عن كثب-الضغوط الاستيطانية على قرى بالضفة الغربية تثير مخاوف إزاء ضمها لإسرائيل

من علي صوافطة وجيمس ماكنزي
بردلة (الضفة الغربية) (رويترز) – على بعد أمتار قليلة من أطراف قرية بردلة الفلسطينية الواقعة في أقصى شمال الضفة الغربية المحتلة كان الجيش الإسرائيلي يجرف طريقا ترابيا بين القرية ومراعي مفتوحة على التلال خلفها.
وقال الجيش الإسرائيلي لرويترز إن أعمال التجريف تستهدف تحقيق الأمن والسماح بتسيير دوريات في المنطقة بعد مقتل مدني إسرائيلي في أغسطس آب بالقرب من القرية على يد رجل من بلدة أخرى.
ولم يذكر الجيش تفاصيل عما يعمل على بنائه هناك.
ويخشى مزارعون من قرية غور الأردن الخصبة أن تؤدي دوريات الجيش والمستوطنون الذين ينتقلون إلى هناك إلى إقصائهم من المراعي التي تتغذى عليها نحو عشرة آلاف رأس من الماشية، كما حدث في مناطق أخرى بالضفة الغربية، مما يقوض سبل عيشهم ويدفعهم في النهاية إلى مغادرة القرية.
وظهرت منذ العام الماضي نقاط استيطانية إسرائيلية حول القرية حيث ترفرف أعلام إسرائيلية بلونيها الأزرق والأبيض على تلال قريبة. وقالت أربع عائلات بدوية ومنظمات إسرائيلية معنية بحقوق الإنسان لرويترز إن المستوطنين أرهبوا الرعاة من البدو شبه الرحل لحملهم على التخلي عن مواقعهم في المنطقة العام الماضي.
وخلال الأسابيع القليلة الماضية شاهد مراسلون من رويترز أن كرفانات وأماكن للعيش المؤقت بدأت تظهر على التلال المغطاة بالشجر على بعد بضع مئات من الأمتار إلى الغرب من بردلة، على أرض خلف الطريق الجديد. وكانت أماكن العيش المؤقتة كتلك التي ظهرت قرب بردلة من العلامات الأولى على بناء مستوطنات جديدة.
ولم تتمكن رويترز من التواصل مع أي من الوافدين الجدد إلى المواقع الاستيطانية الجديدة المحيطة بالقرية.
وتعد السيطرة العسكرية المشددة في غور الأردن ووصول البؤر الاستيطانية إلى المنطقة خلال الأشهر القليلة الماضية تطورات جديدة في مناطق من الضفة الغربية تجنبت في أغلب الأحوال الوجود الإسرائيلي الكثيف على الأرض كما جرى في المناطق الوسطى من الأراضي الفلسطينية.
ومع كل تقدم للمستوطنات والطرق الإسرائيلية تصبح المنطقة أكثر تفتتا مما يقوض احتمالات وجود أرض متصلة يمكن للفلسطينيين بناء دولة ذات سيادة عليها. وتعتبر معظم الدول المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة غير قانونية.
وفي الوقت نفسه شجعت عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض الشخصيات المؤيدة للاستيطان في إسرائيل. واقترح ترامب بالفعل أن يغادر الفلسطينيون قطاع غزة في خطوة قوبلت بتنديد واسع في شتى أنحاء الشرق الأوسط وخارجه باعتبارها محاولة للتطهير العرقي في الأراضي الفلسطينية.
وقال إبراهيم صوافطة عضو مجلس قرية بردلة إن عشرين مزارعا سيُمنعون من الوصول إلى أراضي الرعي إذا أعاق الجنود وبؤر المستوطنين حركتهم. وسيضطرون إلى بيع ماشيتهم لعدم قدرتهم على الاحتفاظ بأعداد كبيرة منها في حظائر داخل القرية.
وقال وهو جالس على مقعد خارج منزله في القرية “بردلة سوف تصبح سجن صغير”.
وأضاف أن الهدف هو “مضايقة الناس وإجبارهم على الرحيل من غور الأردن”.
وردا على طلب للتعليق من رويترز قال الجيش إن المنطقة الواقعة خلف الطريق الترابي خارج بردلة تم تحديدها كمنطقة لإطلاق النار ولكنها تشمل “ممرا” يحرسه جنود إسرائيليون، مما يشير إلى قيود على حرية الحركة في المنطقة.
وأضاف أن الممر سيسمح “باستمرار الحياة اليومية وتلبية احتياجات السكان”، دون الخوض في مزيد من التفاصيل.
ولم يرد مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أو مجلس يشع ومجلس وادي الأردن، وهما يمثلان المستوطنين في الضفة الغربية، على طلبات للتعليق.
ولم يرد البيت الأبيض على طلب للتعليق بعد.
وقال صوافطة إن مسلحين يأتون عادة إلى المنطقة من بلدات إلى الغرب ويبدو أن الحاجز يهدف إلى جعل الوصول أكثر صعوبة وإجبار المارة على السير عبر الطرق الرئيسية حيث تقع نقاط تفتيش أمنية تحت السيطرة الإسرائيلية.
لكنه قال إن تأثير تلك الخطوة سيكون عرقلة الوصول إلى أراض يمتلكها سكان القرى في بعض الحالات.
وتأتي الإجراءات المتبعة حول بردلة في إطار جهد إسرائيلي أوسع لإعادة تشكيل الضفة الغربية. فعلى مدى العام ونصف العام منذ اندلاع الحرب في قطاع غزة تسارعت وتيرة الاستيطان في المناطق التي يُنظر إليها على أنها رئيسية لتأسيس دولة فلسطينية في المستقبل.
وفي الأسابيع القليلة الماضية أسفرت مداهمات للجيش الإسرائيلي في مخيمات للاجئين بالقرب من مدن بالضفة الغربية منها جنين وطولكرم وطوباس، القريبة من بردلة، عن فرار عشرات الآلاف من السكان من منازلهم مما أدى إلى تأجيج المخاوف من نزوح دائم.
وتأتي المداهمات ضمن سعي متجدد لضم الضفة الغربية رسميا إلى دولة إسرائيل، وهو اقتراح أيده بعض مساعدي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. ويحتل الجيش الإسرائيلي الضفة الغربية منذ حرب 1967.
* حقول الذرة والصوبات الزراعية
تقع قرية بردلة التي يقطنها نحو ثلاثة آلاف نسمة على بعد أمتار قليلة من الخط الذي كان يفصل قبل عام 1967 بين الضفة الغربية وإسرائيل.
ومضى الازدهار قدما بخطوات هادئة في القرية على مدى الثلاثين عاما الماضية بينما كانت عمليات الاستيطان الإسرائيلية تبتلع آلاف الهكتارات من الأراضي في أجزاء أخرى من الضفة الغربية.
وتؤكد حقول الذرة ومجموعات الصوبات الزراعية المغطاة بالبلاستيك، حيث يزرع المزارعون الباذنجان والفلفل والكوسة لأسواق الضفة الغربية وإسرائيل، مدى خصوبة الأرض في الشريط الضيق من الوادي الممتد بمحازاة نهر الأردن، من البحر الميت شمالا وحتى بحر الجليل.
لكن الطريق الجديد الذي تسيطر عليه إسرائيل سوف يضغط على القرية باتجاه الطريق السريع رقم 90، وهو طريق يمتد من الشمال إلى الجنوب على الحدود النهرية مع الأردن من البحر الميت. وينتهي الطريق السريع رقم 90 عند الخط الفاصل بين الضفة الغربية وإسرائيل، على مشارف القرية مباشرة. ويتسم الخط الفاصل بسياج مرتفع.
وأشار درور إتكيس، مؤسس منظمة (كرم نابوت) الإسرائيلية لحقوق الإنسان، إلى تجارب سابقة في قرى أخرى قائلا إن الطريق الجديد والنشاط الاستيطاني من شأنه أن يحول دون وصول الفلسطينيين إلى المنطقة الواقعة شمال بردلة “حتى الجدار الفاصل”. وتتابع منظمة كرم نابوت الاستيطان الإسرائيلي وسياسة إدارة الأراضي في الضفة الغربية.
وأضاف أن السلطات “ستصادر بضعة آلاف من الدونمات، معظمها من الأراضي الزراعية، وتمنع الفلسطينيين من زراعة هذه الأراضي”. والدونم الواحد يعادل 10 بالمئة من الهكتار.
* مخاوف الضم
سُميت الضفة الغربية بهذا الاسم بسبب موقعها بالنسبة للنهر الذي يفصلها عن الأردن، ويعتبرها القوميون المتدينون المتزمتون في إسرائيل منذ فترة طويلة جزءا من إسرائيل الكبرى بناء على روابط تاريخية ودينية باليهود.
وتسارع بناء المستوطنات اليهودية تحت إدارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحلفاء له في الحكومة مثل وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، وهو نفسه مستوطن، الذي قال العام الماضي إنه سيضغط من أجل الحصول على دعم واشنطن لضم الضفة الغربية في عام 2025.
وقال وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر في ذلك الوقت إن موقف الحكومة بشأن الضم لم يتم حسمه بعد. وتفاقمت معارضة إسرائيل للتنازل عن السيطرة على الضفة الغربية بسبب مخاوف من تكرار هجوم السابع من أكتوبر تشرين الأول 2023 الذي وقع بالقرب من قطاع غزة.
وتقول منظمة (السلام الآن) الإسرائيلية التي تتابع بناء المستوطنات إنه منذ بدء الحرب في غزة تم بناء 43 بؤرة استيطانية جديدة تشكل كل منها نواة لبناء مستوطنة بعد ذلك، في الضفة الغربية.
وكان معظمها من البؤر الاستيطانية الزراعية التي تم إنشاؤها بطرد فلسطينيين من الأراضي الزراعية. وتقول بيانات للسلطة الفلسطينية إن ما لا يقل عن سبعة من هذه البؤر تم بناؤها في غور الأردن.
وكما هو الحال في مناطق أخرى من الضفة الغربية، يقول الفلسطينيون ومنظمات حقوق الإنسان إن وصول البؤر الاستيطانية تزامن مع تزايد العنف من جانب مجموعات من المستوطنين الذين تحرروا الآن من الخوف من العقوبات الأمريكية منذ ألغى ترامب العقوبات التي فرضت في عهد سلفه الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن بسبب أعمال العنف في السابق.
ومنذ شهور يتعرض البدو الذين يعيشون في أكواخ شبه دائمة في التلال التي ترعى بها الأغنام والماعز بأنحاء غور الأردن لمضايقات من جانب مجموعات من المستوطنين ترتكب أعمال عنف. وفي أواخر يناير كانون الثاني، تعرضت المدرسة المحلية في بردلة نفسها لهجوم بعد أن قال مستوطنون إنه تم رشقهم بالحجارة.
واضطر محمود كعابنة لمغادرة منزله في أم الجمال، وهي منطقة في التلال على بعد نحو 20 كيلومترا جنوب بردلة، إلى طوباس مع عشرات العائلات الأخرى بعد اقتحامات متكررة من مجموعات مستوطنين.
وقال كعابنة “المستوطنين اعتادوا يهاجمونا كل سبت وما بخلونا نقدر نترك بيوتنا نهائيا”.
وأدى إنشاء (إدارة المستوطنات) في عام 2023، وهي إدارة مدنية للضفة الغربية تخضع لإشراف سموتريتش، إلى تأجيج المخاوف الفلسطينية من أن الانتقال من الاحتلال العسكري إلى الضم يحدث بالفعل بشكل مستتر.
وخلال ولايته الرئاسية الأولى، قلب ترامب السياسة الأمريكية التي كانت مستمرة منذ عقود وأعلن الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل.
ولكنه لم يمنح حتى الآن موافقة الولايات المتحدة على دعوات الضم الكامل، والذي قد يشكل عقبة أمام أحد أهدافه الرئيسية في السياسة الخارجية وهو اتفاق أمني مع السعودية قد يشمل تطبيع العلاقات مع إسرائيل في إطار توسيع ما يسمى باتفاقيات إبراهيم.
ومن شأن توسيع السيطرة الإسرائيلية على الضفة الغربية أن يقضي على الآمال الضئيلة بالفعل في قيام دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب إسرائيل، وهو ما أعلنته السعودية كشرط غير قابل للتفاوض لتطبيع العلاقات.
لكن تصريحات ترامب عن إعادة تطوير غزة لتصبح منتجعا ساحليا تحت سيطرة الولايات المتحدة، إلى جانب علاقات مساعديه بحركة الاستيطان، أثارت قلق الفلسطينيين الذين لا يزال يطاردهم شبح “النكبة” في حرب عام 1948 مع إعلان قيام دولة إسرائيل عندما فر نحو 750 ألف فلسطيني أو أجبروا على ترك ديارهم ولم يعودوا أبدا.
ويرى صوافطة، عضو مجلس قرية بردلة، أن التطورات مثل تلك التي شهدتها قريته تشير إلى السعي لطرد الفلسطينيين من أراضيهم بنفس الطريقة التي طُرد بها آباؤهم وأجدادهم من قبل.
وقال “إسرائيل نظريا وفعليا تصادر الأراضي”.