احتجاجات إيران.. عندما تتحول شبكة الإنترنت إلى سلاح فعال
لم تكن مقاومة النظام في إيران أبداً شبابية بمثل هذا القدر، ولم تكن أبداً عالمية بمثل هذا المستوى. فجيل "زد" يقود الاحتجاجات، والإيرانيون والإيرانيات في المنفى يُساعدونه من خلال مواقع التواصل الاجتماعي. كما أن النظام الحاكم نفسه لا يتوانى عن استخدام الإنترنت من أجل تحقيق أغراضه.
لابد لمريم بني هاشمي أن تعتاد أولاً على الأمر. “فقبل ثلاثة أسابيع لم يكن أحد من الرأي العام السويسري يعرف اسمي، واليوم التقيت مرتين مع سياسيين من الرجال والنساء في البرلمان الفدرالي”، تقول هذه الإيرانية التي تعيش في المنفى. فمنذ اندلاع الاحتجاجات العالمية ضد نظام الملالي في إيران، أصبحت هذه السيدة ابنة التاسعة والثلاثين ربيعا وجهاً للاحتجاجات في سويسرا.
وبالفعل، حاورتها العديد من وسائل الإعلام في سويسرا، والتقطت لها صوراً. ونشير إلى أن مسؤولة وسائل التواصل الاجتماعي هذه قد درست بجامعة شريف التكنولوجية المرموقة في طهران، كما درست في ألمانيا. حيث انتقلت قبل ست سنوات من إيران إلى سويسرا، وتمكنت من خلال صور الرحلات والطبيعة التي تنشرها على حسابها على موقع إنستغرام، من تشكيل مجتمع صغير من المتابعين قوامه عشرين ألف شخص.
لكن منذ حوالي شهر، لم يعد يشغل هذه الإيرانية التي تعيش بالمنفى شيء أكثر من الاحتجاجات التي تجري في إيران ولأجلها. وقد اندلعت هذه الاحتجاجات في أعقاب القبض على الشابة الإيرانية مهسا أميني من قِبل شرطة الآداب في طهران. وكانت جريمة أميني هي: أنها لم تكن مرتدية للحجاب طبقاً للوائح. وبعد إلقاء القبض عليها بساعتين دخلت في غيبوبة. ومن ثمَّ توفيت في السادس عشر من سبتمبر الماضي.
من جانبها، تدعي الحكومة الإيرانية أن أميني قد توفت جراء إصابتها بمرض ما. إلا أن الأسرة تقول إنها كانت حتى تاريخ اعتقالها في صحة جيدة. وهي على قناعة بأن السبب الحقيقي لموت ابنتهم هي عنف الشرطة. وفي نفس يوم اعتقال أميني ذات الأصول الكردية، ذاع الخبر على وسائل التواصل الاجتماعي، وفي اليوم التالي تلقفه الإعلام الإيراني.
النظام الحاكم يقطع الإنترنت
ما لبث هذا الحدث أن أشعل نيران الاحتجاجات، فقد انتشرت المظاهرات الهائلة في طول البلاد وعرضها.ومن خلال بعض مقاطع الفيديو، رصدت هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي ما لا يقل عن 300 احتجاج في إيرانرابط خارجي حتى موفى الأسبوع الأول من شهر أكتوبر الجاري، إلا أن قوات الأمن الحكومية ردت بقسوة وحشية: فطبقاً لمنظمة العفو الدولية المعنية بحقوق الإنسان، شهد الجنوب الشرقي للبلاد وحده مقتل 82 شخصاً على يد قوات الأمنرابط خارجي، أثناء قمعها للمظاهرات، وكان من بين المتوفين أطفال.
جدير بالذكر، أن الأربعة عشر يوماً الأولى التي تلت مقتل أميني مرت دون صدور أية تصريحات تُذكر عن النظام الحاكم على وسائل التواصل الاجتماعي. في المقابل، تمثل أول تصرف قامت به السلطات في الحد من استخدام الإنترنت بل وقطعه تماماً، لخنق الحركة الاحتجاجية في مهدها. فقد تعددت مرات انقطاع الإنترنت، كما يصف تقرير لمنظمة نيتبلوكس Netblocksرابط خارجي، الذي اعتبر قطع الإنترنت “سلاحاً قوياً يستخدمه النظام”، على حد تصريحات أدلى بها إسيك ماتر من منظمة “نيتبلوكس” لهيئة الإذاعة البريطانية.
حالياً، لم تعد شبكة اتصال الهاتف المحمول تنقطع بصورة منتظمة “إلا أن الحجر على وسائل التواصل الاجتماعي ومنصات التراسل لا يزال قائماً”، مثلما يجيب آلب توكر من منظمة “نيتبلوكس”. كذلك لا تزال هناك مشكلات في شبكة الهاتف المحمول والثابت. فضلاً عن ذلك، تحدث انقطاعات متعمدة للتيار الكهربائي في مختلف الأقاليم.
برغم هذا الحجر، تمكنت حركة الاحتجاجات قبل ذلك بمدة، من تخطي حدود إيران، حيث يتم تداول لقطات من الاحتجاجات ملايين المرات على المنصات الرقمية، وذلك من خلال أشخاص لا يخشون النظام الحاكم هناك. فحتى اليوم، تم استخدام هاشتاج #مهسا_اميني ملايين المرات على موقع إنستغرام، الذي يُعتبر أكثر شبكات التواصل شعبيةً لدى الإيرانيين والإيرانيات، لأنه لم يكن حتى ثلاثة أسابيع مضت، محل سيطرة أو رقابة ملحوظة.
جيل “زد” الإيراني أكثر شجاعة
تعتبر حركة الاحتجاجات الأخيرة في جمهورية إيران الإسلامية الأضخم في العقود الأخيرة. واللافت للنظر فيها هو أن من يخرج إلى الشوارع هم في المقام الأول إيرانيون وإيرانيات من جيل الشباب. وقد وُلد أبناء جيل “زد” هذا ـ المسمى أيضاً بجيل Zoomers ـ ما بين عامي 1997 و2010.
في هذا الصدد، كتب معهد الشرق الأوسط بواشنطن في تحليل لهرابط خارجي أن أبناء جيل “زد” الإيراني قد حظوا بفرصة للحصول على معلومات وللتواصل مع العالم الخارجي، أفضل من تلك التي أتيحت لآبائهم وأجدادهم. “إن إتاحة وسائل التواصل الاجتماعي لهم، وحضورهم الفعَّال عليها قد منحهم قدرات تحليلية أفضل، كما منحهم منصة للتعبير عن مطالبهم وشجاعة للتصريح بآرائهم”. ووفقاً للأرقام الرسمية الصادرة عن صحيفة “جافان” اليومية الإيرانية، شديدة الإثارة للجدل والتي تصدر إلكترونياً، فإن 93% من المُحتجِّين تقل أعمارهم عن الخامسة والعشرين.
صحيح أن مريم بني هاشمي التي شارفت على الأربعين لا تُعدّ من أبناء هذا الجيل، إلا أن الحركة الاحتجاجية منحتها الشجاعة، بأنه لابد من أن يتغيّر شيء ما في إيران. فمنذ أن سمعت بموت مهسا أميني، لم تعد قادرة على النوم، لذلك فإنها تضع كل طاقتها في الاحتجاجات. وهي تستفيد من خبراتها في مجال وسائل التواصل الاجتماعي، حيث قامت ببناء شبكة من المتابعين حولها.
فمن الناحية الشخصية، لا تملك السيدة بني هاشمي الكثير من الصلات المباشرة في مسقط رأسها، لكن والدها ما يزال يعيش في إيران وهو قلق بسبب حضور ابنته الآن في الحياة العامة. إنه خوف يشاركه فيه الكثير من الإيرانيين والإيرانيات في المنفى، والذين يتجنبون بسببه الحديث إلى وسائل الإعلام. إلا أنه خوف تخلى عنه هذا الجيل الشاب في إيران. إنه جيل بلا رؤية محددة، لذلك فإنه يتجرأ على مواجهة الحكومة صراحةً.
نشاط الشتات الإيراني في سويسرا
شأنها شأن الكثيرين من الإيرانيين والإيرانيات في المنفى، تتلقى السيدة بني هاشمي مقاطع فيديو وأخبارا من داخل إيران، ومن ثمَّ تقوم بنشرها عبر وسائل التواصل الاجتماعي. “إلا أنه لا يتوجّب علينا جميعاً نشر نفس المحتوى”، بحسب ما تعتقد. إنها ترى نفسها إذن بصدد لعب دور الوسيط، حيث تبرهن للإيرانيين والإيرانيات أن العالم يُتابع احتجاجاتهم، كما تحث السلطات والمنظمات هنا في المهجر على اتخاذ خطوات فعالة.
“يجب أن يتم التغيير داخل إيران نفسها، لكن علينا أن نساعدهم كي تظل قدرتهم على الاستمرار قائمة”، على حد قول السيدة بني هاشمي. على الجانب الآخر، التزمت سويسرا رسمياً الصمت طويلاً حيال الأحداث التي تشهدها إيران ـ بل إن صمتها كان طويلاً أكثر من اللازم، مثلما يرى بعض الإيرانيين في المنفى. ولكن في الأسبوع الماضي، جاء رد فعل رئيس الكنفدرالية إينياتسيو كاسيس الذي وجّه النقد للسلطات الإيرانية، لكنه لم يرَ ضرورة للبدء في فرض أي عقوبات على طهران.
Stellungnahme der #Schweizرابط خارجي zu den Protesten in #Iranرابط خارجي pic.twitter.com/E7nK90gBuqرابط خارجي
— EDA – DFAE (@EDA_DFAE) October 5, 2022رابط خارجي
على الرغم من أن الشتات الإيراني في سويسرا لا يزيد عن 6500 شخص، إلا أن المظاهرات والفعاليات حظيت باهتمام كبير مقارنةً بهذا العدد، مثلما تعتقد السيدة بني هاشمي. “لكن لابد من حدوث المزيد”، على حد قولها، ولهذا أطلقت التماساًرابط خارجي.
فضلاً عن ذلك، فإنها سعيدة لأن سياسيين سويسريين قدموا استجواباًرابط خارجي للحكومة يُطالبون من خلاله الكنفدرالية باتخاذ إجراءات ضد انتهاك حقوق الإنسان في إيران. في الأثناء، أعربت بعض الجامعات السويسرية مثل المعهد الفدرالي التقني العالي بزيورخ، أو المعهد التقني الفدرالي العالي بلوزان عن تضامنها مع المجتمع الإيراني.
الإيرانيون والإيرانيات يتعلمون كيفية تخطي الرقابة
في سياق متصل، صرحت الصحافية الإيرانية-الألمانية ناتالي أميري مؤخراً لصحيفة تاغس-آنتسايغر (تصدر يومياً بالألمانية من زيورخ) أن “الإنترنت هو أهم سلاح يستخدمه المجتمع المدني”. فلقد وجد الشعب الإيراني منذ زمن سبلاً لتجاوز الحواجز التي تضعها الرقابة. فالتجارب التي مرت على هذا الشعب في السنوات الأخيرة قد جعلت من أفراده خبراء في مجال الإنترنت. وحالياً، تزدهر تطبيقاترابط خارجي تتيح لهم إمكانية التحرك في شبكة الإنترنت بدون الإفصاح عن هوياتهم.
علاوةً على ذلك، تعلم الإيرانيون رجالاً ونساءً في العقود الماضية شيئاً آخر، ألا وهو: “التفرقة بين المعلومات ذات المصداقية والأخرى المزيفة”، على حد قول الإيرانية نيغين فينكلر التي تعيش في سويسرا. إنها قدرة هامة خاصةً الآن، حيث بدأت الحكومة في تشغيل ماكينة إعلامها شيئا فشيئا.
أما كيف تعمل هذه الماكينة، فهو ما يظهر مثلاً من خلال المغني الإيراني شروين حاجي بور الذي أُطلِق سراحه مؤخراً. إذ كان قد اعتقل بعدما شوهدت أغنيته “براي آزدانه” (لأجل الحرية) أربعين مليون مرة على الإنترنت، بل إنها أصبحت بمثابة النشيد الرسمي للاحتجاجات.
في الأثناء، مُسِح مقطع الفيديو الخاص بالأغنية من على حسابه، بعدما أفرج عنه بكفالة. أما على حسابه على موقع انستغرام، فقد نأى حاجي بور بنفسه عن حركة الاحتجاجات، إلا أن متابعيه متأكدون من أنه أُجْبِر على الادلاء بهذا التصريح.
أغنية “لأجل الحرية”التي تحولت إلى ما يُشبه النشيد الرسمي للمقاومة الإيرانية:
“الانتباه العالمي يجب أن يستمر”
بدورها، تسعى نيغين فينكلر من خلال مساهمتها إلى مجابهة دعاية النظام الحاكم. حتى وإن كان هذا معناه عدم تمكنها من العودة مرة أخرى إلى وطنها. فهذه الفيزيائية تتابع الأخبار من مصادر موثوقة وهي حاضرة في الإعلام السويسري، شأنها في ذلك شأن السيدة بني هاشمي.
المهم بالنسبة لها بالدرجة الأولى هو أن تؤكد على أن هذه الثورة تدافع لأول مرة عن حقوق المرأة في وطنها. “ففي إيران لا يُنصت أحد لما نفعله هنا. لكننا نستطيع إيصال صوت المحتجِّين للعالم، وإظهار تضامنناً معهم”، كما تصرح ابنة الواحد والثلاثين عاماً.
ذلك لأنه لابد من أن نحول دون توقف العالم عن الانتباه لتلك الأحداث التي تقع في إيران. “فبمجرد أن يتوقف العالم عن الاهتمام بالشعب في إيران، سوف يُغلق النظام الحاكم الأبواب ويبدأ في قتل الناس”، على حد قولها.
تحرير: مارك لويتينيغر
ترجمة: هالة فـرّاج
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.