ليبيا والسعودية تستعدان لتطبيع كامل
لم يكن إعلان مساعد وزير الخارجية الليبي حسونة الشاوش مؤخرا استعداد طرابلس للمصالحة مع الرياض سوى الجزء العائم من سلسلة اتصالات مكثفة بين العاصمتين.
ويُنتظر أن تتوج الإتصالات – التي لعبت أمريكا فيها دورا محوريا بمساعدة كل من مصر والجزائر – بالعودة الكاملة للعلاقات الدبلوماسية بين البلدين قبل نهاية العام.
ويرتكز مسار المصالحة على روزنامة اتفق عليها الجانبان كي تكون آلية عملية لطي صفحة القطيعة التي أعقبت القمة العربية في بيروت سنة 2003.
وكانت طغت على أعمال تلك القمة الملاسنة الحادة التي بثتها الفضائيات على الهواء بين الأمير عبد الله ولي عهد السعودية آنذاك ورئيس وفدها إلى القمة والزعيم الليبي العقيد معمر القذافي على خلفية إدانة الأخير مواقف العواصم الخليجية، وفي مقدمتها الرياض، من حرب الخليج الثانية سنة 1991 والتي اتهمها بفتح أراضيها “للغزو العسكري الأجنبي”، مما أشعل حربا إعلامية بين الجانبين استمرت أشهرا عديدة.
اتصالات غير مباشرة
وعلى رغم أن العلاقات الديبلوماسية بين طرابلس والرياض مقطوعة منذ أكثر من ثلاث سنوات فإن الإتصالات غير المباشرة عادت تدريجا بينهما في الفترة الأخيرة، وكان موضوع المصالحة السعودية – الليبية أحد البنود الدائمة في الزيارات التي أداها مسؤولون أمريكيون إلى ليبيا خلال السنتين الأخيرتين بعدما فتحت واشنطن صفحة جديدة من التقارب مع طرابلس. إلا أن الجزائر ومصر اللتين تحتفظان بعلاقات متينة مع كل من الرياض وطرابلس سعتا من جانبهما إلى تبديد الخلافات بين العقيد القذافي والملك عبد الله بعد تسلمه قيادة المملكة في أغسطس الماضي.
وأكد مصدر ليبي لـ”سويس أنفو” أن العلاقات الشخصية للرئيسين عبد العزيز بوتفليقة وحسني مبارك مع القذافي، إضافة لمعرفتهما الطويلة بالملك عبد الله، لعبت دورا كبيرا في المساعدة على طي صفحة القطيعة السابقة وترطيب الأمور بين الجانبين.
وأفاد المصدر أن موضوع المصالحة كان الهدف الرئيسي من الزيارة المفاجئة التي قام بها الرئيس مبارك إلى ليبيا في أغسطس الماضي بعد أيام من حضوره مراسم تشييع الملك الراحل فهد في الرياض.
وكان الملك عبد الله قد استقبل آنذاك أحمد قذاف الدم الموفد الخاص للعقيد القذافي الذي زار الرياض لتعزية العائلة المالكة في وفاة فهد. ويُعتبر قذاف الدم الذي هو ابن عم معمر القذافي متخصصا بالمهمات الدقيقة في العلاقات مع العواصم العربية والأجنبية، وهو يحتل موقعا رفيعا في أجهزة المخابرات الليبية.
وسرعان ما رد العاهل السعودي الجديد على تلك الإشارة بإطلاق خمسة عناصر ليبية يؤكد السعوديون أنهم يعملون في الأجهزة الأمنية وكانوا اعتُقلوا بعد القمة العربية في بيروت في أعقاب اكتشاف مخطط لاغتيال الأمير عبد الله نُسب للداعية السعودي المقيم في أمريكا الدكتور عبد الرحمان العامودي والذي كان يتردد على ليبيا كثيرا ويقيم علاقات شخصية متينة مع القذافي.
وأتى إطلاق الليبيين الخمسة بعد أسبوع واحد من زيارة قذاف الدم إلى الرياض ما اعتبره الليبيون رسالة سعودية لتأكيد حسن النية والإستعداد لفتح صفحة جديدة في العلاقات الثنائية.
دور أمريكي “حاسم”
إلا أن نائب مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية غوردن غراي أكد ل”سويس أنفو” أن الدور الأميركي في دفع المصالحة السعودية – الليبية كان حاسما من باب مساعدة ليبيا على الإندماج في المنظومتين العربية والدولية وإنهاء خط التمرد الذي انفردت به في الماضي.
وأوضح غراي المسؤول عن منطقة شمال أفريقيا والجزيرة العربية في وزارة الخارجية والذي رافق وفد مجلس الشيوخ الأمريكي بقيادة رئيس لجنة العلاقات الخارجية في المجلس ريتشارد لوغار (جمهوري) إلى ليبيا في أواخر أغسطس الماضي، أن المحادثات مع المسؤولين الليبيين أسفرت عن الإتفاق على خطوات عملية تمهد لمصالحة كاملة بين الرياض وطرابلس وتشمل التزام الطرفين بوقف الحملات الإعلامية والتحركات الديبلوماسية المعادية وإنهاء الملاحقات التي تستهدف عناصر الطرف المقابل وتفادي الصدام في الإجتماعات العربية والإمتناع عن تقديم الدعم لمعارضي الجانب الآخر، على أن تُتوج هذه المراحل بمعاودة فتح السفارتين.
وفي هذا الإطار يُتوقع أن يتم قريبا إرسال ديبلوماسيين سعوديين إلى طرابلس وديبلوماسيين ليبيين إلى الرياض تمهيدا لعودة السفراء في مرحلة متقدمة من المصالحة، لكن الثابت أن الأمور “لم تصل إلى هذا المستوى وإن كان من غير المستبعد استكمال المصالحة قبل نهاية العام الجاري”، مثلما قال مصدر ليبي لـ”سويس أنفو”.
ومعلوم أن مصادر أمريكية وليبية متطابقة أكدت أن السفارة الأمريكية في طرابلس سيُعاد فتحها وأن ليبيا ستفتتح في جانبها سفارة في واشنطن في أواخر السنة الجارية.
نقلة .. هادئة؟؟
ويمكن القول إن الحرص الأمريكي على تكريس التقارب السعودي – الليبي يندرج في إطار نزع فتيل التوترات التي يمكن أن تغذي الشبكات “الإرهابية” التي تعتبرها واشنطن عدوَها الرئيسي في المرحلة الراهنة بعدما كانت تضع “الدول المارقة” في هذه الخانة.
ولا يخفي مسؤولون أميركيون أن التعاون الذي برهن عليه الليبيون في موضوع مكافحة “الإرهاب” وكذلك تعرَض السعودية لأخطار مماثلة من قبل تنظيم “القاعدة” في الوقت نفسه شكلا أساسا للتقارب وسهَلا دور الوسطاء الأمريكيين من ضمن التقارب الليبي – الأميركي الذي زادت وتيرته سرعة في الفترة الأخيرة، وبخاصة بعد الإعلان عن قرب التطبيع الكامل للعلاقات في ضوء زيارة ريتشارد لوغار لطرابلس.
ومن تجليات المرحلة الجديدة في العلاقات الثنائية اجتماع النجل الأكبر للعقيد القذافي سيف الإسلام مع ليزا تشيني مساعدة وزيرة الخارجية وابنة نائب الرئيس ديك تشيني، المعروفة بنفوذها الواسع في الإدارة الأمريكية، مؤخرا لبحث ترتيبات نقلة سياسية هادئة في ليبيا.
وفي هذا السياق لمَحت مصادر أمريكية إلى أن واشنطن تأمل بأن تتكرس الخلافة في ليبيا بطريقة سلسة أسوة بما حصل في المغرب والأردن وحتى في سوريا من انتقال للحكم من دون هزات، مشيرة إلى أن تعدَد الإنتقادات التي وجهها سيف الإسلام في الفترة الأخيرة للأجهزة الأمنية والإقتصادية والإعلامية الليبية تشكل مقدمة لإبراز ملامح أسلوبه الجديد في الحكم.
واعتبرت أن إصرار العقيد القذافي على التذكير في جميع المناسبات بكونه “يقود ولا يحكم” يمنح فرصة لتسهيل انتقال الحكم إلى نجله واعتباره مجرد “مرجعية رمزية” للنظام.
وفي هذا الإطار توقع محللون وأكاديميون غربيون عارفون بالشأن الليبي أن مرحلة التطبيع الكامل مع أمريكا وأوروبا والتخلي عن نموذج الدولة الثورية يقتضيان إحداث تغيير على رأس الدولة في الأمد القريب يتماشى مع استتباعات هذا النهج الجديد.
رشيد خشانة – تونس
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.