بداية النهاية لأسطورة السر المصرفي..
هل السرية البنكية مازالت تخدم مصالح الزبائن، أم أنها أصبحت مجرد مزايا دعائية تستخدمها البنوك السويسرية لمواجهة منافسة البنوك الأجنبية؟
هذا الجدل ظهر بعد الإفشاء بأن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية تجسست على المبادلات المالية الدولية المارة عبر خدمات شركة ” سويفت”.
في إطار “الحرب ضد الإرهاب”، فرضت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية رقابة على المبادلات المالية التي تتم عبر خدمات شركة “سويفت”.
هذه الشركة، التي يوجد مقرها الرئيسي في بروكسل، والتي تدير المعلومات المتعلقة بالتحويلات المالية لحساب أكثر من 8000 مؤسسة مالية في العالم، من بينها كبريات المؤسسات المالية السويسرية.
وقد أثارت قضية التجسس هذه، فزعا في سويسرا. وطرحت عدة تساؤلات عما إذا كانت وكالة المخابرات الأمريكية بتجسسها على شركة” سويفت” قد عملت على انتهاك السرية البنكية؟
وهوالسؤال الذي ردت عليه الحكومة السويسرية بالنفي، معتبرة أن لا مجال لاتخاذ إجراءات إضافية.
ويشاطر هذا الرأي الناطق باسم جمعية أرباب البنوك السويسرية آلان بيكسل، إذ يرى ان السرية البنكية التي يتشبث بها السويسريون كثيرا لم يتم انتهاكها نظرا لكون العملية مست فقط المعطيات المتعلقة بالتحويلات الدولية وهذا بعد ان تم إبلاغ شركة”سويفت ” بها وبشكل طوعي.
يضاف الى ذلك أن الشركة البلجيكية لم تنقل لواشنطن، في نظر الناطق باسم اتحاد البنوك السويسرية سيرج شتاينر، سوى المعلومات التي يشتبه في كون لها علاقة بالإرهاب. وأن البنوك ليست هي التي سلمت تلك المعلومات لوكالة المخابرات الأمريكية بل شركة” سويفت” ذات الطابع الخاص.
ميزة تنافسية
ويرى الناطق باسم جمعية أرباب البنوك السويسريين، “بان على الزبون أن يتوقع بأن القيام بتحويلات مالية نحو بلدان لا تعترف بالسرية البنكية قد يجعل السلطات تضطلع على العملية.
لكن أندري روتنبيلر من جمعية ” الساحة المالية السويسرية” يرد على ذلك بالقول ” لا يجب توقع أن جهاز مخابرات يذهب لاصطياد المعلومات بشكل عشوائي وبدون أرضية قانونية وبدون وجود عملية اشتباه واضحة”.
ويعتبر ” أن السرية البنكية لم يعد لها وجود ” تجاه الولايات المتحدة الأمريكية. ويستشهد على ذلك بالاتفاق المبرم في العام 2001 بين واشنطن والبنوك السويسرية، والذي يرغم قسما هاما منها على فتح حساباته أمام مراجعين يعملون لحساب إدارة الضرائب الأمريكية.
ويرى روتنبيلر ” أن كبريات البنوك التي تنبطح ” أمام الولايات المتحدة الأمريكية تجني أرباحا كثيرة . فهذه البنوك لا ترى في نظام السرية البنكية سوى وسيلة تفضيلية في مواجهة البنوك الأجنبية المنافسة.
واجب الإشعار
ويعترف الخبير السويسري من زيورخ هانس غايغر بأن البنوك السويسرية ليست لديها القدرة لمواجهة وكالة المخابرات الأمريكية. ولكنه ينتقد الصمت الذي التزمته تلك البنوك تجاه زبائنها. إذ يعتبر ” بأن من واجب أي بنك ان يدافع عن مصالح زبائنه. وإذا لم يستطع فعليه إشعار الزبون بذلك لكي يتمكن من الدفاع عن نفسه بنفسه”.
ويرى هذا الخبير السويسري “بأن السرية البنكية تكون قد أضعفت، إذا ما اتضح بأنها أصبحت إجراءا يخدم مصالح البنوك ولا يخدم بالضرورة مصالح الزبائن”، وهذا في وقت تعودت فيه البنوك منذ عقود على تمجيد مزايا السرية البنكية.
وينتقد هانس غايغر بالدرجة الأولى المصرفين السويسريين الكبيرين ” إتحاد البنوك السويسري ” و ” كريدي سويسر” اللذان لهما ممثلان في مجلس إدارة شركة ” سويفت”. بينما أشاد بموقف البنك الخاص ” فيغلان”.
فقد أخبر هذا البنك الأخير زبائنه منذ العام 2001 ” بأن السرية البنكية أثناء التحويلات الدولية قد لا تصبح إلا مجرد سراب في المستقبل” مثلما أوضح ذلك احد المسئولين في البنك كونراد هوملر، لصحيفة “زونطاغس تسايتونغ” الأسبوعية.
وقد رد كل من مصرف اتحاد البنوك السويسري وكريدي سويس ، بأن أعضاء مجلس إدارة شركة سويفت يمثلون بلدانهم ولا يمثلون البنوك، ومن هذا المنطلق ليس من حقهم الإفشاء بمعلومات داخلية لصالح أرباب العمل الذين يوظفونهم.
الجميع على علم
لم ترغب كبريات البنوك السويسرية توضيح متى علمت بنشاطات وكالة المخابرات الأمريكية. أما عما إذا كانت لتقدم على إخبار زبائنها الآن بذلك، فيرى مصرف كريدي سويس أن لا فائدة للقيام بذلك الآن بعد ان تحدثت وسائل الإعلام عن الموضوع.
أما وزراة المالية السويسرية وجمعية البنوك السويسرية فقد علمتا بوجود تلك النشاطات التجسسية منذ صيف العام 2002، وأن البنك المركزي السويسري هو الذي أخبرهما بذلك. والخلاصة هي : أن الكل كان على علم بذلك باستثناء الزبائن.
وقد ارتفعت عدة أصوات تندد بصمت الحكومة على هذه العملية التجسسية. أما المجلس الفدرالي أي الحكومة التي اعتبرت أن السرية البنكية لم يتم انتهاكها، رأت ان لا ضرورة لاتخاذ إجراءات في هذا الشأن.
سويس انفو بالإشتراك مع دانيلا كارست (من وكالة الأنباء السويسرية)
(نقله إلى العربية وعالجه محمد شريف)
لا توجد حسابات بنكية مجهولة الهوية في سويسرا، لأن البنك مجبر قانونيا على التعرف على هوية المالك.
في المقابل، تحمي السرية المصرفية من تعميمم هذه المعلومات.
استثنائيا يمكن رفع السرية البنكية بأمر من سلطات قضائية، أو عندما يتم الشك في التورط في عمليات إجرامية ( ويستثنى من ذلك عملية التهرب الضريبي).
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.