مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

في سويسرا.. منازلة في الأفق حول حرية تنقل الأشخاص

Keystone

ما أن اتخذ البرلمان السويسري قراره بعرض قضية التمديد لاتفاقية التنقل الحر وتوسعة مجالها لتشمل بلغاريا ورومانيا في حزمة واحدة في حالة عرضهما على استفتاء عام، حتى شرع المؤيدون والمعارضون للاتفاقيات الثنائية في إعداد حملاتهم الدعائية.

أما حزب الشعب السويسري(يمين متشدد)، فلم يحدد موقفه الرسمي بعدُ، في حين فاجأ زعيمه المُفوّه كريستوف بلوخر الجميع بتصريح أعرب فيه عن معارضته الدعوة لاستفتاء حول الموضوع أصلا.

ونوّه جيرولد بوهرر، رئيس رابطة الشركات السويسرية، يوم الاثنين 16 يونيو بالتأثير الإيجابي لتلك الاتفاقية على الاقتصاد الوطني، وقال: “لقد ساهم التنقل الحر للأشخاص مع بلدان الإتحاد الأوروبي مساهمة فعالة في خلق 190.000 فرصة عمل في سويسرا في السنوات الأخيرة”. وبحسب نفس المصدر، أدى الاتفاق المبرم بين برن وبروكسيل إلى تسريع معدّلات النمو.

من ناحيته، ذكّر رودولف ستامبفلي، رئيس اتحاد أصحاب الشركات السويسرية بأن “سويسرا في حاجة إلى يد عاملة أوروبية تتميز بالكفاءة”. ويرى هذا الأخير أن تخوّفات المعارضين لحرية التنقل تفتقد إلى أي أساس.

وبالنسبة لرودولف: “تخضع الهجرة لحاجة سوق العمل، وتستفيد التأمينات الاجتماعية من الرسوم التي يدفعها المهاجرون”.

وتتفق الشركات الصغرى والمتوسطة مع هذا الاتجاه، وبالنسبة لإيدي أنغلبرغر رئيس الإتحاد السويسري للفنون والمهن: “رفض التمديد لحرية تنقل الأشخاص بين سويسرا والإتحاد الأوروبي، “كارثة كبرى”.

“نعم”، على الطريقة النقابية

أما النقابيون فيشوب موقفهم الحذر. وفي اجتماع لهم ببرن يوم الاثنين 14 يونيو، قرر ممثلو الاتحادات النقابية السويسرية وبالإجماع دعم العلاقات الثنائية مع الإتحاد الأوروبي، متراجعين بذلك عن قرار سابق دعوا فيه إلى رفض اتفاقية التنقل الحر للأشخاص.

وينظر اتحاد النقابات السويسرية بإيجابية لحصيلة الإجراءات والضمانات المصاحبة التي ألحقت بالاتفاقيات الثنائية سنة 2004، والتي تهدف إلى حماية اليد العاملة المحلية من ظاهرة إغراق الأجور، وتردي الوضع الاجتماعي. لكن هذا لا ينفي وجود بعض أوجه القصور، التي لابد من معالجتها في المستقبل، بحسب النقابيين دائما، وفي هذا السياق، يخص دانيال لومبارت، رئيس وحدة الاقتصاد بالمنظمة النقابية بالذكر قطاع الأعمال المنزلية والأعمال المؤقتة.

ورغم أن النقابيين لا يعارضون التنقل الحر، فإنهم يحذّرون من تبعات المساس بجملة الإجراءات المصاحبة، وبالتالي، سوف يتابع النقابيون عن قرب التطوّرات القادمة قبل أن يصدروا قرارا نهائيا بشأن التصويت في الاستفتاء القادم.

في انتظار قرار حزب الشعب

شكل الحزب الراديكالي لجنة لدعم التمديد لاتفاق التنقل الحر مع بلدان الاتحاد الأوروبي الجمعة الماضية الموافق 11 يونيو 2008. وحذّر فولفيو بيلّي من أن أي دعوة للتخلي عن اتفاقية التنقل الحر، سيعصف بالمكاسب التي تحققت بفضلها، سيكون الحال كمن سجّل هدفا في مرماه.

وأضاف رئيس الحزب الراديكالي: “إذا أخذنا في الاعتبار، معدلات النمو التي تحققها رومانيا وبلغاريا، فإن توسيع مجال هذه الاتفاقية يمثل فرصة لسويسرا أيضا”.

وتظل مع ذلك، مواقف بعض الأطراف في صفوف اليمين غير معروفة. ولا أحد يعلم حتى الآن طبيعة موقف حزب الشعب (يمين متشدد)، على الرغم من موقفه المعهود الرافض للاندماج السويسري- الأوروبي. ورسميا، لم يعلن حزب الشعب، أكبر جمعية سياسية في البلاد، حتى الآن دعوته لإجراء استفتاء.

وتبدو الآراء منقسمة داخل الحزب. فإذا كان جزءً من أعضائه يرفضون توسعة مجال الاتفاقية لتشمل رومانيا وبلغاريا، خوفا من “الجرائم التي يرتكبها الأجانب”، فإن غالبية نواب الحزب في البرلمان، “يقرّون بالجدوى الاقتصادية لهذه الاتفاقية”.

وفي 17 مارس الماضي، حذّرت اللجنة المركزية للحزب من أنها ستكون “مجبرة” للدعوة لتنظيم استفتاء ضد اتفاقية التنقل الحر، إذا ما قرر البرلمان جمع التمديد للاتفاقية وتوسيعها لرومانيا وبلغاريا في مشروع واحد. واليوم، وقد أتخذ البرلمان قراره، فإن أمام زعماء الحزب فرصة لإعادة تقييم الموقف، وتأجيل اتخاذ القرار إلى 5 يوليو، تاريخ انعقاد الجمعية العمومية المقبلة.

وافق حزب الشعب أم لم يوافق

وفي انتظار القرار الذي سيتخذه الحزب الأكبر في البلاد، أعلنت رابطة التيتشينو (يمين متشدد)، بحسب ما ورد في صحيفة “ألماتينو ديلاّ دومنيكا” أنها سوف تدعو إلى تنظيم استفتاء عام ضد الاتفاقيات الثنائية، وذلك “بتحالف مع حزب الشعب أو من دونه”.

ويرى جوليانو بينياسكا، رئيس هذه الرابطة التي ازدادت شعبيتها خلال الأشهر القليلة الماضية على مستوى الكانتون والجماعات المحليةأن “هذه الاتفاقيات فاقمت ظاهرة الفقر في التيتشينو، وأساءت إلى أمنه”.

ويأسف زعيم رابطة التيتشينو لتعرض المنطقة إلى “غزو القاطنين على الطرف الآخر من الحدود من دون أي مراقبة” ويستنكر “حرية التنقل التي ينعم بها مرتكبو الجرائم من بلدان أوروبا الشرقية”.

وتراهن رابطة التيتشينو في المقام الأول على دعم حزب الشعب السويسري وعلى منظمة “العمل من أجل سويسرا مستقلة ومحايدة”، وهي منظمة يمينية مؤثرة لكن ليس لها طابعا سياسيا، وتتشكل قاعدتها خاصة من العناصر الأكثر تشددا في حزب الشعب.

وفعلا، فقد أعلن النائب البرلماني عن حزب الشعب، هانس فيهر، والذي هو في نفس الوقت رئيس منظمة العمل عن تأييده لإجراء الاستفتاء، مؤكدا في الوقت نفسه أن الاقتصاد السويسري لن يتضرر في حالة رفض اتفاقية التنقل الحر.

ويعتقد هانس فيهر، على خلاف ادعاء الحكومة الفدرالية، أن الإتحاد الأوروبي لن يتراجع عن جملة الاتفاقيات الثنائية وأن “البند المقصلة” (الذي يوقف العمل بجملة الاتفاقيات الثنائية بمجرد رفض سويسرا لإحداها) ليس سوى محاولة للضغط وإشاعة جو من الخوف.

وفي الوقت الذي يستعد فيه المناصرون والمعارضون لمنازلة قريبة، أعلنت ميشلين كالمي – ري أن الحكومة لا تتوقع أن يرفض الشعب التمديد لاتفاقية التنقل الحر، وتوسيع الإقليم الذي تشمله. وتراهن وزيرة الخارجية خصوصا على قدرة المواطنين على إدراك أهمية الاتفاقيات الثنائية وضرورتها للحفاظ على رفاهية سويسرا وشعبها.

سويس انفو مع الوكالات

في تصريحيْن متتالين يوم الأربعاء 18 يونيو إلى كل من الصحيفة السويسرية التي توزّع مجانا ” ch.”، والمحطة الإذاعية “DRS”، أعلن كريستوف بلوخر، وزير العدل والشرطة السابق، والنائب الحالي لرئيس حزب الشعب معارضته الدعوة إلى إستفتاء عام على اتفاقية التنقل الحر، ولا يرى مصلحة في دعم مبادرة حزب سياسي آخر، وهو يشير بذلك لمشروع “رابطة التيتشينو” “يمين متشدد”. وعلى العكس من كل ذلك، يدعو إلى مقاطعة أي استفتاء، وعدم التصويت ب “لا” أو “نعم”. وشدد بلوخر بأنه مازال يعارض توسيع الإتفاقية إلى كل من بلغاريا ورومانيا.

ومن شأن هذا الموقف أن يعقد أكثر وضع حزب الشعب الذي كان دائما مبادرا إلى تنظيم الإستفتاءات الشعبية، وأن يزيد في تعميق الهوّة بين أجنحة الحزب خاصة بين الجناح الإقتصادي، بزعامة رجل الاعمال بيتر سبوهلر، وجناح الصقور الممثل بقوة داخل منظمة “العمل من أجل سويسرا مستقلة ومحايدة” بزعامة هانس فيهر.

عقب رفض الشعب في استفتاء عام دخول سويسرا في السوق الأوروبية المشتركة في بداية التسعينات، انخرطت الحكومة السويسرية في مسار الإتفاقيات الثنائية مع الإتحاد الأوروبي.

وفي مرحلة أولى، تم إبرام سبع اتفاقيات بين برن وبروكسيل بحلول 1999، ومن بين تلك الإتفاقات، تلك المتعلقة بالتنقل الحر للأشخاص. وعند التوقيع شملت الإتفاقية الدول الخمسة عشر الأولى التي كانت تشكل الإتحاد الأوروبي. ودخل هذا الاتفاق حيز النفاذ في فاتح يونيو 2002.

وفي سبتمبر 2005، قبل السويسريون بتوسيع إطار هذا الاتفاق ليشمل الدول العشر الأعضاء الجدد التي انضمت إلى الإتحاد الأوروبي في مايو 2004.

وينتهي العمل باتفاقية التنقل الحر بين سويسرا والإتحاد الأوروبي مع موفي 2008. وبالنسبة للاتحاد تمديد العمل بهذا الاتفاق يتم آليا، لكن بالنسبة لسويسرا، الأمر قد يتطلب إجراء استفتاء. ويصبح الاستفتاء إجباريا إذا طالب به 50.000 مواطنا سويسريا. عندئذ يجب تنظيم الاستفتاء في ربيع 2009. ولكن، حتى الآن، وباستثناء بعض الأطراف الصغيرة، لم يطالب رسميا أي حزب من الأحزاب الخمسة الكبرى بذلك، ولم تعلن قيادة حزب الشعب موقفها النهائي بعد.

من ناحية أخرى، أصدر البرلمان قراره الذي ينص على إعتبار مسألة التمديد لإتفاقية التنقل الحر للأشخاص وتوسيع الإتفاقية لتشمل رومانيا وبلغاريا مسالة واحدة غير منفصلة .

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية