“لا بد لنا من النظر إلى المستقبل”
أعلن رئيس جمهورية جنوب إفريقيا الذي أدى يوم الثلاثاء زيارة رسمية إلى سويسرا أنه يريد تركيز اهتمامه حول مستقبل بلاده.
وتركزت محادثات ثابو مبيكي مع عدد من أعضاء الحكومة الفدرالية على تنمية القارة الإفريقية وتعزيز العلاقات الإقتصادية بين برن وبريتوريا.
لم يكن من السهل أن تمر زيارة الرجل الذي خلف الزعيم نلسون مانديلا على رأس جمهورية جنوب إفريقيا في عام 1999 إلى العاصمة الفدرالية دون أن تثير ذكريات الأيام المريرة والعلاقات المريبة بين سويسرا ونظام الميز العنصري.
لكن أولويات الرئيس ثابو مبيكي، وعلى غرار القيادات السياسية لحزب المؤتمر الوطني الإفريقي الذي قاد النضال ضد نظام الأقلية البيضاء لعشرات السنين، لم تتطابق مع تكهنات بعض وسائل الإعلام التي بالغت في التركيز على مآل الشكاوى الجماعية المرفوعة من جانب محامين أمريكيين ضد العديد من الشركات السويسرية التي ظلت مُصرة على مواصلة التعامل مع نظام بريتوريا العنصري على الرغم من قرارات المقاطعة الدولية الواضحة.
فبعد محادثات أجراها مع الرئيس باسكال كوشبان ووزيرة الخارجية ميشلين كالمي-راي ووزير الإقتصاد جوزيف دايس، وقّع رئيس جمهورية جنوب إفريقيا في برن على “إعلان نوايا مشترك” لتطوير التعاون الثنائي في المجالات المرتبطة بالقطاع الخاص وبتسهيل التجارة الإقليمية.
لذلك لم يكن مُستغربا أن يصرح الرئيس مبيكي في أعقاب اجتماعاته في العاصمة الفدرالية “إن على جنوب إفريقيا رفع العديد من التحديات وحلّ العديد من المشاكل مثل مكافحة الفقر ومرض الإيدز. لا بد لنا من النظر إلى المستقبل”.
قد يحتمل البعض أن يكون التركيز على “المستقبل” مُجرد أسلوب دبلوماسي لتجنب إحراج المضيفين السويسريين، لكن طبيعة العلاقات القائمة اليوم بين البلدين وأجوبة الرئيس مبيكي عن استيضاحات الإعلاميين حملت في طياتها تفسيرات مقنعة.
رفض لأي تدخل!
فمن جهة، ذكّـر ثابو مبيكي بأن “لجنة الحقيقة والمُـصالحة” التي أنشئت في أعقاب سقوط نظام الميز العنصري في جنوب إفريقيا قد اشتغلت على تاريخ تلك الحقبة وعلى ملف العلاقات التي كانت قائمة بين بريتوريا وبرن وضمّـنت توصيات مفصّـلة بهذا الخصوص في تقريرها النهائي الذي نشرته أخيرا.
وأكد مبيكي أن برلمان بلاده سوف يُناقش قريبا توصيات اللجنة حول مسألة التعويضات وأشار إلى أن “الحكومة سوف تأخذها بعين الإعتبار”.
في المقابل، حرص على التذكير بأن حكومة جنوب إفريقيا لا تدعم الشكاوى الجماعية المرفوعة من طرف ضحايا نظام الميز العنصري وأوضح بالمناسبة أن عددا من الشركات والمؤسسات المتهمة بدعم نظام الأبارتايد السابق تساعد اليوم على تنمية جنوب إفريقيا.
وأشار ثابو مبيكي إلى أن بلاده تُـفضّـل التحاور مباشرة مع البلدان أو المجموعات الشاكية المعنية وقال: “إن تسوية مشاكلنا وخاصة ما يتعلق بمسألة التعويضات ليست من مشمولات المحاكم الأمريكية”.
يُشار في هذا السياق إلى أن عددا من الشكاوى الجماعية المرفوعة من طرف ضحايا نظام الميز العنصري معروضة على المحاكم في سويسرا، وهي قضايا يُدافع فيها محاميان أمريكيان شهيران (أد فاغان وميكائيل هاوسفيلد) بشكل منفصل.
وتستهدف الشكاوى المرفوعة عددا من المصارف والشركات المتعددة الجنسيات من ضمنها تسع في سويسرا وهي: مصرف UBS ومصرف كريدي سويس وشركات نوفارتيس ونيستلي وشندلر وهولسيم وأوناكسيس وسولتسر و أو أم أس للكيمياء.
مصالح اقتصادية
لكن التنمية الإقتصادية كانت المحور الأساسي لزيارة رئيس أهم شريك تجاري لسويسرا في القارة الإفريقية.
إذ تنشط في جنوب إفريقيا مائة شركة سويسرية توفر مواطن عمل لحوالي 22 ألف شخص. كما تتخذ العديد من الشركات السويسرية الكبرى المتعددة الجنسيات من البلد الواقع في أقصى جنوب القارة السمراء قاعدة انطلاق لأنشطتها في بلدان ومناطق أخرى في إفريقيا.
وفي عام 2002 بلغ حجم المبادلات التجارية بين البلدين مليارا من الفرنكات، ومنذ نهاية نظام الأبارتايد زادت الإستثمارات السويسرية الخاصة في جنوب إفريقيا عن 770 مليون فرنك فيما ارتفعت قيمة مساهمة الكنفدرالية (في شكل مساعدات تنموية ومساهمات في تعزيز الإنتقال إلى الديمقراطية) إلى 150 مليون فرنك.
قمة بربع ساعة!
أخيرا، تجدر الإشارة إلى أن المحادثات الرسمية بين البلدين شملت “أشكال التعاون الجديدة” بين البلدين وقضايا الإهتمام المشترك في مجال السياسة الدولية. كما تم التطرق في هذا السياق إلى التطورات الأخيرة في منطقة البُحيرات الكبرى.
وفيما نفى الرئيس ثابو مبيكي تقديم أي طلب محدد إلى سويسرا بشأن الوضع القائم في جمهورية الكونغو الديمقراطية، امتدح الرئيس باسكال كوشبان دور “عامل الإستقرار” الذي تلعبه جنوب إفريقيا في القارة الإفريقية ونوّه بانخراط ضيفه في إطار الشراكة الجديدة من أجل تنمية إفريقيا المعروفة باسم “نيباد” (NEPAD).
كما تطرق الرئيسان في لقاء على انفراد لم يستمر أكثر من ربع ساعة إلى موضوع الهوة الرقمية المتنامية بين الشمال والجنوب وإلى القمة الدولية حول مجتمع المعلومات التي ستنضم في موفى هذه السنة في جنيف حيث أكد الرئيس مبيكي مُشاركة جنوب إفريقيا فيها.
كمال الضيف – سويس إنفو
تناهز قيمة المبادلات التجارية السنوية بين سويسرا وجنوب إفريقيا مليار فرنك
قدمت سويسرا 150 مليون فرنك من أجل دعم الإنتقال الديمقراطي في جنوب إفريقيا
تُشغل مائة مؤسسة سويسرية 22 ألف شخص في جنوب إفريقيا
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.