيعاب جميع العناصر الغذائية، الدقيقة والغليظة، اللاّزمة لنظام غذائيّ نباتيّ، هو أمر أكثر تعقيدا.

ويضيف قائلا :” أشعر ببعض الرّاحة، لأنّني، بدوري، أستطيع  أن أكون “نباتيّا إلى حدّ ما”، دون شعور بالذنب ، لأنّ الكميّة هي التي تصنع الفارق. وسنضطرّ جميعا إلى تغيير عاداتنا الغذائيّة، في يوم من الأيّام، سواء أردنا ذلك، أم لم نرد”، لأنّ الموارد والموادّ الخام الضروريّة، اليوم، لدعم إنتاج اللحوم ، والمنتجات الحيوانيّة الأخرى ، ستبدأ في النفاذ ، حسب رأيه، و” لن يدع لنا التغيّر المناخيّ خياراً آخرَ “.

تحرير: صابرينا فايس، وفيرونيكا دوفوري (بمساهمة: بريسكا باور، في جمع البيانات)

ترجمة: مصطفى قنفودي

مساهمة إضافية وترجمة الرسوم البيانية: عبد الحفيظ العبدلي

التدقيق اللغوي: لمياء الوادي

المزيد

نقاش
يدير/ تدير الحوار: سارة إبراهيم

كيف تغيّرت عاداتك الغذائية؟

لأسباب شتى، يختار عدد متزايد من الأشخاص في سويسرا الآن اتباع نظام غذائي نباتي. هل لديك تجربة أو خبرات في هذا المجال؟

17 إعجاب
91 تعليق
عرض المناقشة

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية