مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“مؤتمرا فيينا وبرلين تـعـمّـدا تجاهل المشكلات الحقيقية”

وعد المشاركون في مؤتمر برلين بتقديم نحو 242 مليون دولار أمريكي لمشروعات تشمل تدريب الشرطة وإعادة بناء مقار المحاكم الفلسطينية والسجون Keystone

عقد يوميْ الإثنيْن والثلاثاء 23 و24 يونيو الجاري مؤتمران دوليان، تمحور الأول حول إعادة إعمار مخيم اللاجئين الفلسطينيين بنهر البارد شمال لبنان، والثاني حول تعزيز أجهزة الأمن الفلسطينية بالضفة الغربية، وبناء دولة القانون.

وفي الوقت الذي توصل اجتماع الدول المانحة في فيينا إلى تخصيص 120 مليون دولار لإعادة إعمار مخيم اللاجئين بلبنان، وعد مؤتمر برلين بمنح الحكومة الفلسطينية بالضفة الغربية 242 مليون دولار لإعادة بناء وتسليح أجهزتها الأمنية.

وسعيا لفهم السياقيْن السياسيْين المختلفيْن لهذيْن المؤتمريْن على الرغم من تزامن انعقادهما، أجرت سويس انفو حوارا مع دانيال مايير، الخبير السويسري في الشؤون اللبنانية والفلسطينية، والاستاذ بالمعهد العالي للدراسات الدولية بجامعة جنيف، تطرق في البداية إلى أهمية هذيّن المؤتمريّن الدوليين.

سويس انفو: مؤتمران دوليان حول الشرق الأوسط في غضون يوميْن: بالنظر إلى المأزق الذي تعيشه المنطقة، ما الذي يمكن أن يُؤمّل من هذيْن اللقائين؟

دانيال مايير: في الحالتيْن هناك سعي دولي لحشد الدعم للفلسطينيين، في الحالة الأولى لإعادة إعمار (مخيم) نهر البارد، وفي الحالة الثانية لدعم الأجهزة الامنية في الضفة الغربية. هناك مسعى لتغيير الأوضاع وتجاوز حالة الإحتقان في المنطقة، نتيجة إستمرار الخلاف الفلسطيني الفلسطيني، والصدام الفلسطيني الإسرائيلي.

سويس انفو: الدول التي شاركت في مؤتمر فيينا، وعدت برصد 120 مليون دولار لإعادة إعمار مخيم نهر البارد، كيف تفسّرون هذا الإهتمام الكبير بإعادة بناء هذا المخيم؟

دانيال مايير: هذا الإهتمام يأتي في سياق مؤتمر الدوحة، الذي نجح في جمع الفرقاء اللبنانيين من معارضة وموالاة مما سمح بإطلاق مشروع إعادة إعمار مخيم نهر البارد بدعم خليجي هذه المرة. بمعنى آخر أن دول الخليج تريد تسوية وضع الفلسطينيين في لبنان حتى لا يؤدي إلى الإضرار بحالة التوازن الهشة في لبنان ما بعد اتفاق الدوحة.

سويس انفو: عشية انعقاد مؤتمر فيينا، صرح رئيس الحكومة اللبناني فؤاد السنيورة بأن هذا المؤتمر يسمح بوضع قضية اللاجئين “في إطارها الصحيح”، ما هي حدود هذا الإطار بحسب رأيك؟

دانيال مايير: بكل تاكيد هو يتحدث عن الإطار الشامل للنزاع العربي الإسرائيلي، لأن قضية نهر البارد يُراد لها أن تكون نموذجا لبقية المخيمات. فعملية الإعمار هذه المرة يراد لها أن تتم بطريقة حديثة وبأسلوب يتم فيه ربط قطاع الخدمات في هذا المخيمات (شبكة المياه والكهرباء والإتصالات) بشبكة الخدمات في المدن المجاورة. وهنا يحق للبنانيين أن يتساءوا عن جدوى هذا النموذج وأبعاده.

سويس انفو: في فيينا، طالبت وزيرة الخارجية السويسرية بأن تحترم عملية إعادة إعمار مخيم نهر البارد الإحتياجات الأمنية للدولة اللبنانية، وأن تحترم القيم الثقافية الخاصة باللاجئين الفلسطينيين؟ عن أي قيم ثقافية تتحدث السيدة كالمي-ري حسب رأيك؟

دانيال مايير: ربما كانت تشير إلى الأوضاع الصعبة التي فُرض على الفلسطينيين في لبنان أن يعيشوا فيها منذ سنة 1982. خاصة في ما يتعلق بحق العمل، إذ كان من المحرّم على الفلسطيني تولّي صنف من الوظائف، ويُمنعون من تملك العقارات، وتواجههم عراقيل جمة خلال تنقلهم داخل لبنان وخارجه، بالإضافة إلى حرمانهم من حقوقهم السياسية وحرية انشاء المنظمات السياسية.

سويس انفو: الأفكار والمقترحات التي تطرحها سويسرا التي حافظت على نوع من الحوار مع حماس، هل تجد لها آذانا صاغية لدى شركائها الغربيين؟

دانيال مايير: نعم سويسرا شريك أوروبي في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، لكنه الشريك الذي يقف على أرضية متحركة. وأعتقد أن السياسة السويسرية تجاه حماس هي سياسة تعتمد الحوار والإنفتاح، على خلاف سياسة بقية العواصم الاوروبية. وتتميز الدبلوماسية السويسرية في هذا المستوى بالواقعية والعملية، وتتناقض مع الموقف الأمريكي الذي يعتبر حماس منظمة إرهابية. هذا الموقف يمكّن سويسرا من لعب دور المحاور، ودور الوسيط في بعض الأحيان، الذي يكمل الدور الأوروبي، وبالتالي الإستفادة من الورقات السويسرية في هذا المجال.

سويس انفو: أليس من المفارقة أن تشارك سويسرا بشكل نشط في تمويل العديد من المشروعات في المنطقة، في حين يظل تأثيرها في توجيه الأحداث محدودا؟

دانيال مايير: بإمكانك أن تعتبر ذلك مفارقة، ولكن بالإمكان أيضا اعتبارها إستمرارية لتقاليد سويسرية في مجال العلاقات الدولية، وفي مجال دعم جهود التنمية. الدبلوماسية السويسرية، دبلوماسية هادفة، وممنهجة، لكن في كثير من الحالات الإعانات السويسرية لا تصاحبها حركية دبلوماسية، أو توظيف سياسي، وهذا على خلاف السياسة الخارجية الفرنسية او الدبلوماسية الامريكية. ومنذ عهد قديم جدا، اختارت سويسرا الفصل بين علاقاتها الخارجية، أو الدبلوماسية، والمساعدات الإنسانية التي تقدمها في هذا البلد أو ذاك.

سويس انفو: المؤتمر الآخر الذي عقد في برلين يريد انشاء “أجهزة أمنية فلسطينية قريبة من مشاغل المواطنين”، هل يعني هذا أن الأجهزة القائمة اليوم في الضفة الغربية، ليست في خدمة المواطنين؟

دانيال مايير: الأمر مرة أخرى يتعلق بالمعنى الذي نعطيه لعبارة “قريبة من المواطن”، بالتأكيد هناك مشكلة كبيرة اليوم في الأراضي المحتلة تتمثل في انتشار ظاهرة الميليشيات المسلحة، أي المجموعات المسلحة الخارجة عن أي سيطرة، بما في ذلك سلطة الدولة. وبهذا المعنى تصبح عبارة “قريبة من المواطن” أي فرض سيطرة الدولة على مواطنيها، ومراقبة حركة السلاح، وجعله حكرا على أجهزة الدولة.

سويس انفو: قوات الأمن الفلسطينية في الضفة الغربية تابعة لفتح، وقوات الأمن في غزة تابعة لحماس. ألا يجانب اقتصار الدعم الدولي على القوات الموجودة في الضفة الغربية مبدأ الحياد والتوازن؟

دانيال مايير: نعم هو نوع من الإنحياز المكشوف لان المجتمع الدولي نفسه قد اختار ذلك. لقد اختار دعم السلطة الوطنية الفلسطينية في الضفة الغربية من دون إعارة اهتمام لحقيقة أن حماس قد فازت بانتخابات ديمقراطية. وبالتالي، المجتمع الدولي يتبع عن اختيار سياسة تهدف إلى تهميش حماس منذ سنة 2006. وفي هذا الإطار، يعتبر كل دعم لغزة غير شرعي، وغير قانوني. هذا الأمر سمح لسلطة الضفة الغربية باحتكار كل المساعدات الموجهة لإصلاح الأجهزة الأمنية الفلسطينية.

سويس انفو: في مقابل هذا الدعم، ما هو الدور الذي يوكله المجتمع الدولي لأجهزة الأمن الفلسطينية؟

دانيال مايير: يريد المجتمع الدولي من السلطة الفلسطينية أن تحتكر “العنف المقنن”، أي أن الدولة هي الجهة الوحيدة المخوّلة باستعمال القوة لضمان احترام القانون. وبهذا المعنى يوكل المجتمع الدولي إلى تلك الاجهزة الدور الذي تؤديه أي أجهزة مماثلة في بلد ديمقراطي حديث. المشكلة أن هناك دائما اختلال بين ما هو نظري، وما هو حقيقة في الواقع. ويصبح الوضع أشد تعقيدا بوجود ميليشيات مسلحة تنشط من داخل اجهزة الدولة وعلى هامشها. كما هو الحال في الوضع الفلسطيني.

سويس انفو: لم يتطرق المؤتمران إلى الوضع الصعب في قطاع غزة، حيث يعيش مئات الآلاف من الأشخاص تحت الحصار، فهل يساعد ذلك على تحقيق السلام الدائم والشامل الذي ينشده المجتمع الدولي؟

دانيال مايير: هذه المقاربة التي تقصي مليون ونصف المليون مواطن فلسطيني قد لا تكون مجدية، نظرا للأوضاع الصعبة لسكان غزّة، وللتحديات الامنية الخطيرة التي تطرحها سياسة الإغتيالات التي يمارسها الجيش الإسرائيلي مما يزيد في صب الزيت على النار كما يقال. وبالتالي فإن الذين نظّموا هذيْن المؤتمريْن اختاروا عن قصد غض الطرف عن هذه السياسة، وتجنب مواجهة المصاعب الحقيقية.

سويس انفو – عبد الحفيظ العبدلي

تعهدت سويسرا في مؤتمر فيينا المخصص لإعادة إعمار مخيم نهر البارد بتخصيص:

2 مليون فرنك سويسري لإعمار المخيم

4.5 مليون فرنك إعانات إنسانية، ودعم لجهود التنمية

25 مليون فرنك إجمالي التعهدات المالية السويسرية للبنان بين 2009 و2012.


وفي مؤتمر برلين المخصص لدعم أجهزة الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية بالضفة الغربية، أعلنت سويسرا تخصيص:

83 مليون فرنك سويسري خلال ثلاث سنوات.

6 مليون فرنك كل سنة لتعزيز دولة القانون والحكم الرشيد في الضفة الغربية.

دانيال مايير، دكتور في علم الإجتماع السياسي، وأستاذ محاضر بالمعهد العالي للدراسات الدولية بجامعة جنيف. أنجز أطروحة دكتوراه حول “العلاقة اللبنانية – الفلسطينية”،

حاصل على شهادة الدراسات العليا من معهد الدراسات السياسية من جامعة “آكس أون بروفونس” الفرنسية في مجال دراسة العالم العربي وعلى الإجازة من جامعة لوزان.

يشرف على رئاسة تحرير مجلة مجلة “A contrario”، أو “الإتجاهات المتقابلة”، والتي تصدر دوريا عن قسم علم الإجتماع بجامعة لوزان.

لدانيال مايير العديد من الدراسات حول الشؤون اللبنانية وقضايا منطقة الشرق الأوسط.

برلين (رويترز) – تعهد المانحون بتقديم 242 مليون دولار أمريكي الى الشرطة الفلسطينية والمؤسسات القضائية في مؤتمر بالعاصمة الالمانية برلين يوم الثلاثاء 24 يونيو 2008 لكن الانباء عن أن اتفاق التهدئة الذي دخل حيز التنفيذ منذ خمسة أيام في قطاع غزة ترنح بفعل هجمات صاروخية خيمت على الاجتماع.

وأطلق مسلحون في قطاع غزة الذي تسيطر عليه حركة المقاومة الاسلامية (حماس) صاروخين على الاقل على جنوب اسرائيل بعدما قتلت القوات الاسرائيلية فلسطينيين اثنين في الضفة الغربية المحتلة.

ورحب المشاركون في اجتماع برلين باتفاق التهدئة في قطاع غزة والذي دخل حيز التنفيذ منذ الخميس الماضي (19 يونيو) في كلماتهم الافتتاحية لكن خلافات نشبت بين كبار الدبلوماسيين بشأن كيفية التعامل مع حركة حماس.

وأثار عمرو موسى الامين العام لجامعة الدول العربية رد فعل أمريكيا قويا عندما قال إن مصالحة الفلسطينيين في قطاع غزة الذي تديره حماس وحكومة الرئيس محمود عباس المدعومة من الغرب مسألة أساسية للسلام داعيا الى ضرورة رفع الرفض (الفيتو) الدولي في هذا الشأن.

ولم يشر موسى الى أي بلد بوجه خاص لكنه قال ان هذه المسؤولية تقع على عاتق الجميع وانه يجب أن تكون للفلسطينيين جبهة واحدة.

وفاجأت وزيرة الخارجية الامريكية كوندوليزا رايس المشاركين عندما طلبت الكلمة للرد مباشرة على موسى.

وقالت: “لا يمكنك تحقيق السلام اذا لم يكن هناك شريك يحترم حق الشريك الاخر في الوجود” في اشارة فيما يبدو الى حماس التي ترفض الولايات المتحدة التعامل معها لانها ترفض الاعتراف باسرائيل أو بالاتفاقات الفلسطينية السابقة مع اسرائيل. وأضافت أنه يجب على الاطراف أيضا نبذ العنف والالتزام بالتعهدات الدولية.

وتعارض حماس التي سيطرت على قطاع غزة من حركة فتح التي يقودها عباس خلال قتال منذ عام مضى محادثات السلام مع اسرائيل.

وجددت المستشارة الالمانية أنجيلا ميركل دعمها لمقاطعة حماس.

ويطالب الاتفاق الذي أبرم بوساطة مصرية حركة حماس بمنع اطلاق الصواريخ عبر الحدود من قطاع غزة.

ووصفت اسرائيل الهجمات الصاروخية يوم الثلاثاء بأنها “انتهاك صارخ” للتهدئة وقالت انها ستدرس الخيارات. وأعلنت حركة الجهاد الاسلامي مسؤوليتها عن الهجمات.

وتقول برلين إن المؤتمر الذي يستمر يوما واحدا خطوة مهمة في طريق التوصل الى اتفاق قائم على حل الدولتين بين اسرائيل والفلسطينيين وهو هدف تعهد الجانبان بمتابعته في مؤتمر بمدينة أنابوليس بولاية ماريلاند الامريكية في نوفمبر تشرين الثاني الماضي.

وقال دبلوماسي ألماني إن المشاركين وعدوا بتقديم نحو 242 مليون دولار أمريكي لمشروعات تشمل تدريب الشرطة واعادة بناء مقار المحاكم الفلسطينية والسجون وهو ما يتجاوز مبلغ 184 مليون دولار الذي أعربت برلين عن أملها في جمعه قبل المؤتمر.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 24 يونيو 2008)

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية