في انتظار “المجلس الحكومي المؤقّـت”
تتواصل المشاورات بين الحاكم الأمريكي للعراق والقوى والفعاليات السياسية العراقية استعدادا للإعلان عن تشكيلة المجلس الحكومي العراقي المؤقّـت.
وتفيد مؤشّـرات واردة من بغداد أن مسعود البرزاني يلعب دورا مُـهمّـا في هذه الاتصالات التي ينتظر الجميع ما ستُـسفر عنه من نتائج.
مع اقتراب الموعد المحدد لإعلان التشكيلة النهائية للمجلس الحكومي العراقي المؤقت، الذي يُـفترض أن يباشر أعماله بالتنسيق مع قوات الاحتلال الأمريكية والبريطانية، بدأت القوى والفعاليات السياسية في العراق إجراء سلسلة من الاتصالات والمباحثات يُـعتقد أنها ستؤدي إلى بلورة محاور وتكتلات سياسية واضحة وأساسية في هذا الإطار.
وتشير المعلومات المستقاة من مصادر عراقية عليمة أن الحاكم الأمريكي للعراق، السفير بول بريمر، قرر تغيير تسمية المجلس العراقي المرتقب من “المجلس السياسي” إلى “المجلس الحكومي المؤقت” في بادرة تعكس تغيير صلاحياته من مجرد هيئة سياسية ذات صفة استشارية إلى هيئة تتمتع ببعض الصلاحيات المحدودة، التي تجعل منه مجلسا مؤهلا لممارسة بعض المهام الأساسية من قبيل التمثيل السياسي للعراق في الخارج، وتعيين الوزراء ومحاسبتهم عند ثبوت تقصيرهم، وهو ما لم يكن ممكنا بالطبع على وفق الصيغة السابقة
زيارة جاك سترو
وطبقا لتلك المصادر، فإن هذا التحول في طبيعة ومهمات المجلس العراقي المزمع إعلانه في غضون أسبوعين، جاء على إثر ما تردد عن خلافات عميقة نشأت بين قادة التيارات السياسية العراقية والإدارة الأمريكية للعراق وفي مقدمتها السفير بريمر حول ضرورة أن يتمتع أي تشكيل إداري عراقي بصلاحيات واسعة تؤدي إلى وضع أسس الحكومة الانتقالية التي تمهد لانتخابات عامة ودستور دائم، وليس مجرد تشكيل اعتباري خال من الصلاحيات وفارغ من المحتوى، وهي الخلافات التي نجم عنها انعقاد سلسلة من المباحثات على مدى الأسابيع القليلة الماضية بين الأطراف العراقية وبريمر.
كما أن إعلان هذا التحول جاء في أعقاب لقاء بريمر بوزير الخارجية البريطاني جاك سترو، الذي حـطّ الرحال في بغداد في زيارة مفاجئة التقى خلالها أيضا بعضا من قادة التنظيمات السياسية العراقية البارزة، حيث يشير دبلوماسيون عرب إلى أن رئيس الدبلوماسية البريطانية عرض أمام بريمر رؤية جديدة يتم من خلالها التعامل مع الأطراف العراقية.
وتتلخص هذه الأفكار في منح تلك الأطراف قدرا أكبر من الصلاحيات والمهام بما يرفع عن كاهل قوات الاحتلال أعباء غير مبررة، ويحسِّن صورة الإدارة المحتلة أمام العراقيين الذين بدأ صبرهم ينفذ، على ما يبدو، خاصة وأن البريطانيين، حسب رأي بعض المراقبين، أكثر قدرة على تفهم طبيعة الواقع العراقي، وهم بالتالي أكثر خبرة في التعامل معه.
وباعتقاد هؤلاء المراقبين، فإن القرارات ذات الطبيعة الأكثر استراتيجية في العراق، خصوصا في الآونة الأخيرة، جاءت بمبادرة بريطانية حتى وإن تم تصويرها على أنها قرارات أمريكية محضة.
مكانة مسعود البرزاني
ويلاحظ في إطار المشاورات العراقية أن مسعود البرزاني، زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني، يؤدي دورا محوريا في هذا الصدد، وهو نفس الدور الذي قام به في أعقاب سقوط النظام العراقي السابق مباشرة حينما أجرى عشرات اللقاءات المكثفة مع قادة التيارات العراقية من مجموعتي الداخل والخارج في مقره الذي اتخذه من فندق برج الحياة وسط بغداد.
ويرى البعض أن الأداء السياسي للبرزاني في هذا الصدد يعكس مكانته السياسية والاجتماعية في العراق عموما، وفي كردستان العراق بشكل خاص، وهي المكانة التي تجعل منه راعيا أكثر من كونه طرفا، وهي مكانة قائمة على قناعة مترسِّخة لدى أوساط كردية وعراقية ذات حضور مهم، مفادها أن تمثيل مسعود البرزاني لأكراد العراق أمر محسوم، وبالتالي، فهو مؤهل تماما لمثل هذه الرعاية، خلافا لمكانة منافسه الأكبر جلال الطالباني التي لم تحسم بشكل نهائي لدى أكراد العراق.
ويلاحظ في هذا الصدد أن مكانة البرزانيين تعمقَّت مؤخرا بإعلان الفصيلتين الكرديتين الرئيستيين الحزب الديمقراطي الكردستاني، والاتحاد الوطني الكردستاني توحيد قيادتيهما السياسية والعسكرية وجعل أربيل، وهي مقر مسعود البرزاني الرسمي، عاصمة للإقليم الكردي على حساب السليمانية، حيث مقر جلال الطالباني.
ومن المقرر أن يستضيف مقر البرزاني في أربيل قريبا اجتماعا ذا طبيعة استثنائية لمجموعة السبعة، وهي الهيئة القيادية الخماسية السابقة للمعارضة العراقية، والتي تضم الحزب الديمقراطي الكردستاني، والاتحاد الوطني الكردستاني، وحركة الوفاق الوطني، والمؤتمر الوطني العراقي، والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية، إضافة إلى كل من حزب الدعوة الإسلامية، والحزب الوطني الديمقراطي، كما يتوقع أن يحضر الاجتماع رئيس تجمع الديمقراطيين المستقلين الدكتور عدنان الباجة جي، الذي ترشحه كثير من الأوساط السياسية العراقية والدبلوماسية العربية لتولي منصب رئاسة المجلس الحكومي العراقي.
لقاءات واحتمالات
وفي إطار المداولات الهادفة إلى بلورة محاور رئيسية قبيل إعلان التشكيلة النهائية للمجلس، شهدت الأيام القليلة الماضية انعقاد سلسلة من اللقاءات بين القوى والتيارات السياسية المختلفة، منها اللقاء الموسع الذي عقده التيار الديمقراطي العراقي لأطراف سياسية عراقية، كما التقى قياديون من الحزب الإسلامي العراقي بنظرائهم من المجلس الأعلى للثورة الإسلامية.
يُـضاف إلى ذلك اللقاء الذي تم بين احمد الجلبي، رئيس المؤتمر الوطني العراقي والصحفي العراقي سعد البزاز، الذي بدأ يطرح نفسه مؤخرا بصيغة سياسية تؤدي ربما إلى تشكيله تنظيما حزبيا جديدا، حيث التقى عددا من الوجهاء في مدينته الموصل وفي شمال العراق في مهام وصفها بأنها سياسية.
وأكد مصدر عراقي واسع الإطلاع أن التركيبة النهائية للمجلس الحكومي ستضم مجموعة السبعة، مضافا إليها عدنان الباجة جي، ومحسن عبد الحميد من الحزب الإسلامي، وأحمد الكبيسي من الحركة الوطنية العراقية الموحدة، والشريف علي بن الحسين، وشخصية مسيحية، وأخرى تركمانية مع إشراك عدد من الوجوه النسائية وعناصر من الداخل لم تحدد بصورة نهائية بعد، فيما لم تحسم مشاركة الشيوعيين في المجلس حتى الآن.
ومع أن أي أسماء لم تطرح لعضوية المجلس الحكومي المرتقب، إلا أنه من الملاحظ أن صحيفة المؤتمر الناطقة بلسان احمد الجلبي تُـروّج منذ فترة إلى أن الجلبي هو المرشح الأوفر حظا لرئاسة هذا المجلس، بل إنها نشرت في عددها الصادر يوم الثلاثاء 8 يوليو الجاري خبرا مفاده أنه “تم عرض أسماء المرشحين على الجلبي لتنال موافقته قبل إعلانها”.
وبصرف النظر عن أي تسمية للعضوية أو للرئاسة، هل سيكون قيام هذا المجلس عامل تطمين للعراقيين، أم أنه سيضيف تعقيدا جديدا للواقع العراقي المعقّـد أصلا؟ هذه الأسئلة وغيرها سوف تجيب عليها الأيام المقبلة، ومسيرة المجلس المرتقب.
مصطفى كامل – بغداد
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.