كنائس للبيع.. بين المقدس والمدنّـس
لم يعد بيع بيت الرب إلى طوائف دينية أخرى أو إلى خواص من المحظورات في العديد من البلدان الأوروبية، أما في سويسرا، فقد بدأت الظاهرة في الانتشار مع أنها لا زالت نادرة إلى حدّ الآن.
بوجه هذا التطور الجديد، جاءت ردود فعل البروتستانت والكاثوليك السويسريين متباينة.
“مرحبا بكم في بيتي الجديد”، هكذا استقبلنا فيليب سالتارسكي بابتسامة عريضة في بيته بمدينة Le Locle في الجبال القريبة من نوشاتيل.
على جانبي القاعة الكبرى في الطابق الأول، التي لا زالت شبه خالية من الأثاث بحكم الانتقال للسكن حديثا في البيت، تناثرت العديد من الأغراض، فهذا جهاز لبث الموسيقى ملقى على الأرض وهذه مجموعة من المقاعد الخشبية التي لا زالت تنتظر إفراغها ووضعها في أماكنها، في حين آل جهاز أورغ فُـرض عليه الصمت إلى إحدى الزوايا.
من الخارج، تنساب الأضواء بلطف عبر الواجهات البلورية الملوّنة مساهمة في إضفاء بعض الروحانية على الأجواء.
إننا نتواجد الآن في مبنى كان إلى بضعة أشهر خلت كنيسة تابعة لإحدى الطوائف المسيحية في المنطقة، والتي اقتناها رجل الأعمال الشاب في شهر ديسمبر 2006 بمبلغ لا يزيد عن 280 ألف فرنك. فبالنسبة لهذه المجموعة الدينية، التي وجدت نفسها في مواجهة تراجع هائل لعدد أعضائها (من 100 إلى 20 في غضون أعوام قليلة)، أصبحت تكاليف صيانة المبنى مرتفعة جدا.
نفس المصير لقيه في عام 2005 معبد سان ليوناردو الإنجيلي في مدينة سانت غالن، الذي بيع إلى مهندس معماري مقابل 400 ألف فرنك “فقط”، هذا المبنى كان يتطلب بضعة ملايين من الفرنكات، وهو رقم ضخم جدا، برأي المجموعة الدينية المعنية لكنيسة لم تعد تُـستعمل منذ فترة لإقامة طقوس دينية.
تراجع الارتباط بالكنيسة
منذ بضعة أعوام، تسارعت وتيرة ظاهرة تغيير استعمال أماكن العبادة في جميع أنحاء أوروبا. ففي بريطانيا وألمانيا وهولندا بوجه خاص، آلت كنائس ومعابد إلى استعمالات متعددة متنوعة، فأصبحت متحفا أو مكتبة أو قاعة للعروض السينمائية أو مرقصا، بل تحول بعضها إلى مساجد.
سويسرا شملتها الظاهرة، لكن بشكل لا زال هامشيا إلى حدّ الآن. ويقول سيمون فيبير، المتحدث باسم فدرالية الكنائس البروتستانتية في سويسرا لسويس انفو “إننا نفضل الاحتفاظ بالمعبد واستعماله من حين لآخر لأنشطة أخرى، مثل الحفلات والمعارض”. من جهته، يؤكّـد فالتر مولّـر، الملحق الصحفي بمؤتمر الأساقفة السويسريين أن “البيع يظل استثناءً”.
في الواقع، سجّـلت السنوات الثلاثين الماضية تراجعا مطردا في عدد أتباع أكبر ديانتين في سويسرا، ففي حين كان 95% من السويسريين يصرحون في عام 1970 بأنهم كاثوليك أو بروتستانت، تضاءل هذا الرقم في عام 2000 ليصل إلى 20%، وبالتالي، تراجعت الإمكانيات المادية المتوفرة لدى الكنائس (حيث يدفع كل شخص يعلن عن انتمائه لإحدى الديانات المعترف بها من طرف السلطات، ضريبة سنوية تحول إلى الجهة الكنسية أو الدينية التي ينتمي إليها، وهو ما يوفر موارد محترمة للهيئات الدينية لدفع أجور رجال الدين وصيانة المباني والإنفاق على كل الشؤون المرتبطة بالممارسة الدينية للأتباع).
ويشدد مولّـر على أن المشكلة الرئيسية لا تتمثل في تراجع عدد المؤمنين، بل في النقص المسجل في عدد رجال الدين، لذلك، “يجب تصور مصائر جديدة لأماكن العبادة، وفي المستقبل يمكن أن يكون البيع بالفعل إحدى البدائل”، لكن هذا لا يجب أن يكون بأي ثمن، مثلما ترى الطائفة الكاثوليكية السويسرية.
الكاثوليك يتخذون إجراءات وقائية
في شهر يوليو الماضي، أصدر مؤتمر الأساقفة السويسريين (كاثوليك) توصيات لتطبَّـق في حالة تغيير استعمال مراكز كنسية، وهي تهدف إلى تجنُّـب امتهان أماكن العبادة، ويقول فالتر مولّـر “إن الكنائس والمصليات تحتفظ، حتى بعد فقدانها للطابع المقدس، بمعناها الرمزي والديني لدى المؤمنين، لذلك، لا مجال لبيعها ما لم يتم ضمان استعمال جديد متلائم مع الكنيسة المسيحية ومبادئها الأخلاقية”.
تبعا لذلك، تُـمنح الأولوية إلى المهمة الرعوية للمباني، وذلك من خلال بيعها إلى مجموعات دينية شقيقة (مثلما حدث لدير الكبوشيين في أرت Arth في كانتون شفيتس، الذي مُـنح للكنيسة الأرتودكسية السورية).
وإذا لم يكن ذلك متاحا، تنص التوصيات على إمكانية تفويت “مدنّـس” (أي غير ديني) للمبنى، ولكن لأغراض محددة ذات طابع ثقافي واجتماعي مراعية للأخلاقيات المسيحية، لذلك، يؤكد المتحدث باسم مؤتمر الأساقفة السويسريين أنه “لا مجال لتحويل كنائس إلى مراقص”، كما أنه لا يمكن تحويلها إلى مساجد، نظرا لأن التوصيات تنص على أنه لا يمكن مبدئيا أن تتم عملية البيع إلى أفراد من ديانات أخرى. ويذهب السيد مولّـر إلى حد القول أنه “إذا تعذر العثور على حل آخر مطابق لقدسية اعتقادنا، فإن تدمير أماكن العبادة أفضل من التفويت فيها”.
مشكل غير موجود
في المقابل، هذا الإشكال لا يطرح نفسه بالنسبة للكنيسة البروتستانتية، حيث يقول المتحدث باسم فدرالية الكنائس البروتستانتية لسويسرا “نظرا لأنه لا يُـطلب منا بيع معابدنا، وبما أنه لا توجد لدينا حاجة حقيقية للقيام بذلك، فلا أرى لماذا يتوجب علينا إصدار توصيات بهذا الخصوص. إذا ما طُـرحت وضعية ملموسة، فسنواجهها في الوقت المناسب”.
بالعودة إلى رجل الأعمال الشاب سالتارسكي، لم تفرض الطائفة الدينية التي اشترى منها بيته الجديد عليه أي شرط بخصوص استعمال الكنيسة السابقة، وهو يفكر حاليا في كيفية تحويلها إلى بيت فسيح وتخصيص مكان فيها لمقصف صغير.
الطريف هو أن الجهة الوحيدة التي لم تهضم فكرته، كانت مصرفا رفض منحه قرضا لتمويل الأشغال، بتعلّـة أن تجديد كنيسة لأهداف خاصة، يعتبر “مشروعا غير نمطي بالمرة”.
سويس انفو – أنّـا باسيرا
(ترجمه من الإيطالية وعالجه كمال الضيف)
قبل إمكانية بيع أو تحويل وجهة مكان مخصص للعبادة، تشترط الطائفة الكاثوليكية نزع صفة القداسة عن المبنى.
هناك طقوس دينية محددة يتم إجراءها لنزع القداسة عن المبنى.
في المقابل، لا يقوم أتباع الكنيسة البروتستانتية بأية طقوس من هذا القبيل، لأن معابدهم لا تعتبر أماكن مقدسة.
42% من الكاثوليك (-7% مقارنة بعام 1970)
35% من البروتستانت (-12% مقارنة بعام 1970)
11% من الملحدين (+10% مقارنة بعام 1970)
4،3% من المسلمين (+4% مقارنة بعام 1970)
0،2% من اليهود (-0،1% مقارنة بعام 1970)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.