مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

في القدس الشرقية فلسطينيون يهدمون منازلهم بأنفسهم بعد رفض طلبات ترخيص بنائها

صلاة الجمعة في خيمة نصبها ناشطون فلسطينيون احتجاجا على هدم السلطات الاسرائيلية منازل فلسطينيين في بلدة سلوان بالقرب من القدس الشرقية، في 28 آب/أغسطس 2020 afp_tickers

في الثاني من حزيران/يونيو، هدم الفلسطيني علاء برقان بنفسه منزله في جنوب القدس الشرقية المحتلة بعد أن وضعته بلدية القدس أمام خيارين لا ثالث لهما: إما أن يهدم هو البناء الذي اعتبرته المحكمة غير قانوني، أو تقوم البلدية بذلك على نفقته.

ويلجأ عدد كبير من الفلسطينيين الى بناء منازل أو محال تجارية وغيرها من المنشآت على أراضيهم في القدس الشرقية من دون الحصول على ترخيص من البلدية الإسرائيلية التي يتهمونها بالمماطلة في إعطاء التراخيص أو رفض إعطائها مطلقا بحجج مختلفة. بينما تقول البلدية إن هذه الأبنية تفتقر الى معايير البناء القانونية.

ويقول علاء (35 عاما) وهو عامل مياوم، “تقدمت بطلب للبلدية للحصول على ترخيص لكن دون جدوى”. فأقدم على بناء منزله رغم ذلك. ويضيف “دفعت حوالى 75 ألف شيكل (قرابة 22 ألف دولار) للمحامي ولمسح الأرض، لكن قرار المحكمة أكد على الهدم”.

واستأجر علاء جرافة قامت بجرف البناء أمام عينيه.

وبحسب الأب لأربعة أصغرهم فتاة في الثامنة، قررت المحكمة الهدم بحجة أن البناء غير مرخص، وفرضت على علاء دفع غرامة بقيمة 60 ألف شيكل (قرابة 17500 دولار)، “دفعت منها حتى الآن 20 ألفا”.

وكان برقان صرف كل مدخراته على المنزل الذي بلغت مساحته 135 مترا مربعا، وكلفه حوالى 800 ألف شيكل.

ويسكن اليوم مع عائلته في بيت يدفع بدل إيجاره 2800 شيكل (نحو 820 دولارا) شهريا.

ويقول لفرانس برس بحسرة وهو يقف على حطام منزله “الهدم باليد صعب جدا، أمضيت أربع سنوات وأنا أجهّز المنزل”.

وتقول بلدية القدس إنه تمّ هدم 44 منزلا في القدس الشرقية حتى النصف الأول من العام، بينها منازل هدمت ذاتيا. في حين تشير أرقام مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في الأرض الفلسطينية المحتلة، إلى هدم 81 منشأة في شرق المدينة في الفترة نفسها، بينها 44 هدمها أصحابها.

وقد تحتوي المنشأة الواحدة على وحدات سكنية عدة.

– “مهين جدا” –

واحتلّت إسرائيل القدس الشرقية التي يزيد عدد سكانها من الفلسطينيين اليوم عن 300 ألف نسمة بعد حرب العام 1967، وضمتها لاحقا في خطوة لم يعترف بها المجتمع الدولي.

ويقول الفلسطينيون إن هدف سياسة الهدم تهجيرهم وتفريغ المدينة منهم.

ويقول مستشار بلدية القدس لشؤون القدس الشرقية بن أفرهامي إن “أسبابا قانونية مختلفة تقف وراء أوامر الهدم في شقي المدينة”، ومن بينها البناء دون تراخيص أو بناء وحدات سكنية إضافية غير مشمولة بالترخيص.

ويضيف “عمليات الهدم تتم بموجب حكم محكمة إسرائيلية وتخضع لفحص قانوني دقيق للغاية”.

وتشير نشرة مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في الأرض الفلسطينية المحتلة الصادرة في نيسان/أبريل 2019، إلى قيود في نظام التخطيط الذي تنفذه إسرائيل في القدس الشرقية يجعل “الحصول على رخص بناء عمليا ضربا من المستحيل”.

وبحسب النشرة، فإن المساحة المخصصة لتشييد المباني في القدس الشرقية لا تزيد عن 13 في المئة، وجزء كبير منها مستغل أصلا. بينما هناك نسبة 35 في المئة مخصصة للمستوطنات في القدس الشرقية، بحسب النشرة.

ويرى مدير مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية زياد الحموري أن الهدم الذاتي “مهين جدا”، و”يترك آثارا نفسية كبيرة” على العائلة، “إلى جانب الأعباء المالية”.

ويقول إن كثيرين يلجأون الى الهدم الذاتي بسبب الرغبة في تجنب أعباء مالية إضافية، مشيرا الى “ارتفاع نسبة الفقر في المدينة حيث تزيد عن 80 في المئة”.

كما يفضل الفلسطينيون، وفق قوله، اللجوء الى الهدم الذاتي، “رغبة في تجنب التعرّض للاعتقال من جانب الأجهزة الأمنية الإسرائيلية (…) في حال لم يتمكنوا من دفع تكاليف الهدم للبلدية”.

– نقص الوحدات السكنية –

وهدمت عائلة شلالدة الفلسطينية في الثاني من تموز/يوليو وحدتين سكنيتين في بلدة الطور في شرق القدس تبلغ مساحتهما 130 مترا، بشكل ذاتي أيضا.

وتقول صاحبة إحدى الشقق وتدعى سارة شلالدة، الأم لستة أطفال، إن الأمر ترك تأثيرا نفسيا سيئا على طفلتها تالا (9 سنوات) التي “كانت تحلم بغرفة كبيرة تجمعها وشقيقتيها”.

وتضيف إنه “شعور صعب، حلمٌ وهدم، كنّا على وشك الانتقال للسكن فيه، أردنا التخفيف من تكاليف الإيجارات”.

ووفقا لمكتب الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة، تسبّب الهدم الذاتي الذي تمّ في القدس الشرقية خلال النصف الأول من العام الجاري في تشريد 65 طفلا، وتأثر 85 طفلا آخرين.

ويعاني الفلسطينيون في القدس الشرقية من أزمة سكن. وبحسب رئيس اتحاد الإسكان المقدسي محمود زحايكة، يحتاجون الى ما بين 30 و40 ألف وحدة سكنية.

ويرى زحايكة أن الفلسطينيون “يضطرون إلى البناء دون ترخيص بسبب التكلفة العالية للإيجارات وللتراخيص على حد سواء، ولقلة التراخيص التي تمنحها البلدية”.

ويوضح أن “متوسط الإيجارات في القدس يصل الى 800 دولار شهريا، مع تفاوت بين منطقة وأخرى، بينما يبلغ متوسط تكلفة ترخيص بناء الشقة الواحدة 50 ألف دولار”.

ويشير الى أن بلدية القدس تمنح تراخيص البناء “لـ 20 في المئة فقط من المقدسيين. وقد تستغرق الإجراءات خمس سنوات على الأقل”.

ويقول بن افراهامي من جهته إن البلدية “تعطي حوالى 250 ترخيص بناء للفلسطينيين كل عام”.

ورغم خطر الهدم الماثل أمامهم باستمرار، يتمسك الفلسطينيون بالبناء على أمل أن يكونوا من المحظيين الذين يحصلون على ترخيص.

ويقول علاء “أمضيت كل حياتي أسكن في بيوت مستأجرة… لا يريدوننا أن نبقى في هذه البلد. مع ذلك نحن مرابطون هنا”.

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية