مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“فصل تعسُّـفي” أم “زوبعة في فنجان” أم ماذا؟

Keystone

أثار الإعلان عن فصل أربعة أشخاص يعملون لدى المؤسسة الثقافية الإسلامية في جنيف، ردود فعل مختلفة في أوساط الجالية الإسلامية في المدينة وفي وسائل الإعلام السويسرية الناطقة بالفرنسية.

وفيما تؤكّـد المؤسسة أنها تصرفت طِـبقا لقانون العمل السويسري، أثارت وسائل الإعلام الروماندية بوجه خاص تساؤلات حول مبررات هذا القرار وأبعاده.

لم يتردّد البعض في وصف ما حدث في منتصف الأسبوع الثالث من شهر مارس الماضي، بـ “تسونامي جنيف”، حيث أصيب الكثيرون بالدهشة لدى سماعهم خبر فصل أربعة أشخاص يعملون منذ فترات طويلة من طرف المدير الجديد للمؤسسة الثقافية الإسلامية في جنيف.

شخصيات بعض المفصولين والإشعاع الذي تتميّـز به المؤسسة واهتمام وسائل الإعلام السويسرية الناطقة بالفرنسية بالموضوع، أضفت على القضية أبعادا تتجاوز مجرد خلاف بين موظفين مفصولين ومشغّـلهم وأطلقت سِـجالا مكررا حول طبيعة العلاقة القائمة بين الجاليات المسلمة في سويسرا والأطراف الأجنبية عموما.

شيء من التاريخ

نُـفِّـذ القرار بعد حوالي عشرة أيام من تسلُّـم السيد فتحي نعمة الله، (وهو مواطن أوروبي من أصل سعودي، قضى معظم حياته العملية في ألمانيا حيث عمل مترجما محلفا لدى المحاكم الألمانية لفترة تزيد على 30 عاما، وتعود هناك على مقتضيات التسيير الإداري السليم)، منصب مدير المؤسسة، الذي عُـيِّـن فيه من طرف رابطة العالم الإسلامي، التي سبق أن أوكلت إليها المملكة العربية السعودية (باعتبارها الطرف المؤسِّـس والمالك)، منذ عام 1978، مهمّـة العناية بشؤون المؤسسة، التي دشّـنها العاهل السعودي الراحل الملك خالد بن عبد العزيز.

فمن المعلوم أن السعودية هي التي تكفّـلت باقتناء الأرض، التي أقيم عليها لاحقا مسجد وعدّة مبانٍ ملحقة به، تشمل قاعات للتدريس وعقد الاجتماعات ومكاتب إدارية، ثم اشترت عدة عقارات أوقفت مداخيلها لتمويل النفقات الضرورية لما أصبح يسمى بالمؤسسة الثقافية الإسلامية في جنيف، وهو ما يعني أنها مالكة للأرض وللمسجد وللمباني، الملحقة به.

الرياض، ندَبت عنها طرفا موكّـلا للعناية بشؤون المؤسسة، التي أصبحت منذ إنشائها، تابعة هيكليا وإداريا، لرابطة العالم الإسلامي، التي يوجد مقرها في جدة، وذلك على غِـرار العديد من المراكز والمساجد والمؤسسات الإسلامية سواء في سويسرا، مثلما هو الحال بالنسبة لمسجد بازل، وفي العديد من العواصم الغربية والإفريقية والآسيوية والأمريكية اللاتينية، وتبعا لذلك، يتم تعيين (وإقالة) مدير المؤسسة مباشرة من طرف رابطة العالم الإسلامي.

من جهة أخرى، تُـخوِّل اللوائح الإدارية الداخلية للمؤسسة للمدير المسؤول، تعيين وفصل العمال والموظفين، حسب الحاجة والضرورة والإمكانيات، لذلك، تقول مصادر قريبة من الملف، إن المسألة برمتها “لا تزيد عن إجراء إداري قانوني تم اتّـخاذه على ضوء العديد من المعطيات وتم الالتزام فيه بما تنص عليه قوانين العمل” السارية في البلاد.

التساؤلات

الوجه الآخر للقضية، يتمثل في الدهشة التي تملّـكت الأوساط الإعلامية الروماندية، وخاصة في الصحف والإذاعات وقنوات التلفزيون، الناطقة بالفرنسية، إثر اكتشافها لطرد السيد عبد الحفيظ الورديري، الناطق الرسمي باسم المؤسسة من منصبه بعد أن عمل فيها منذ انطلاقتها في عام 1978.

فالسيد الورديري، شخصية إعلامية تحظى باحترام واسع ومعروفة لدى الجمهور، نظرا لمشاركته شبه الثابتة في النقاشات والبرامج ونشرات الأخبار، كلما تعلق الأمر بقضية تهم الإسلام والمسلمين في سويسرا أو في أماكن أخرى من العالم أحيانا، إضافة لما تتّـسم به تصريحاته ومداخلاته من اعتدال وانفتاح تُـجاه الآخرين ودعوة دائمة للتعايش والتوافق بين جميع سكان الكنفدرالية، بغض النظر عن أديانهم وأجناسهم وأعراقهم.

وعلى الرغم من محاولات وسائل الإعلام المتكررة الاتصال به على مدى عدة أيام، إلا أنه لم يخرج عن صمته إلا يوم 10 أبريل، حيث أدلى بتصريحات مقتضبة إلى القناة التلفزيونية الأولى السويسرية الناطقة بالفرنسية، عبّـر فيها عن استيائه للطريقة التي اتُّـخذ بها قرار فصله وعن استغرابه للـ “مبررات الاقتصادية”، التي قُـدِّمت من طرف المدير الجديد لتعليل القرار، كما قال: “إذا كانوا يزعمون أن هناك عجزا، فليكشفوا عن الحسابات”، ردّا على ما تردد بوجود سوء تصرف في أموال المؤسسة.

في سياق متصل، قام مجهولون بتوزيع منشور احتجاجي في شكل نداءٍ، قالوا فيه “لقد تمّ فصلُ عمال لا غِـنى عنهم بشكل تعسُّـفي”، وأضافوا أن “الجميع على وعي بالجهود التي بذلها هؤلاء الأشخاص على مدى 30 عاما لإعطاء صورة جيّـدة عن الجالية المسلمة وخِـدمتها باستمرار”، وناشدوا الجالية المسلمة بـ “الوقوف إلى جانبهم ودعمهم، حتى يتمكّـن هؤلاء الأشخاص المفصولون من استئناف أنشطتهم بأسرع وقت ممكن”.

اتهامات ونفي

وسائل الإعلام الروماندية، التي حاولت تقصّـي خفايا الموضوع، نقلت يوم الأحد 8 أبريل عن رازي عبد الرحيم، محامي مدير المدرسة العربية المفصول، تصريحات مفادها أنه “سيتم الاعتراض على قرارات الطرد أمام المحاكم” وأن هناك “أسبابا سياسية” تقف وراءها.

من جهة أخرى، ألمح بعض المراقبين السويسريين للساحة الإسلامية في جنيف، إلى إمكانية وجود خلافات ذات بُـعد أيديولوجي بين المفصولين الأربعة والمدير الجديد للمؤسسة، تتعلّـق بكيفية التعامل مع المجتمع السويسري والتعاطي مع خصوصيات وضع الجالية المسلمة في الكنفدرالية، ولم يتردّد البعض في الحديث عن محاولة سعودية للهيمنة مجددا على المؤسسة وإضفاء صِـبغة “أكثر وهابية” عليها.

وفيما تنفي الإدارة الجديدة للمؤسسة الثقافية الإسلامية في جنيف هذه المزاعم، تؤكّـد على أنها “ستختار الوقت المناسب والشكل المناسب”، للحديث إلى وسائل الإعلام، واعتبرت أن كل ما يُـثار حول هذه القضية لا يزيد عن “زوبعة في فنجان”.

وتضيف مصادر قريبة من الملف، أن أسباب قرار الفصل اقتصادية بحتة، مشيرة إلى أن حجم العجز المالي المسجّـل في ميزانية المؤسسة يُـقدّر بـ “مئات الآلاف من الفرنكات”، وهو وضع لم يعد بالإمكان الاستمرار فيه في ظل “فوضى إدارية عارمة وإعاقة منهجية لعمليات الإصلاح”، أضحت تُـهدِّد مصير المؤسسة برمّـتها.

جوهر القضية

وفي انتظار أن ينشُـر كل طرف ما لديه من معلومات ووثائق وحُـجج لدعم أقواله ومزاعمه، تتابع الجالية الإسلامية في جنيف بوجه خاص هذه “الزوبعة” بشيء من القلق والانزعاج.
ففي حين لا يُـنكر أحد الدور الهام الذي تلعبه المؤسسة الثقافية الإسلامية في جنيف، لا يستسيغ كثيرون الأسلوب الذي أديرت به هذه المسألة، خصوصا في ظل تمسُّـك الأطراف المسؤولة بالصمت إلى حدّ الآن.

ومع ذلك، يبدو أن الجميع يُغفل خصوصيات الواقع السويسري المعقد، الذي تحكمه قوانين محلية وفدرالية واضحة. فمن جهة، يحِـق لإدارة أي مؤسسة أن تتّـخذ القرارات التي تراها ضرورية لحسن سير عملها في إطار قوانين البلاد، ومن جهة أخرى، يُـمكن لأي شخص يعتقد بأنه تضرر من أي شكل من أشكال التعسّـف أو الحيف، أن يتظلم لدى القضاء المستقل، إلا أنه من غير المنطقي أن يتحول خلاف بسيط بين موظفين ومشغّـلٍ إلى قضية ضخمة تتعلق بإشكاليات وضع الإسلام والمسلمين في سويسرا.

لا شك أن عالم ما بعد 11 سبتمبر 2001 لا زال يتّـسم بحساسية فائقة تجاه كل القضايا التي تتعلق بالإسلام والمسلمين في بلدان الغرب بوجه خاص، لذلك، لم يكن مستغربا أن يتركّـز الاهتمام الإعلامي في هذه القضية على البُـعد السعودي فيها، لكن الشجرة لا يجب أن تغطي الغابة، مثلما يُـقال.

إذ أن جوهر القضية يتمثل في تردّد أصحاب القرار السياسي في جنيف وفي بقية الكانتونات السويسرية في الإقدام على الخطوة الضرورية، المتمثلة في ابتكار آليات ديمقراطية للاعتراف، دستوريا وقانونيا، بالديانة الإسلامية على غِـرار الكاثوليكية والبروتستانتية واليهودية، حتى يوضع حدّ نهائي لكل الجدل العقيم والسجالات الخاوية حول التدخلات الأجنبية في شؤون الجاليات المسلمة (ذات الأصول التركية والبلقانية والعربية والإفريقية والآسيوية) المقيمة فوق أراضي الكنفدرالية.

سويس انفو – كمال الضيف

عبد الحفيظ الورديري (يحمل الجنسيات المغربية والجزائرية والفرنسية)، كان مسؤولا عن حسابات المؤسسة منذ تأسيسها في عام 1978 إلى عام 2004 وعُـيِّـن بعد ذلك ناطقا رسميا باسم المؤسسة إلى موفى مارس 2007.

محمود فضل (مصري الجنسية)، عمل مسؤولا عن المدرسة العربية التابعة للمؤسسة الثقافية الإسلامية في جنيف على مدى 18 عاما.

محفوظ فريحة (جزائري الجنسية)، سكرتير في المؤسسة.

حسن البشير (سواداني الجنسية)، مدرِّس لدى المؤسسة.

تبنى فكرة إقامة وبناء المؤسسة الإسلامية الثقافية وأمر بتنفيذها الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود في عام 1972.

تم افتتاح المؤسسة يوم 1 يونيو 1978 من طرف العاهل السعودي الراحل الملك خالد بن عبد العزيز بحضور رئيس الحكومة الفدرالية وحكومة جنيف والوزراء وعدد من سفراء الدول الإسلامية والبعثات الدبلوماسية المعتمدة في سويسرا إضافة إلى الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي.

بلغت قيمة الأرض وتكاليف البناء والتجهيز والتأثيث حوالي 21 مليون فرنك سويسري تحملتها حكومة المملكة العربية السعودية وحدها بالكامل.

تقع المؤسسة الإسلامية الثقافية والمسجد التابع لها في حي Petit Saconnex بمدينة جنيف وهي مقامة على أرض تبلغ مساحتها 4000 متراً مربعا.

تبلغ مساحة المسطحات بالمؤسسة أكثر من 8000 متراً مربعاُ تشمل الجامع الذي يتسع لأكثر من 1500 مُصلي كما يوجد مكان خاص للنساء يتسع لأكثر من 500 مُصلية.

تتوفر المؤسسة الإسلامية الثقافية على مكتبة ضخمة وقاعة كبيرة للمحاضرات وإحياء المناسبات الدينية والوطنية والإعلامية وعلى مطبخ كبير وعلى غرفة واسعة بها ثلاجة كبيرة مجهزة لحفظ الأموات من المسلمين ريثما يتم غسلهم وتجهزيهم أو بعثهم إلى بلادهم.

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية