كيف يمكن تحقيق الديمقراطية في مصر؟
أطلق الرئيس الأمريكي وكبار المسؤولين في إدارته الجديدة سلسلة من التصريحات الرنانة حول ترسيخ الديمقراطية وتوسيع الحرية في ما يسمى بالشرق الأوسط الكبير.
في هذا السياق تبدو مسألة الممارسة الديمقراطية في مصر أكبر وأهم بلد عربي من الملفات الساخنة المطروحة للنقاش في واشنطن والقاهرة على حد السواء.
حرص الرئيس بوش في خطابه الأخير عن حالة الاتحاد على أن يكرر رسالة علنية سبق وبعث بها إلى النظام المصري في العام الماضي. وكان بوش قد قال أمام الصندوق القومي من أجل الديمقراطية:”إن مصر التي قادت التحول نحو السلام في الشرق الأوسط تستطيع الآن أن تظهر قدرتها على قيادة المنطقة نحو الديمقراطية”.
الرئيس بوش أضاف هذه المرة قوله:”إن الولايات المتحدة ستقف مع حلفاء الحرية لدعم التحركات نحو الديمقراطية في الشرق الأوسط لإنهاء الاستبداد في عالمنا”.
صحيح أنه استبعد استخدام القوة لتطبيق هدف نشر الحرية والديمقراطية أو فرض النموذج الأمريكي في الحكم الديمقراطي، إلا أنه لم يقدم تصورا واضحا للكيفية التي ينوي بها الخروج عن سياسة واشنطن التقليدية في مساندة الحكام الذين لم ينتخبهم أحد في العالم العربي مقابل ضمان الأمن والاستقرار وتعاون تلك الأنظمة مع الأهداف الأمريكية. إذن فكيف سيمكن لواشنطن أن تعزز عملية التحول الديمقراطي في مصر؟
سويس إنفو توجهت بهذا السؤال إلى السيد آدم إيرلي نائب المتحدث باسم الخارجية الأمريكية فقال: “إن مصر لها ظروفها الخاصة فهي تقبل التأثير والتشجيع بشكل لا يتوفر في حال دول أخرى، وهي دولة صديقة للولايات المتحدة ولها مصالح مشتركة معها من بينها السماح للشعب المصري أن تكون له كلمته في رسم مستقبله. وستدفع واشنطن في ذلك الاتجاه ولن تخجل من التأكيد عليه ولا يعني هذا أن القوات الأمريكية ستغزو مصر أو تجبر مصر على الأخذ بالديمقراطية تحت قوة السلاح، ولكن يعني هذا أن عملية التحول نحو الديمقراطية في مصر سيكون لها تأثير هام في المدى الذي يمكن أن تتقدم إليه العلاقات الثنائية بين القاهرة وواشنطن”.
وقد بدأت ملامح الضغط الخفيف تتضح في المؤتمر الصحفي المشترك لوزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس مع نظيرها المصري أحمد أبو الغيط في 15 فبراير في واشنطن حين أعربت علنا عن “القلق الشديد إزاء احتجاز السلطات المصرية للسيد أيمن نور”، عضو مجلس الشعب المصري وزعيم حزب الغد المعارض. وطالبت بحل سريع لهذه القضية موضحة أنها ناقشتها مطولا مع وزير الخارجية المصري، وذكرته بأن الحكومة المصرية “أمامها فرصة وعليها مسؤولية أن تقود عملية الإصلاح والتحول الديمقراطي في المنطقة”.
تساؤلات وتحذيرات حول موقف واشنطن
غير أن صحيفة “واشنطن بوست” تساءلت في تعليق لها ما إذا كان الرئيس بوش لا يتفق مع المتظاهرين المصريين الذين رفعوا شعار “كفاية” لحكم مبارك الذي استمر 24 سنة، والذي ينوي الاستمرار لست سنوات أخرى بعد أن أعلن الحزب الوطني الحاكم اعتزامه ترشيح مبارك لفترة رئاسية خامسة.
ومضت الصحيفة إلى القول: “إن إعادة ترشيح مبارك ليجري عليه استفتاء معروفة نتائجه مسبقا ودون منافسة من أحد ستكون ضربة خطيرة لمشروع بوش لتعزيز التحول نحو الديمقراطية في العالم العربي، وستثير التساؤلات عما إذا كانت الولايات المتحدة ستتخلى بالفعل عن سياسة التغاضي عن الحكم الاستبدادي والدكتاتوري في المنطقة مقابل التعاون من هؤلاء الحكام في تمرير السياسات الأمريكية في المنطقة”.
واتفقت صحيفة “نيويورك تايمز” مع “واشنطن بوست” في ذلك التحليل، وذهبت إلى القول: “إن ما يقوم به الرئيس مبارك كوسيط للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين يجب ألا يوفر له حصانة ضد انتقاد الولايات المتحدة له، سواء فيما يتعلق بتمديد حكمه الدكتاتوري أو بالتمهيد لعملية توريث الحكم لابنه جمال على طريقة الخلافة الفرعونية، ويجب أن تفيق واشنطن وتعي حقيقة الوضع المتفجر الذي يتصاعد تحت وطأة الحكم الاستبدادي في مصر” على حد قول الصحيفة.
الإصلاح بين الداخل والخارج
وفي ندوة نظمتها يوم 16 فبراير جمعية الصداقة المصرية الأمريكية في واشنطن التي يرأسها السفير نيكولاس فليوتس، المساعد السابق لوزير الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأدنى عن الإصلاح السياسي في مصر، طرحت سويس إنفو سؤالا على ضيفي الندوة البروفيسور ناثان براون، أستاذ العلوم السياسية والشؤون الدولية بجامعة “جورج واشنطن”، والبروفيسور سامر شحاته، أستاذ العلوم السياسية بجامعة “جورجتاون” يتعلق بدور الولايات المتحدة في دعم التحول نحو الديمقراطية في مصر في ظل رفع النظام المصري شعاري “المفروض مرفوض” وأن “الديمقراطية يجب أن تنبع من الداخل؟”.
الدكتور براون قال إنه رغم تأكيد الرئيس بوش على اعتزام الولايات المتحدة نشر الحرية والديمقراطية وإنهاء الاستبداد في الشرق الأوسط، فإن معظم المنادين بالإصلاح الديمقراطي داخل مصر لا يثقون في صدق نوايا الرئيس بوش، ولذلك يتعين على الإدارة الأمريكية ممارسة نوع من الضغط، وإبلاغ الحكومة المصرية بأنها ستدفع ثمنا ما إذا ما واصلت تقييد الانفتاح السياسي، ويجب ألا يتوقع أحد أن يحظى ذلك الضغط بترحيب المعارضة في مصر حيث أن أي تقارب بينها وبين الولايات المتحدة سرعان ما يتم تفسيره بالعمالة والتبعية للخارج.
أما البروفيسور سامر شحاته، فأعرب عن اعتقاده بأن السياسة الخارجية الأمريكية وليس الطنطنة بخطاب عن نشر الديمقراطية، كان لها تأثير إيجابي في تنشيط الوضع السياسي الداخلي في مصر خلال العامين الماضيين. فقد أدت المعارضة للسياسة الأمريكية إزاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ثم الغزو الأمريكي للعراق إلى توحيد العديد من الحركات السياسية المصرية وخلق نوع من التعبئة السياسية للضغط على النظام المصري لإدخال إصلاحات سياسية من أجل أن تكون للشعب المصري كلمته في السياسات الإقليمية.
واتفق الدكتور شحاتة مع الدكتور براون في أن المشاعر المعادية للولايات المتحدة على الصعيد الشعبي في مصر تحول دون تأييد أي ضغط من الرئيس بوش للتأثير من الخارج حتى من أجل تلبية المطلب الشعبي بالتحول نحو الديمقراطية، حيث يتم النظر إليه كمحاولة للتدخل في الشؤون الداخلية المصرية.
ودلل الدكتور شحاتة على ذلك بأن رئيس حزب التجمع الاشتراكي الدكتور رفعت السعيد، والدكتورة منى مكرم عبيد، عضو حزب الغد، سارعا إلى المطالبة بعدم تدخل واشنطن في قضية اعتقال أيمن نور خشية أن يسفر أي ضغط أمريكي عن تصوير زعيم حزب الغد بأنه عميل للولايات المتحدة.
رؤية مؤيدة للتدخل الخارجي
وكان من بين الحاضرين في ندوة الإصلاح السياسي في مصر التي أقيمت في واشنطن الدكتور سعد الدين إبراهيم، رئيس مركز بن خلدون وأحد الذين تجاسروا على ترشيح أنفسهم للرئاسة احتجاجا على الولاية السادسة للرئيس مبارك.
وقد أعرب الدكتور إبراهيم عن اختلافه التام مع منطق أنه ليس للخارج دور في إحداث التغيير والتحول الديمقراطي في مصر وقال: “إن الشعب المصري قد تجاوز مرحلة الخوف من الخطوط الحمراء وتجاوزها الكثيرون من المصلحين والنشطاء من أجل التحول الديمقراطي في مصر، مما يوفر قوة دفع متنامية من الداخل تمثلت أخيرا في لجنة الدفاع عن الديمقراطية والتي تواصل طرح مبادرات الإصلاح التي يرفضها النظام الحاكم في مصر. والأهم من ذلك هو الحركة الشعبية من أجل التغيير والتي عبرت عن نفسها بمظاهرة في الثاني عشر من ديسمبر الماضي تحت شعار” كفاية” لحكم الرئيس مبارك الذي استمر لمدة 24 سنة، مما يجعل فترة حكمه ثالث أطول فترة حكم لمصر منذ عهد رمسيس الثاني ثم حكم محمد علي. كما أن حركة الإخوان المسلمين التي حرمت من النشاط السياسي الحزبي طرحت في مارس الماضي تصورها للإصلاح السياسي المطلوب ولم تختلف مبادرة الحركة كثيرا عن الحركتين المعارضتين الأخريين. ثم إنه لم يحدث من قبل في مصر وفي ظل دستور لا يسمح بأكثر من مرشح واحد للرئاسة يتم عليه الاستفتاء بنعم أو لا، أن تجاسر ثلاثة مرشحين للتقدم بأنفسهم كبدائل للرئيس مبارك وتحدوا الرئيس أن يشرع في تغيير الدستور للسماح بانتخابات مباشرة يختار فيها الشعب بين أكثر من مرشح للرئاسة. كما أن النظام المصري يتلقى بليوني دولار كمساعدات من الولايات المتحدة وبليونين آخرين من الاتحاد الأوروبي، ولذلك يصبح بوسع كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي التوجه بمطالب ليعلن النظام المصري جدولا زمنيا للإصلاح حتى لا يسمح للنظام بالتسويف والمماطلة بحيث تأخرت حركة الإصلاح الديمقراطي بشكل جعل مصر تنظر بإعجاب إلى اعتراض شعب الطوغو على تمرير السلطة من الرئيس إلى ابنه”.
الأمل في الإصلاح
مع أن الرئيس المصري حسني مبارك صرح بأن أي مساس بالدستور سيؤثر على أمن واستقرار الوطن، وأن الدعوة إلى تغيير الدستور باطلة، وأن من يطالبون بالانتخاب الشعبي المباشر يتعين عليهم أن يدركوا أن الاستفتاء يستند إلى ترشيح للرئيس من ممثلي الشعب، فإن هناك تصورا أمريكيا يقوم على أساس أنه “إذا كان هناك من أوضاع تتعلق بالأمن القومي المصري تجعل من الصعوبة بمكان تعديل الدستور، فعلى الأقل يمكن السماح لكل مرشح للرئاسة في مصر بعرض برنامجه الانتخابي على مجلس الشعب”، وهو ما فعله مؤخرا رجل الأعمال المصري محمد فريد حسنين الذي أصبح أول مرشح للرئاسة يقدم برنامجه الانتخابي لمجلس الشعب.
وتقترح واشنطن أن تتم مناقشة برنامج كل مرشح للرئاسة في مصر على الهواء بحيث يتابعه الشعب المصري، ثم يتم إجراء سلسلة من الاستفتاءات على كل مرشح على حدة ليتم بعد ذلك اختيار المرشح الذي يحصل على أعلى نسبة في الاستفتاءات الجماهيرية التي يتعين أن يشرف عليها مراقبون دوليون.
كما تعتزم واشنطن أن تطلب من المسؤولين المصريين – في اللقاءات التي تتم مع المسؤولين الأمريكيين – شرح مبادرات الإصلاح الديمقراطي التي ينوي النظام المصري طرحها والإمكانيات الفعلية لتنفيذها، والسبل الكفيلة بإقناع الشعب المصري بأنها مبادرات حقيقية تستهدف بالفعل التحول بالنظام المصري نحو ممارسة ديمقراطية حقيقية.
“التغيير .. بالجماهير”
ويرى الدكتور ماهر الحمزاوي، كبير الباحثين في مؤسسة “كارنيجي للسلام الدولي”، أن الأمل الوحيد أمام التحول الديمقراطي في مصر يبدأ من تغيير الدستور الذي سمح بالخلط والمزج بين مؤسسات الحزب الحاكم ومؤسسات الدولة بشكل أفضى إلى حكم شمولي ضاعف من سطوته العمل بقانون الطوارئ، منذ أكثر من عشرين عاما بالإضافة إلى قانون تشكيل الأحزاب لعام 1977 الذي يحظر إقامة أحزاب تقوم على أساس ديني، وبذلك حُرم المسلمون المعتدلون الذين يشكلون أكبر تكتل للناخبين في مصر من المشاركة السياسية عن طريق العمل الحزبي. كما أن كثيرا من القوانين المنظمة لمؤسسات المجتمع المدني، مثل القانون رقم 84 لعام 2002، يحول دون ممارسة تلك المؤسسات لدورها المطلوب في إحداث التحول نحو الديمقراطية من خلال المجتمع المدني.
ولا يوجد حسبما يرى الدكتور الحمزاوي في مبادرات الإصلاح التي تطرحها الحكومة المصرية أو أوراق العمل التي طرحتها لجنة السياسات بالحزب الوطني الحاكم في مصر أي تغييرات حقيقية تبشر بالتحول نحو الديمقراطية أو الرغبة في إدخال تعديلات على دستور عام 1971.
ويخلص الدكتور ماهر الحمزاوي إلى القول: “يبدو أن السبيل الوحيد إلى إنهاء الركود الحالي في ما يتعلق بالتحول نحو الديمقراطية في مصر هو مواصلة تعبئة حشود أكبر من المطالبين داخل مصر بالإصلاح السياسي. ولكن المشكلة هي أن أحزاب المعارضة وزعماء حركة المجتمع المدني في مصر إما تم احتواؤهم للتعاون مع النظام أو تم تهميشهم، فيما تقمع الحكومة زعامات المسلمين المعتدلين الذين كان بوسعهم حشد أكبر تكتل من المواطنين المصريين. وليس من سمات الشعب المصري القيام بانتفاضات شعبية كتلك التي هبت على مصر في عام 1977”.
وقال الدكتور الحمزاوي إن لمصر وضعا جغرافيا سياسيا بالغ الأهمية يصعب معه تجاهل ما يحدث فيها أو الضغط عليها. ولعل الأمل في الإصلاح يتلخص في شعار طرحه السيد ضياء الدين داود، رئيس الحزب الناصري في مصر، حين قال “لا أمل في التغيير إلا بالجماهير”.
محمد ماضي – واشنطن
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.