لماذا يُعتَبَر برامج أبحاث “هورايزون أوروبا” بالغ الأهمية بالنسبة لسويسرا والاتحاد الأوروبي؟
تم استبعاد سويسرا من برنامج "أفق أوروبا" (Horizon Europe)، أكبر برنامج للبحث والابتكار في العالم حتى إشعار آخر. وبِحَسب إيف فلوكيغر، رئيس جامعة جنيف، ورئيس مؤتمر عُمداء المعاهد التقنية العليا والمدارس العليا في سويسرا، يمثل هذا الإجراء ضربةً كبيرة للمشهد البَحثي في سويسرا.
برنامج “هورايزن أوروبارابط خارجي” (أو أفق أوروبا) هو البرنامج الإطاري التاسع للاتحاد الأوروبي للبحوث والابتكار الذي يغطي الأعوام 2021 – 2027. وهو يَخلف برنامج “هورايزن 2020”. وبميزانية سنوية قدرها 95,5 مليار يورو (103,2 مليار فرنك)، يُعدّ “أفق أوروبا” أكبر برنامج لتمويل الابحاث والابتكار في العالم.
كدولة مُنفتحة على مجالَي البَحث والابتكار، تُساهم سويسرا في تَمَيُّز منطقة الأبحاث الأوروبية (تُعرف اختصارا بـ ERA). والكنفدرلية هي عضو مُؤسِّس في وكالة الفضاء الأوروبيةرابط خارجي، وفي منظمة التعاون الأوروبي في العلوم والتكنولوجيارابط خارجي، وكذلك في منظمة “يوريكارابط خارجي“. وبالاشتراك مع فرنسا، تستضيف سويسرا المنظمة الأوروبية للأبحاث النوويةرابط خارجي. ومنذ انضمامها إلى البرنامج الإطاري للاتحاد الأوروبي في عام 2004، قدَّمت سويسرا خبرة مُهمة في مجالات مُتعددة، مثل قطاع الصحة، والمناخ وتكنولوجيا الكَمْ.
مع ذلك، أعلَنَت المفوضية الأوروبية مؤخراً – بعد شهرٍ واحد من إعلان الحكومة السويسرية التَخَلّي عن اتفاق إطاري مؤسساتي مُثير للجدل بشأن العلاقات مع الاتحاد الأوروبي – أن سويسرا سَتُعامَل كدولة ثالثة غير مُنتسبة إلى برنامج “هورايزون أوروبا” حتى إشعارٍ آخر. وبالفِعل، تم إطلاق الدعوات الأولى لِعَددٍ من المشاريعٍ، لكن العلماء السويسريين إستُثنوا منها. بالنتيجة، يفقد مجال البحث العلمي السويسري إمكانية الوصول المَتكافيء إلى العناصر الرئيسية لأهم شبكة دولية للأبحاث، وهي ميزة كان يَتمتع بها قبل إعلان المفوضية الأوروبية.
أعلَنَت الحكومة السويسرية يوم 26 مايو 2021 عن انهيار المُحادثات بشأن الاتفاق الإطاري المؤسساتي بينها وبين الاتحاد الأوروبي، بسبب “خلافات جوهرية” بين الطَرَفين.
هذا القرار أثار مخاوف لدى مؤسسات التعليم العالي بشأن تأثير هذه التوترات على مشاركة سويسرا في برنامج “هورايزون أوروبا” (Horizon Europe)، وبرنامج تبادل الطُلّاب بين الجامعات الأوروبية “إيراسموس +” (+Erasmus). وقد حَدَث ذلك سابقاً بالفعل في عام 2014، عقب التصويت السويسري المثير للجدل لإعادة العمل بنظام الحصص للمُهاجرين القادمين من بلدان الاتحاد الأوروبي. بَيْد أن السويسريين تمكنوا لاحقاً من الانضمام مجدداً إلى برنامج “هورايزون 2020” (أو أفق 2020) [كشريك مُنتَسِب من عام 2017-2020]. لكنهم لا يزالون مُستبعدين من برنامج “أيراسموس +” إلى اليوم.
في 14 يوليو 2021، تم الإعلان عن استبعاد سويسرا من برنامج تمويل البحوث والابتكار الرائد في الاتحاد الأوروبي “هورايزون أوروبا” (الذي يخلف برنامج “هورايزون 2020” ويمتد من عام 2021 وحتى 2027) حتى إشعار آخر. في الأثناء، ستُعامل سويسرا كدولة الثالثة غير مُنتَسِبة إلى برنامج الاتحاد الأوروبي.
من المتوقع أن يُناقش قادة الاتحاد الأوروبي هذه المسألة خلال اجتماعهم المرتقب في الخريف القادمرابط خارجي. لكن لم يتم الإعلان عن مُفاوضات بشأن برنامج تبادل الطلاب بين الجامعات الأوروبية “إيراسموس +” (+Erasmus).
إن عَدَم ارتباط سويسرا بشكل كامل بـبرنامج “أفق أوروبا” يعني أن الشركات والباحثين السويسريين لن يكونوا قادرين على تنسيق المشاريع الأوروبية والإشراف على تنفيذها. وكان العلماء السويسريون قد نسَّقوا 1,185 مشروعاً، أي 3,9% من إجمالي المشاريع المُدرجة في برنامج “هورايزن 2020” الأخير (الممتد بين عامي 2014 و2020). ويعني تنسيق أحد المشاريع، المساعدة على تحديد أولويات البحوث الأوروبية في المستقبل، وبالتالي تشكيل تطوير مجال البحث والابتكار على نطاق قاري.
بالإضافة إلى ذلك، تم حرمان الباحثين السويسريين من المُشاركة في مِنَح ماري سكوودوفسكا كوري، ومجلس الابتكار الأوروبي، كما لن يعود بإمكانهم الحصول على مِنَح من مجلس البحوث الأوروبي. وفي برنامج “هورايزون” الأخير، شكَّلَت هذه المِنَح التنافسية للغاية نسبة 40% من مجموع التمويل الأوروبي الممنوح لسويسرا، أي أكثر من مليار فرنك سويسري (1,1 مليار دولار).
الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم في سويسرا مُعَرَّضة للخطر بدورها. وهذه الشركات هي في صَميم الركيزة الثالثة لبرنامج الاتحاد الأوروبي، المُكَرَّسة لتطوير نتائج البحوث وتسويقها. وكانت الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم قد نَفَذَّت قرابة 25% من المشاريع السويسرية المُمَولة من قِبَل برنامج “هورايزون 2020″، وفي حال تم تضمين القطاعات الاقتصادية، فسوف ترتفع هذه الحصة إلى 36%. وليس لهذا النوع من التمويل المُباشر أي نهج مُشابه في سويسرا.
مؤتمر عُمداء المعاهد التقنية العليا والمدارس العليا في سويسرا (الذي يُعرف اختصارا بـ “الجامعات السويسريةرابط خارجي“) هي المنظمة الجامعة لمؤسسات التعليم العالي في الكنفدرالية. وتعمل هذه المنظمة على تعزيز التعاون والتنسيق بين الأصناف المختلفة من الجامعات والمعاهد العليا (مثل جامعات العلوم التطبيقية وكليات تدريب المعلمين). وقد كرَّرَت المنظمة دعوتها للحكومة والبرلمان للبدء في مفاوضات لتحقيق الاستقرار في العلاقات مع الاتحاد الأوروبي، لإعادة إرتباط سويسرا ببرنامج “هورايزون أوروبا” في أسرع وقت ممكن.
اجتذاب الأفضل
علاوة على ماسبق، يتيح الوصول إلى البرامج الأوروبية لسويسرا اجتذاب أفضل المواهب. وبدون وجود هذا الارتباط، سوف يُغادر هؤلاء الباحثون سويسرا ليستقروا في دولٍ أوروبية أخرى، أو أنهم لن يأتوا إلى الكنفدرالية أصلاً في حال حصولهم على مِنحة من مجلس البحوث الأوروبي. وإذا فُقد هذا الاتصال، فإن الشباب الذين يرغبون بمُتابعة دراساتهم سَيَتَجَنَّبون سويسرا أيضاً لأنها تَحد من فُرصهِم في الانضمام إلى شبكة الأبحاث الأوروبية – وقد تأثر برنامج تبادل الطلاب بالفعل، بسبب استبعاد سويسرا سابقاً من برنامج “إيراسموس +” [بعد اقتراع 9 فبراير 2014]. ولا يوجد هناك بديل وطني أو برنامج تعاون ثنائي يحل مَحَل التعاون في إطار برنامج “هورايزون أوروبا”.
تُعَدّ سويسرا مركز معرفة جَذّاب لأفضل الباحثين في العالم بفضل تمويلها الوطني القوي وإمكانية وصولها إلى التمويل الأوروبي. كما يزود برنامج “هورايزون أوروبا” الباحثين السويسريين بإمكانات لا تتوفر على الصعيد الوطني. وتشمل هذه على وجه الخصوص، تعزيز التعاون عَبْر الحدود على نطاق واسع، وإمكانية تمويل الشركات الناشئة والمُبتَكِرة بشكلٍ مُباشِر، والحصول على مِنَح مجلس البحوث الأوروبي المُمَوَّلة بشكل جيّد، والمَمنوحة على أساس أوروبي تنافسي، والتي تُمَكِّن الباحثين من تشكيل فِرَق مُتخصصة في مجالات بَحثية جديدة. ويُكَمِّل تمويل الاتحاد الأوروبي التمويل والوطني، كما يُعَزِّزان بعضهما البعض.
أكثر من مُجَرَّد بحوث
يهدف برنامج “هورايزون أوروبا” إلى تعزيز التحول الأخضر والرقمي في جميع أنحاء أوروبا. وبالنسبة لسويسرا والجامعات السويسرية، لا يتعلق “هورايزون أوروبا” بالمجال البحثي فقط بالضرورة. فالبحوث في نهاية المطاف هي وسيلة لتحقيق هدف تحسين الحياة للجميع. وبفضل البحوث، يُمكن إيجاد حلول لمشاكل العالم المُلِحة في مجالات مُتعددة مثل الصحة والبيئة.
بالإضافة إلى ذلك، تساعد الأبحاث على تعزيز الابتكار في مجال الاقتصاد، وخَلق فُرَص العمل بالتالي. وفي يومنا هذا، تُجرى غالبية الأبحاث – سواء تلك المتعلِّقة بتغير المناخ أو أمراض السرطان، أو الطاقة، أو جائحة كورونا المُستمرة حالياً – من خلال تعاون دولي. وتُعَد الجامعات والمؤسسات البحثية في الاتحاد الأوروبي أهم الشركاء العِلميين لسويسرا، وهي تتقدم بشوط ملحوظ على نظيراتها في الولايات المتحدة أو آسيا. كما توفر برامج البحث في الاتحاد الأوروبي فرصة فريدة للتعاون الدولي بين الجامعات وقطّاع الصناعة والشركات الصغيرة والمتوسطة الحَجم.
ينبغي على سويسرا أن ترتبط ببرنامج “هورايزون أوروبا” ثانية في أسرع وقت ممكن. هذا مهم جداً، ليس للأوساط الأكاديمية فَحَسب، ولكن للشركات أيضاً. أضِف إلى ذلك، فإن هذا التواصل بالغ الأهمية للحفاظ على جودة حياة الشعب السويسري من حيث الازدهار الاقتصادي، والصحة، والتعليم والأمن. ان التعاون الدولي شرط أساسي للابتكار والتميز. والقرارات التي تتخذها سويسرا اليوم لَنْ تؤثر على جاذبيتها وقُدرتها التنافسية في المُستقبل فَحَسب، ولكن أيضاً على مَكانتِها الدولية المُتقدمة في مجال البحوث.
من خلال إدراجها كدولة ثالثة غير مُنتسبة إلى برنامج الاتحاد الأوروبي “هورايزون أوروبا”، لن تتمكن سويسرا بعد الآن من الجلوس على طاولة المفاوضات على قدم المساواة مع الدول الأوروبية الأخرى. وكانت سويسرا لفترة طويلة شريكاً آمناً وجديراً بالثقة في مجال البحث العلمي، لكن هذه العلاقة باتت على المَحك الآن نتيجة قرار المفوضية الأوروبية.
إن الانفتاح والعلاقات المُستقرة شرطان أساسيان لازدهار سويسرا وظروفها الاجتماعية والاقتصادية الممتازة. لذا، يطالب مؤتمر عُمداء المعاهد التقنية العليا والمدارس العليا في سويسرارابط خارجي الحكومة والبرلمان السويسري بالسعي إلى تحقيق الاستقرار في العلاقات مع الاتحاد الأوروبي بسرعة، لإعادة ارتباط سويسرا ببرامج “هورايزون أوروبا” في أقرب وقت مُمكن.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.