مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

لا نهوض بالاقتصاد الفلسطيني دون حل سياسي مع اسرائيل

الحصار الاسرائيلي كان من بين الاسباب التي ادت الى اختناق الاقتصاد الفلسطيني واعاقة نموه Keystone

توصلت دراسة انجزها مؤتمرالامم المتحدة للتجارة والتنمية، نشرت الجمعة في جنيف الى انه لا يمكن انجاز أي خطة تنموية ناجعة في الاراضي الفلسطينية دون التوصل الى حل سياسي دائم في المنطقة.

كان من المفترض ان تسمح الفترة الانتقالية التي نصت عليها اتفاقيات اوسلو بين اسرائيل والسلطة الوطنية الفلسطينية، بوضع اللبنات الاولى للبنية الاقتصادية الفلسطينية، لكن نتائج دراسة اعدها مؤتمر الامم المتحدة للتجارة والتنمية “اونكتاد”، اكدت بما لا يدع مجالا للشك، انه لا يمكن الفصل بين التنمية الاقتصادية والحل السياسي للقضية الفلسطينية.

وإذا كان البعض توقع ان تكون الفترة الانتقالية مرحلة إعمار ونمو في العلاقات الفلسطينية الإسرائيلية، كما جاء في بروتوكول الاتفاق الثنائي لعام الف وتسع مائة واربعة وتسعين، الا ان ذلك، وان كان صحيحا بشكل جزئي، لم يتحقق بسبب تأزم الأوضاع وتجمد عملية السلام.

عمليات اغلاق الحدود بين إسرائيل وأراضي السلطة الفلسطينية لعبت دورا كبيرا في تدهور الاقتصاد الفلسطيني، كما أن استمرار عمليات الاستيطان اليهودي، أدى إلى تعميق اجواء عدم الثقة حسب دراسة الأونكتاد.

النقائص التي يعاني منها الاقتصاد الفلسطيني كثيرة ومتنوعة، لكن المراهنة على تطوير الارتباط الاقتصادي والتجاري بين الفلسطينيين والدولة العبرية في ظل استمرار غياب الحل السياسي، باءت بالفشل، حيث اثبتت الاحداث ان أي خلاف سياسي كان يؤدي الى إحباط أي تقدم بسيط ينجز في المجال الاقتصادي.

بل ان واضعي التقرير اعتبروا أن هذا الوضع ادى بصورة غير مباشرة الى ارجاء النظر في حسم قضية السيادة، وهو ما فسح المجال امام توسع الاستيطان اليهودي في الاراضي الفلسطينية.

ولذا، فان قيام سلطة الحكم الذاتي الفلسطيني بدون سيادة، أدى إلى عدم تجانس بين السلطات المفترضة والمسؤوليات الفعلية، وهو تناقض يواجه أي مستثمر يحتاج الحصول على ترخيص السلطات الفلسطينية للبدء في العمل، وعلى موافقة السلطات الاسرائيلية لاستيراد التجهيزات والقوى العاملة من الخارج.

نفس هذه العراقيل يواجهها المصدرون، وهو ما دفع الكثيرين الى عدم الإقدام على خوض مغامرة الاستثمار او إبرام الصفقات مع الفلسطينيين، على الرغم من التسهيلات الكبيرة المقدمة من طرف السلطة.

ولتجاوز هذه الاشكاليات، تقترح دراسة الاونكتاد العمل على تفادي نقاط القصور التي برزت خلال الفترة الانتقالية والتوصل عبر المفاوضات إلى حل يمنح السلطة الفلسطينية بوضوح السيادة اللازمة على الأرض والمياه والحدود.

لكن التقرير انتقد أيضا الطريقة التي طورت بها السلطة الفلسطينية بنيتها الاقتصادية، واداء السلطة القضائية داعيا في نفس الوقت الى تطوير سيادة القانون والحد من البيروقراطية المتنامية في القطاع الحكومي.

اختلال الميزان التجاري الفلسطيني، اثار انتباه معيدي الدراسة الذين لم يفتهم ان الاستثمار والاستهلاك المحلي الفلسطيني تضاعف منذ عام أربعة وتسعين بمقدار مرة ونصف مقارنة مع حجم الإنتاج المحلي.

هذا العجز الخطير حاول الفلسطينيون تفاديه باللجوء إلى الاستيراد وبالحصول على تغطية مالية من الدول المانحة، لكن وبما أن مصادر التمويل ليست مضمونة باستمرار، فإن ذلك ادى من حين لآخر إلى تعريض الاقتصادي الفلسطيني إلى أزمات خانقة.

الارتباط الوثيق بين الاقتصادين الفلسطيني والإسرائيلي، يعد من العوامل التي افقدت المنتجات الفلسطينية القدرة على المنافسة في الأسواق المجاورة. فارتفاع الأجور والإجراءات المفروضة على استيراد المواد الاولية ونصف المصنعة للصناعة الفلسطينية تجعل أسعار البضائع الفلسطينية بعد التحويل عالية مقارنة مع المنتجات الأردنية مثلا، وهذا ينطبق بالدرجة الأولى على المنسوجات والملابس.

ومن التصرفات التي استغرب منها تقرير الاونكتاد، استمرار منح الاحتكارات للمقربين من السلطة الفلسطينية في بعض القطاعات، مثل الاتصالات السلكية واللاسلكية والإسمنت والبنزين، وهو ما أدى إلى إبقاء الأسعار مرتفعة. وعلى الرغم من تعهد الفلسطينيين في عام الفين باتخاذ إجراءات للحد من مثل هذه التصرفات، الا ان شيئا لم يتم عمليا لحد الآن.

في الميدان النقدي يرى التقرير أن الاقتصاد الفلسطيني يعاني من اعتماده على الشيكل الإسرائيلي والدينار الأردني، وهو ما يجعله يخضع لسياسة نقدية تحدد في تل ابيب وفي عمان، نظرا لعدم قدرة السلطة الفلسطينية في الوقت الحالي على صك عملة وطنية خاصة بها.

فالاقتصاد الفلسطيني يعاني من أية صدمة تتعرض لها العملتان بدون قدرة المسؤولين في السلطة على اتخاذ اية إجراءات تصحيحية. وهو وضع دفع المودعين والمتعاملين إلى الاعتماد بشكل كبير على العملة الأمريكية.

وفيما يتعلق بالمستقبل، ينصح مؤتمر الامم المتحدة للتجارة والتنمية، بضرورة انفتاح الاقتصاد الفلسطيني على الأسواق الإقليمية وأن يعمل على اكتساب المزيد من القطاعات التكنولوجية وان يتجنب الدخول في بناء منطقة للتبادل التجاري الحر في الوقت الحاضر مع إسرائيل، خصوصا إذا كانت اليد العاملة الفلسطينية مستثناة من الاستفادة من هذا الاتفاق.

يبقى في الاخير ان هذه الدراسة، وعلى الرغم من اهميتها، الا انها تصدر في ظروف خانقة يمر بها الاقتصاد الفلسطيني واجواء من الحصار والمواجهة لم تعد تسمح بالتفكير في المستقبل البعيد بل تفرض على السلطة الفلسطينية التفكير في تلبية الحاجيات الاساسية للسكان الذين بدؤوا يعانون من الجوع والبطالة في ظل استمرار الانتفاضة.


محمد شريف – جنيف

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية