لجنة “جمال مبارك”…”حكومة ظل”
يؤكد عدد من الخبراء والمحللين السياسيين أن السيد جمال مبارك هو الرئيس الفعلي للحكومة المصرية.
وذلك من خلال الصلاحيات الممنوحة لكل من “لجنة السياسات”، والمجلس الأعلى للسياسات” اللذين يرأسهما.
على الرغم من أن السيد جمال مبارك، نجل الرئيس المصري حسني مبارك، لا يشغل أي منصب تنفيذي في الحكومة الحالية، ولا يتولى أي سلطة ظاهرة، غير أن الخبراء والمحللين يعتقدون أنه يلعب دورا متناميا عبر “لجنة السياسات” التي يترأسها داخل الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم، والتي تتولى “رسم السياسات” للحزب الحاكم، و”مراجعة مشروعات القوانين” التي تقترحها حكومة الحزب قبل إحالتها لمجلس الشعب (أحد غرفتي البرلمان)، وهو ما يجعلها تلعب دور “حكومة الظل”، أو “الحكومة الخفية”، وذلك كمقدمة لتصعيد جمال كخليفة لوالده، رغم نفيهما المتكرر السعي لذلك.
ويؤكد عدد من الخبراء والمحللين السياسيين أن السيد جمال مبارك هو الرئيس الفعلي للحكومة، وذلك من خلال الصلاحيات الممنوحة له، مشيرين إلى أن الرئيس حسني مبارك في الفترة الخامسة لرئاسته سيسعى بكل ما أوتي من خبرة وسلطة أن يجهز نجله الأصغر جمال، خلال الـ 6 سنوات القادمة، لتولي مقاليد السلطة، فيما يشبه “البروفة الأخيرة”.
ويُعتقد أن تعديل المادة 76 على النحو الذي تم به لم ينجح إلا في شيء واحد، وهو تثبيت الاعتقاد بأنه تم لغرض واحد، وهو فتح الطريق أمام تنصيب جمال مبارك رئيسا للدولة في التوقيت المناسب، وبطريقة تبدو شرعية، شكلا وقانونا. ففي حكومة الدكتور أحمد نظيف التي تقلّدت الأمور بالبلاد منذ عام تقريبا، يرتبط معظم الوزراء الـ 14 الجدد بجمال مبارك، فضلا عن أن بينهم 3 على الأقل من المقربين له.
وكان السيد صفوت الشريف، الأمين العام الحالي للحزب الحاكم، ورئيس مجلس الشورى، قد وصف “أمانة السياسات” التي استحدثت خصيصا ليتولاها السيد جمال مبارك، بأنها “القلب النابض للحزب، وأداة الفكر الجديد”، عندما كان وزيرا للإعلام المصري يوم 18 سبتمبر 2002، وذلك في إشارة واضحة إلى الدور الذي ستقوم به هذه اللجنة في صياغة مستقبل مصر.
وفيما يقول أنصار جمال مبارك إنه “ضخّ دما جديدا” في الحزب الوطني الحاكم، وطعمه بعدد من الاقتصاديين والتجّار، ورجال الأعمال من الشباب الذين تلقّـوا تعليمهم في الغرب، يرى معارضوه أن استمرار “الحرس القديم” في السلطة والنفوذ، دليل على أن ما يحدث ليس إلا “عملية تجميل” لوجه الحزب القبيح الذي أعيته السنين الطويلة والوضع الاقتصادي المتردي.
مبارك لم يعد من العلاج!!
اللّـواء أركان حرب دكتور زكريا حسين، المدير الأسبق لأكاديمية ناصر العسكرية العليا و أستاذ العلوم الإستراتيجية بجامعة الإسكندرية، يقول إن الرئيس حسني مبارك يفوَّض نجله الأصغر جمال في كثير من الأمور، ويمنحه العديد من الصلاحيات، في محاولة واضحة لتجهيزه لخلافته، مشيرا إلى أن هذه الصلاحيات بدأت تزداد منذ رحلة العلاج التي بدأها مبارك، والتي لم يعد منها حتى الآن.
ويضيف اللواء زكريا في تصريحات خاصة لـسويس إنفو أن “أمانة السياسات بالحزب الوطني الديمقراطي (الحاكم) هي لجنة تم استحداثها خصيصا للسيد جمال مبارك منذ عامين فقط، وقد ظهر منذ البداية أن هذه اللجنة هي المنوط بها إدارة شؤون البلاد، وذلك من خلال منحها صلاحية “رسم السياسات” للحكومة، و”مراجعة مشروعات القوانين” التي ستقترحها حكومة الحزب قبل إحالتها إلى البرلمان”، موضحا أن “صفوت الشريف، رئيس مجلس الشورى، الأمين العام للحزب، يسخر كل إمكانات الحزب لدعم موقف جمال”.
ويوضّح اللواء زكريا أن “ما يتم منذ 3 سنوات، وبهدوء شديد هو عملية استبدال وإحلال لرجال مبارك الابن مكان رجال مبارك الأب، وباختصار شديد، فإن السنوات الست القادمة ستكون بمثابة تمهيد لحكم جمال، فلم يعد خافيا على ذي عينين أن البديل الذي يتم تجهيزه وتحضيره لحكم مصر هو جمال مبارك”.
ويشير اللواء زكريا إلى أن “كل التعديلات التشريعية التي تمّـت بدءا من تعديل المادة 76، ومرورا بقانون مجلس الشعب، ومباشرة الحقوق السياسية، وقانون رئاسة الجمهورية، حدثت لهذا الغرض، بحيث يكون مرشح الحزب الوطني الديمقراطي هو المرشح الوحيد الذي تنطبق عليه شروط الترشح للرئاسة، حيث لابد من الحصول على 250 صوتا من المجالس التشريعية والمحلية التي يُـسيطر عليها في الواقع الحزب الوطني، وبهذا، فلن يتمكّـن أي مرشح آخر من الحصول على النسبة المطلوبة من التزكيات إلا مرشح الحزب الوطني”.
ويبيّـن اللواء زكريا، أن الهدف الأول والأخير من التعديلات التي تمت في المادة 76 هو إلغاء الجملة التي كانت تعطي نائب رئيس الجمهورية حق الرئاسة بعد وفاة الرئيس، والتي بموجبها تسلم مبارك مقاليد الحكم في عام 1981 بعد اغتيال سلفه الرئيس السادات.
وأوضح زكريا أن الرئيس مبارك اكتسب خبرة ربع قرن من الحكم، مكّـنته من أن يحكُـم السيطرة على مقاليد الأمور والتخطيط الجيد للمستقبل، وأن النظام مازال قويا لأنه يملك الأمن المركزي (500 ألف عسكري)، والقيادات العسكرية التي تدين بالولاء للرئيس مبارك، الذي كفل له الدستور صلاحيات بلا حدود، مشيرا إلى هناك مخطط لإفقار مصر من الصف الثاني للقيادات، ف”كلما برز نجم أحد الساسة أو العسكر يتم إزاحته من الطريق فورا”، وأوضح مثال على ذلك المشير عبد الحليم أبو غزالة، والدكتور كمال الجنزوري، والسيد عمرو موسى، فبمجرد أن بدأ الإعلام يتكلم عنهم ويبرزهم استبعدهم النظام فورا.
الملف الاقتصادي
ويتّـفق الباحث السياسي ضياء رشوان، الخبير بمركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام، مع اللواء زكريا حسين، في اتساع نفوذ لجنة السياسات، ويضيف أنه فيما يتعلق ب “الملف الاقتصادي أو السياسة الاقتصادية، فالحقيقة أنهم مطلقو السراح في هذا الملف، بل هو المجال النوعي الرئيسي لهم، ولذلك، تجد “رجال جمال” أو الحرس الجديد في الحزب الوطني الديمقراطي،(…) وخلال العام الذي مضى من عمر حكومة نظيف، تم تدعيم فكرة الخصخصة، وتعويم الجنيه”.
ويقول رشوان في تصريحات خاصة لـسويس إنفو “أما في الملف السياسي العام، فقد ظهر تأثيرهم في التغييرات والتشريعات، مثل “قانون رئاسة الجمهورية”، و”قانون مباشرة الحقوق السياسية”، و”قانون مجلس الشعب”، وغيرها..، غير أنه لا يوجد اختلاف نوعي بين “الحرس القديم” وهم رجال “مبارك الأب” وبين “الحرس الجديد” وهم رجال “مبارك الابن”، ربما هناك “اختلاف كمي”، أما الاختلاف الكيفي أو النوعي فلا يوجد، وإن وجد فهو غير ملموس”.
ويشير رشوان إلى أن لجنة السياسات أو المجلس الأعلى للسياسات ليس لهم تأثير يُـذكر في ملف السياسة الخارجية لمصر، وإن كان لم ينف وجود مجموعة بلجنة السياسات لهم ارتباطات بأمريكا، ولكنهم ليسوا من صنّاع السياسة الخارجية، وإن كانوا يمارسون نوعا من الضغط على السياسة الخارجية لتحسين علاقاتها مع أمريكا وإسرائيل وقطاع من العالم العربي، فكل ما يقومون به هو محاولة إقناع الدولة وصناع القرار أنه من الأفضل لمصر أن تحسن علاقاتها مع أمريكا، وأقصى ما يمكن أن يقوموا به هو نقل وتوصيل الرسائل بين مصر وأمريكا. أما بخصوص السياسة الداخلية والأمنية وكل ما يتعلق بالأحزاب والقوى السياسية والإخوان المسلمين، فهو ليس ملفهم، بل هو ملف مسلم للأمن.
ويرى رشوان أن ترشيحات الحزب الوطني للانتخابات البرلمانية المقررة في نوفمبر 2005، ستظهر ما إذا كان “الحرس الجديد” يسيطرون على مقاليد الأمور أم لا، وإن كان الواضح أنهم وضعوا أيديهم بقوة، وقد اتخذ الحزب قراراً بتوسيع تشكيل المجمع الإنتخابي، بحيث يؤخذ أصواته ثم يرفع التقرير للقيادة.
وإن كان رشوان قد أخذ على “رجال جمال أنهم لم يقاتلوا من أجل تعديلات حقيقية، وظهرت الحقيقة أنه لا يوجد “فكر جديد” كما يدعي الحزب الوطني الذي أصبح يرفع – هو الآخر– شعارات لا أساس لها”.
حكومة ظل بالمفهوم المصري
ويضم الدكتور عبد الله الأشعل، أستاذ القانون الدولي ومساعد وزير الخارجية المصري السابق، صوته إلى صوت اللواء زكريا والمحلل السياسي ضياء رشوان في القول بنمو نفوذ لجنة السياسات داخل الحزب الوطني، بل إن نفوذها امتد إلى الحكومة القائمة.
ويقول الدكتور الأشعل “هي بالفعل حكومة ظل، بل هي العقل المفكر للحكومة The Think Tank ” ، لافتاً إلى أنها “حكومة ظل بالمفهوم المصري، وليس بالمفهوم البريطاني. ففي بريطانيا حكومة الظل هي حكومة المعارضة، أما في مصر فإن المعادلة هي أن لجنة السياسات + المجلس الأعلى للسياسات = الحكومة الفعلية”، وأعتبر أن لجنة السياسات هي “مخزن الوزراء، ففي الفترة القادمة لن يأتي وزيرا للحكم، إلا إذا كان عضوا في لجنة السياسات”.
وأعرب عن أسفه لما وصفه بـ “استئناس المثقفين”، على اعتبار أن “على المثقف دور كبير في توجيه المجتمع، غير أن الكارثة تقع عندما يستأنس المثقف، ويوضع حول رأسه حبل مقابل إغرائه بعرض زائل من الدنيا مال أو جاه أو منصب”.
ويتعجب الأشعل في حديثه الخاص مع سويس إنفو من أولئك الذين ينكرون سيطرة رجال جمال مبارك على الحكومة، قائلا “أليس رئيس الحكومة المصرية الحالي، الدكتور أحمد نظيف، أحد أعضاء لجنة السياسات التي يرأسها جمال مبارك؟!”.
ويأخذ الأشعل على رجال أبن الرئيس حسني مبارك أنهم عندما نزلوا للملعب السياسي، وتولوا بعض الوزارات في حكومة نظيف، لم يقدموا شيئا جديدا، معتبرا أن المجلس الأعلى للسياسات لا أثر له في الإصلاح. “فالفساد كما هو، والبطالة كما هي، وسعر الجنيه بالنسبة للعملات العالمية كما هو، والخدمات تتدهور يوما بعد يوم”، ويضيف “الحكومة الذكية لا تصلح لنا، نحن بحاجة إلى حكومة غبية”، فهناك داخل النظام “فكر واحد، وتوافق على شيء واحد، هو السيطرة، فهم متفقون على إتباع “سياسة مافياوية”.
وإذا كان كلا من مبارك الأب والابن ينكران وجود أي نية أو مساع لتوريث أو نقل السلطة إلى جمال النجل، وإذا كانت المعارضة بكل فصائلها الفكرية تقسم بأغلظ الأيمان أن الإعداد لتولي جمال مقاليد السلطة في البلاد عام 2011 يجري على قدم وساق، ويستدلون بنفوذ لجنة السياسات، بل ويعتبرونها (حكومة ظل)، فإن السنوات القليلة القادمة في مصر حبلى بالأحداث التي ستُـثبت صدق هذا أو كذبه.. وحتى يتضح الأمر، دعنا نراقب الأحداث من مدرج المتفرجين…
همام سرحان – القاهرة
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.