قوات تركية في العراق: ضرورة قومية..!
وافق البرلمان التركي يوم 7 أكتوبر بإجماع نادر من جانب كتلة نواب حزب العدالة والتنمية على مذكرة الحكومة بشأن إرسال قوات تركية إلى العراق لمدة عام من حيث المبدأ.
ولم يعارض المذكرة سوى نواب حزب الشعب الجمهوري المعارض الوحيد الممثل في البرلمان.
يمثل إقرار البرلمان التركي لمذكرة الحكومة بشأن إرسال قوات إلى العراق نقطة تحوّل تاريخية في مسار العلاقة التركية بالعراق، وتحمل عودة مثلثة:
أولاً، إلى الولايات المتحدة، حيث أدركت أنقرة أن الأمن القومي التركي وخيارها الاستراتيجي عالمياً غير ممكن، إلا بالعودة تحت المظلة الأمريكية.
ثانياً، إلى العراق، بعدما خرجت من معادلته على أثر رفض المشاركة في الحرب الأخيرة عليه. والعودة إلى العراق تعني أساساً القيام بدور لاعب مركزي في التطورات المتعلقة بالمسألة الكردية.
ثالثاً، العودة إلى الشرق الأوسط، نظراً لتأثير الخطوة التركية الجديدة على التوازنات الإقليمية، ولاسيما في بُـعديْـها الإيراني والسوري.
جاءت الخطوة التركية نتيجة تقاطع مصالح ثنائي تركي – أمريكي لا علاقة له أبداً بمصالح العراق ورغبات فئاته المعارضة لإرسال قوات تركية إلى هناك.
فقد أدركت تركيا “خطأها” الاستراتيجي عندما راهنت على أنه لا حرب من دونها ضد العراق. فسقط الرهان وسقطت معه خطوط تركيا الحمر في الشمال العراقي، وساد الأكراد هناك وتمددوا إلى بغداد وصولاً إلى وزارة الخارجية بالذات.
وبعد الحرب، لم تستطع أمريكا بدورها إرساء الأمن والاستقرار في العراق، وازدادت الكراهية لها في كل العالم الإسلامي. فكانت الحاجة للتخفيف من الخسائر البشرية ومن صورة الكراهية لها. فضغطت واشنطن لإشراك قوات من دول إسلامية أساسية مثل تركيا وباكستان وبعض الدول العربية.
ملء الفراغ العربي
رفضت مصر، ولم تحسم باكستان أمرها. فيما تلقفت تركيا الكرة في فرصة تاريخية قد لا تُـتاح مرة ثانية لترميم العلاقات مع الولايات المتحدة، وليكون لها “كلمة” في العراق ومستقبله من كافة النواحي.
وارتفعت أصوات الجميع في بغداد مُـعارضة إرسال قوات تركية إلى هناك. لكن الولايات المتحدة وتركيا لم تكونا لتعقدا كل هذه الاجتماعات والمساومات، لو لم تكونا واثقتين من أن الخطوة ستجد طريقها للتنفيذ، شاء مجلس الحكم الانتقالي أو الأكراد أم أبوا.
من المرات النادرة أن تُـفصح حكومة دولة ما عن نواياها الحقيقية في بيان رسمي لا يحتمل أي تأويل. فمذكرة الحكومة التي أقرها البرلمان تحمل الأهداف التالية:
· “منع تحويل العراق إلى مأوى للعناصر الإرهابية التي تستهدف وحدة الأمة والأراضي التركية، وهذه أولوية تتطلب تنظيف المنطقة من عناصر حزب العمال الكردستاني”.
· “قيام العرب والأكراد والتركمان والأشوريين، التي هي عناصر مؤسسة للعراق، بدور فاعل وعدم منح أية مجموعة عرقية أي وضع تمييزي”.
· “القوات المسلحة التركية هي ضمانة للوحدة السياسية للعراق ووحدة أراضيه ووحدة الأمة”.
· “تحمل تركيا مسؤولية بصفتها قوة إقليمية”.
طموحات أنقرة
يشرح عبد الله غول، وزير الخارجية أكثر حيثيات خطوة إرسال القوات. “العراق جار، ولا يُـمكن التفرج عليه”. “يوجد فراغ في المنطقة، ويجب عدم تمكين الإرهاب من ملئه”. يجب ضمان أمن خط أنابيب نفط كركوك – يومورطاليق”. يجب أن نقول “لا” لبعض التطورات السياسية غير المقبولة من جانبنا.
