على تركيا أن تنتظر!
لم تحصل تركيا في كوبنهاغن على ما كانت تطالب به من تحديد رسمي لموعد قريب لانطلاق المفاوضات حول انضمامها إلى الإتحاد الأوروبي.
وقد أثار قرار القادة الخمسة عشر تأجيل استئناف النظر في الملف إلى موفى عام 2004 خيبة أمل واسعة في أنقرة على الرغم من التبريرات الأوروبية.
لو قُـيّـض لمصطفى كمال أتاتورك أن يعود إلى الحياة ليتابع ما حدث هذه الأيام في كوبنهاغن لانتابته مشاعر متضاربة تجمع بين الإندهاش وعدم التصديق والإرتياح الشديد وشيء لا بأس به من .. الغضب.
فقد أصبحت الجمهورية التركية التي أقامها قبل ثلاثة أرباع القرن على أنقاض الخلافة العثمانية على قاب قوسين أو أدنى من الدخول في النادي الأوروبي الموسّع الذي لا زال البعض من أعضائه متشبثين بصبغته الحضارية “المسيحية”.
إذ نجحت الجهود الديبلوماسية والإعلامية التي بذلتها الحكومة التركية الجديدة في تحويل القمة الأوروبية (المخصّصة أساسا لوضع اللمسات الأخيرة على خطة توسيع الإتحاد الأوروبي ليضم إليه عشر دول جديدة في ربيع عام 2004 ) إلى حلبة صراع بين الرؤى القائمة داخلها تجاه التحاق تركيا بالإتحاد.
فعلى الرغم من أن قمة كوبنهاغن حسمت أمر التوجه الأوروبي إلى شرق وجنوب القارة بالمصادقة على التفاصيل النهائية لانضمام كل من بولونيا والمجر وتشيكيا وسلوفاكيا وسلوفينيا وأستونيا وليتوانيا وليتونيا وقبرص (في انتظار حل الإشكال مع تركيا) ومالطا إلى الإتحاد، إلا أن الجدل الذي فجره الرئيس الفرنسي الأسبق جيسكار ديستان في أوائل شهر نوفمبر الماضي عندما أعلن بدون مواربة أن “انضمام تركيا إلى الإتحاد الأوروبي يعني نهايته” أعطى أبعادا أخرى لما أصبح يعرف بـ”المسألة التركية”.
مساومات .. وخيبة أمل
وبغض النظر عن المساومات الديبلوماسية المعقدة التي ظل الملف القبرصي محورا لها إلى اللحظات الأخيرة من القمة، إلا أن دخول الرئيس الأمريكي بنفسه على خط الضغط من أجل انضمام أنقرة (من خلال اتصالين هاتفيين مع رئيس الوزراء الدانماركي والرئيس الفرنسي)، أعطى المسألة بعدا أطلسيا لا يمكن لشركاء واشنطن في أوروبا تجاهله أو التهوين منه.
وفيما نجحت رحلات رجب الطيب أردوغان زعيم حزب العدالة والتنمية المكوكية إلى عواصم بلدان الإتحاد الخمسة عشر وإلى واشنطن في إقناع ست دول أوروبية من بينها بريطانيا وإيطاليا واليونان بضرورة تحديد موعد قريب لإطلاق المفاوضات النهائية حول انضمام تركيا إلى الإتحاد، ظل الموقف المشترك الألماني- الفرنسي المتمهل الرأي الغالب على توجهات القادة الأوروبيين.
وفيما حاول كبار المسؤولين الأوروبيين – في تصريحات عديدة – تبرير وشرح قرار القمة الذي لا يمنح تركيا أكثر من موعد “لدراسة مدى توفر الشروط الضرورية (من إصلاحات سياسية وتشريعية واقتصادية تتساوق مع المقاييس الديموقراطية واحترام حقوق الإنسان والأقليات والحرية الإقتصادية) من أجل فتح المفاوضات الرسمية بشأن الإنضمام، بذل رئيس الوزراء عبد الله غول ورئيس حزب العدالة والتنمية رجب أردوغان المتواجدين في كوبنهاغن جهودا حثيثة لتغيير مسودة الإعلان النهائي للقمة … ولكن دون جدوى.
قراءة .. واقعية
وفيما اعتبر وزير الخارجية الألماني يوشكا فيشر أن القرار الأوروبي يمثل “اختراقا لم يكن من السهل الحصول عليه”، رأى ديبلوماسي تركي أن “مسار الإنضمام إلى الإتحاد الأوروبي أصبح بدون رجعة” بعد قرار قمة كوبنهاغن.
وذهب الديبلوماسي الذي رفض الإفصاح عن هويته إلى أن المطلب التركي الوحيد الذي لم تتم الإستجابة له هو تحديد موعد لبدء المفاوضات في عام 2003 أو في بداية العام الموالي واعتبر أن تأجيل النظر في مدى استجابة أنقرة للشروط الأوروبية إلى ديسمبر 2004 ليس إلا “تأخيرا للمفاوضات بعام”.
وعلى الرغم من تناقض هذا الموقف “الديبلوماسي” المتوازن – ظاهريا – مع ردود الفعل الرسمية الأولية الغاضبة للقادة الأتراك، إلا أن أهم ما حدث في العاصمة الدانماركية تمثل في أن الجدل الذي كان قائما حول ما إذا كانت تركيا مرشحة حقيقية للإلتحاق بالإتحاد الأوروبي قد حسم نهائيا.
فأنقرة التي أصبحت منذ الآن مرشحا كاملا لعضوية الإتحاد، دخلت في مرحلة مغايرة تفتح أمامها أفق الإنضمام إلى أوروبا .. ولو بعد حين. وهو واقع جديد دفع رئيس الوزراء عبد الله غول للقبول بالأمر الواقع والقول بأن “تركيا سوف تواصل إصلاحاتها بهدف الإندماج في الإتحاد الأوروبي” على الرغم من التعبير عن “الأسف” لتأجيل موعد فتح المفاوضات.
ويظل الجيش..
لقد كان ملفتا أن يوجه وزير الخارجية الأمريكي كولن باول رسالة خاصة (تنشر نصها الكامل النسخة الألمانية لصحيفة الفايننشال تايمز التي تصدر يوم الإثنين المقبل) إلى نظيره الألماني يوشكا فيشر عشية انعقاد قمة كوبنهاغن يدعو فيها بإلحاح إلى تحديد “موعد ثابت لبدء المفاوضات” وإلى التذكير بأن تقوية تركيا من شأنه أن “يخلق قاعدة صلبة ضد الأصولية الإسلامية”.
لا ريب في أن لواشنطن (ولأقرب حلفائها ضمن دول الإتحاد الأوروبي) حسابات دقيقة واستراتيجية حول ديمومة وترسيخ ارتباط تركيا بالمنظومة الغربية سواء كان ذلك ضمن الحلف الأطلسي أو الإتحاد الأوروبي، لكن ملف انضمام تركيا إلى الإتحاد الأوروبي سيظل مقترنا خلال السنوات القليلة القادمة بالتوازنات الداخلية وخاصة بطبيعة العلاقة التي ستنشأ بين حكومة “المسلمين الديموقراطيين” التي أفرزتها انتخابات الثالث من نوفمبر وبين القيادة العسكرية صاحبة القول الفصل في أنقرة!
كمال الضيف – سويس إنفو
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.