“لا مُستقبل إلا وراء أسوار سبتة ومليلية”؟!
تجددت فجر الإثنين محاولات المهاجرين الأفارقة لاختراق الحدود بين مدينة سبتة والأراضي المغربية مخلفة عددا من الجرحى.
وكان 5 أفارقة قد لقوا حتفهم الأسبوع الماضي بعد أيام من مقُتل عدد مماثل منهم على أسوار مدينة مليلية في عملية اقتحام جماعي لأسوار أوروبا التي تجسد لهم الفرق بين الحياة والموت، بين الكرامة والإهانة، بين رغد العيش والجوع.
بغض النظر أن الرصاص كان مغربيا أو اسبانيا، فإن خمسة أفارقة على السور السلكي الفاصل بين مدينة سبتة وبقية الأراضي المغربية، دفعوا ثمن الجوع والفقر في بلادهم وأولوية الأمن بالنسبة للقارة الأوروبية ورغبة المقايضة لدى الحكومة المغربية.
وبالنسبة لأفارقة جنوب الصحراء، كغيرهم من مواطني دول العالم الثالث، فإن القارة الأوروبية، التي لا يفصلها عنهم جغرافيا سوى 12 كلم، هي الجنة التي قرأوها في كتبهم المقدسة، امن وأمان وضمانات المستقبل لهم ولأهلهم وأيضا لعائلاتهم، لكن الوصول إلى هذه الجنة محفوف بالمخاطر.
آلاف الكيلومترات يقطعها المهاجر الإفريقي، بالسيارات أو مشيا على الأقدام، للوصول إلى شمال المغرب حيث أقرب نقطة إلى البر الأوروبي. ينتظر أياما وليالي في الغابات الكثيفة في المنطقة، بانتظار الوقت المناسب لركوب قارب متهالك يعبر به مضيق جبل طارق يصل به أو لا يصل إلى يابسة الضفة الشمالية للبحر المتوسط، أو فرصة للتسلل إلى مدينة سبتة شمال غرب المغرب أو مدينة مليلية شمال شرقه حيث أوروبا السياسية وإن كانت ليست الجغرافية.
ميزة الوصول إلى سبتة أو مليلية
مدينتا سبتة ومليليةهما جزء من البر الإفريقي المغربي، وتحتلهما اسبانيا منذ أكثر من خمسة قرون، وترفض التفاوض حول إعادتها للمغرب. واعتبرت السيادة الاسبانية عليهما إحدى شروط تخلي العسكر الإسبان عن السلطة وإنهاء عهد الجنرال فرانكو.
ويعلم المهاجرون السريون غير المغاربة الذين يختارون الوصول لسبتة ومليلية، أن اتفاقية التعاون الأمني بين المغرب وإسبانيا لا تلزم المغرب استقبال المهاجر السري. ويعود تـمسك المغرب بهذا الشرط أثناء توقيع الاتفاق لإدراكه أن جل مواطني دول غرب إفريقيا جنوب الصحراء يدخلون المغرب بدون تأشيرة دخول وبالتالي يصعب ضبط كل إفريقي يدخله.
ووفقا هذا الشرط، يضمن المهاجر السري الإفريقي، في حال وصوله لسبتة أو مليلية، حدا أدنى من حقوق اللاجئين الإنسانية، من بينها عدم الطرد وضمان الأكل والمأوى والأمان، بانتظار تسوية وضعيته.
مسيرة محفوفة بالمخاطر ومثيرة للانزعاج
فالمدينتان تقعان تحت السيادة الاسبانية. ولئن كانتا لا تعتبران جزءا من الفضاء الأوروبي، فإن الحكومات الإٍسبانية حرصت على تطبيق ما يتعلق بالجوانب الإنسانية فيهما لترسخ انتماء المدينتين للقارة الأوروبية، سياسيا واجتماعيا على الأقل في الوقت الذي منحتهما وضعية خاصة وأخضعت الانتقال منهما إلى البر الاسباني – وان كان لا يحتاج إلى تأشيرة- لإجراءات أمنية متشددة.
ويصل المهاجرون الأفارقة للمغرب إما بطريقة شرعية عبر المطارات، أو بصورة غير شرعية تسللا عبر الحدود الجزائرية المغربية أو الموريتانية المغربية لمن لا يستطيع تحمل نفقات تذكرة الطائرة من جهة، ومن جهة أخرى ضمان عدم المتابعة من قبل الشرطة المغربية.
ويتجمع المئات من المهاجرين الأفارقة بواسطة شبكات تهريب منظمة في أماكن قريبة من سبتة ومليلية، في غابات أو كهوف، أو الموانئ السرية التي تنطلق منها الزوارق. وتمتد فترة الانتظار أياما وأسابيع، وهو ما أثار انزعاج فئات مجتمعية مغربية بعد تفشي ظواهر سلبية ناتجة عن وجود هؤلاء، حتى أن هنالك من أطلق عليهم صفة “الجراد الأسود”. في الوقت الذي غابت فيه منظمات المجتمع المدني في الضفتين عن الوضعية المأساوية التي يعيشها المهاجرون الأفارقة.
الاقتحام الإنتحاري
في الأسابيع الماضية، تكثفت حركة المهاجرين السريين الأفارقة، لان غروب فصل الصيف على الأبواب وصعوبات الإبحار سرا باتجاه الشمال تتزايد، والإقامة في الغابات والكهوف تصبح غير محتملة. ومن دفع “كل ثروته” من أجل لحظة العبور نحو الجنة الأوروبية لا يحتمل مجرد التفكير بالعودة إلى وطنه، الذي هرب منه، فاشلا وخالي الوفاض، لذلك كان خيار الاقتحام الانتحاري.
بعد مدينة مليلية، تجمع أكثر من خمسمائة مهاجر إفريقي على الأسلاك الفاصلة بين مدينة سبتة وبقية الأراضي المغربية. ومثلما كان الجنود في العصور القديمة يقتحمون القلاع، ألقى المهاجرون سلاليمهم المجهزة من الأشجار على السور السلكي وبدأوا بالصعود … وتلقي الرصاص القادم من الجانب المغربي والجانب الاسباني.
كانت الحصيلة الأولية خمسة قتلى وعشرات الجرحى، وكل من مدريد والرباط تقول إن الرصاص القاتل أتى من الجانب الآخر، بينما صدرت دعوات هنا أو هناك لتشكيل لجنة تحقيق دولية لتحديد المسؤولية.
أحداث محرجة للرباط ومدريد
أحداث مدينة سبتة كانت محرجة للمسؤولين المغاربة والإسبان الذين كانوا يلتقون في القمة السابعة المغربية الاسبانية في اشبيلية التي سمع فيها أصوات الرصاص المنطلق وانين الأفارقة الجرحى.
واتخذت إجراءات أمنية على الجانبين الاسباني والمغربي، واحشدت القوات العسكرية بعد أن أكد المهاجرون السريون الأفارقة أن الضحايا الذين سقطوا والدم الذي سال لن يثنيهم عن الاستمرار في محاولة الاقتحام الانتحاري.
مدريد والرباط تدركان أن هذه الإجراءات ليست وحدها كفيلة للحد من الانعكاسات السلبية للظاهرة، إذ أعلنتا أنهما تدفعان ثمن الاضطراب والجوع والعوز في دول إفريقيا جنوب الصحراء ودعتا دول الإقليم والدول الأوربية للمساهمة في تطويق ومحاصرة الزحف الإفريقي القادم.
محمود معروف – الرباط
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.