ويضع رجب طيب اردوغان، رئيس الحكومة النقاط على الحروف الأخيرة بقوله: “مصلحة تركيا أولوية لنا” و”الشرق الأوسط يتشكّـل من جديد، ويجب أن تكون تركيا قوة طليعية ومؤثرة”.
كيف يمكن تحقيق كل هذه الأهداف؟
أولاً، بمساعدة أمريكا، كونها الحاكم بأمره في العراق.
وثانياً، بإرسال قوات تركية إلى العراق تبعاً لما ورد في المذكرة من أن القوات المسلحة التركية هي “ضمانة” وحدة العراق والأرض والأمة، أي أن رسالة أنقرة إلى أكراد العراق واضحة: “كونوا جزءاً من العراق، وتخلّوا عن تطلعاتكم الاستقلالية مهما كانت بعيدة المدى والمنال، وإلا فإن الردّ جاهز والقوات ليست خلف الحدود، بل بين ظهرانيكم”.
إن إحدى محددات وجهة استخدام خطوة إرسال القوات التركية إلى العراق هي المنطقة التي سيتمركزون فيها والتي لم تحدد بعد.
يقول جنكيز تشاندار، المعلق المعروف، إن تركيا أمام خيارين: إما التمركز غرب العراق وصولاً إلى الحدود السورية، أو التمركز شرق الفرات في محافظة صلاح الدين وعاصمتها تكريت.
الخيار الأول يعني أن تركيا ترغب أن تكون لاعباً كبيراً. والخيار الثاني القريب من مناطق الأكراد والتركمان، يعني أن تركيا تنظر إلى الهدف من إرسال القوات على أنه “قضية أمنية” تتصل فقط بالأكراد والتركمان والتهديدات الموجهة إلى تركيا من عناصر حزب العمال الكردستاني.
ويتبع كل ذلك مسألة من أين سيمر خط الإمداد التركي، هل برّاً عبر المناطق الكردية أم عبر مناطق أخرى، وربما دول أخرى؟
أين دمشق وطهران؟
لا يخفى أن واشنطن مرتاحة جداً للقرار التركي، وهذا يؤدي تلقائياً إلى القول بعدم رضى دمشق عن الخطوة التركية. فتركيا الآن “شريك في الاحتلال”، والتهديدات الأمريكية لسوريا تتضمن تالياً شراكة من جانب القوات الموجودة في العراق، ومنها القوات التركية.
لم تندّد تركيا بقوة بالعدوان الإسرائيلي على منطقة عين الصاحب في سوريا، والمسؤولون الأتراك لم يزوروا سوريا منذ أكثر من 4 أو 5 أشهر. ومع ذلك، فإن سوريا ستحاول تجنيب العلاقات الثنائية المتحسنة جداً مع تركيا الأثار الإقليمية السلبية لخطوة إرسال القوات التركية إلى العراق.
أما إيران، فبالطبع لا ترتاح إلى وجود قوات تركية في العراق، لكنها ليست بالقدر نفسه من عدم الرضى السوري، إذ أن التقاطعات الإيرانية – الأمريكية موجودة في أكثر من نقطة من الملف العراقي.
ستخسر تركيا صورة الممتنع عن العدوان على بلد عربي والتي أكسبتها احتراماً لدى الرأي العام العربي. وقد يخسر حزب العدالة والتنمية بعضاُ من قواعده، وربما يشهد انشقاقات مع وصول أول جثة لجندي تركي في العراق إلى بلاده.
لكن اردوغان ورفاقه يكسبون، ولو مؤقتاً، مزيداً من الدعم الأمريكي لسلطتهم. كما أن تصويت البرلمان على المذكرة يأتي بمثابة تجديد الثقة بزعامة اردوغان للحزب عشية مؤتمره العام الأول يوم الأحد 12 أكتوبر الجاري.
تربح تركيا، وتخسر من خطوة إرسال قواتها إلى العراق. أما إلى أي كفّـة ستميل الموازين، فهذا مرتبط بطبيعة التطورات على الميدان في المرحلة المقبلة.
خطوة لها مضاعفاتها وتردداتها. لكنها بكل المقاييس، جريئة وتعيد تركيا إلى خريطة العراق والمنطقة والعالم.
محمد نورالدين – بيروت
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.