مستقبل الطاقة في سويسرا تحت المجهر
بدأت وزارة الطاقة السويسرية دراسة سيناريوهات مختلفة، يمكن تطبيقها في حال وقوع أزمة حقيقية في الحصول على الكهرباء أو النفط، في ظل التوقعات المؤكدة بارتفاع معدلات استهلاك الطاقة.
وتدور الحلول المطروحة حول الإستعانة بالطاقات البديلة بالتكامل مع الطرق المتداولة حاليا، كما أنه ليس من المستبعد تشييد مفاعل نووي جديد.
سيخرج أقدم مفاعل نووي سويسري لتوليد الطاقة من الخدمة مع حلول عام 2020، في نفس الوقت الذي تتقلص فيه تدريجيا أعمار تعاقدات سويسرا مع فرنسا للتعاون في مجال الطاقة الكهربائية تدريجيا. وحرصا على عدم الوقوف فجأة أمام مشكلة الحصول على الطاقة، تستعد الحكومة الفدرالية للإعلان عن تصوراتها لكيفية مواجهة هذه الفترة واحتمالات استخدام الحلول البديلة.
وطبقا للمعلومات الأولية التي تحدثت عنها مختلف المقترحات المطروحة للنقاش، فسيرتفع استهلاك الطاقة الكهربائية في سويسرا في عام 2035 ما بين 18% و24% عما هو عليه الآن، أي ما يعني استهلاك يفوق القدرة الإنتاجية، وهو ما لوحظ أيضا في السنة الماضية بالتحديد، إذ اضطرت سويسرا لاستيراد طاقة كهربائية من دول الجوار.
ويقترح الخبراء السويسريون العمل في اتجاهين؛ الأول: يسير نحو المزيد من توعية المستهلكين بأهمية توفير استخدام الطاقة، مع التشديد على مظاهر الإسراف في الإستهلاك في المصالح العامة أومراقبة التوفير في وقود السيارات، وذلك بالتزامن مع عقوبات صارمة للمخالفين.
أما الثاني، فيبحث عن الإمكانيات التي يمكن أن تتيحها الطاقات البديلة، مثل تلك المستخرجة من باطن الأرض أو استخدام طاقة الرياح أو الشمس، ولا يستبعد الخبراء بناء مفاعل نووي جديد إذا اقتضى الأمر، مع الوصول إلى نوع من التوازن بين نوعين مختلفين من مصادر الطاقة.
ترشيد استهلاك الطاقة والبحث عن البدائل
القاسم المشترك بين جميع الحلول المطروحة هو التركيز على التعاون بين الحكومة الفدرالية والقطاع الخاص، وهو ما يدعو للدهشة في ظل توجهات رسمية قوية لتحرير كافة القطاعات من المسؤولية المالية الرسمية، لتبقى تحت سقف الشركات تتحمل مسؤولياتها في الربح والخسارة، أما دور الحكومة فيبقى في الرقابة والمحافظة على القوانين والتعاقدات مع الأطراف الأجنبية الخارجية.
ويقول فالتر شتاينمان مدير المكتب الفدرالي للطاقة في حديثه إلى الصحافة يوم الثلاثاء 28 مارس بأن سويسرا ستقف على المدى الطويل أمام ثغرة كبيرة من عدم الحصول على الطاقة الكهربائية اللازمة، إذا لم تتخذ الآن الإجراءات المناسبة.
ويؤكد المسئول الفدرالي بأن محاولة إقناع المستهلكين بحد أقصى من استهلاك الطاقة شهريا سواء من الكهرباء أو النفط هو من الحلول الجيدة التي تساعد على التوفير، لاسيما إذا ارتبط الاستهلاك الزائد عن المعدلات المقترحة بزيادة في الرسوم أو الضرائب.
أما اللجوء إلى الطاقات البديلة (من حرارة باطن الأرض أو الشمسية) فقد يكون مكلفا في مراحله الأولى المتعلقة بدراسات الجدوى والبحث عن أفضل الطرق التطبيقية له، ولكنه في رأي بعض الخبراء نافع على المدى البعيد، وهنا يبرز السؤال حول التمويل إذ تفضل أغلب الشركات الاستثمار في مشروعات ذات ربح سريع وتترك التمويل على المدى البعيد للحكومات أو المؤسسات المالية الضخمة.
اسعار النفط في نقطة اللاعودة
وليس من المستبعد حسب رأي الخبراء السويسريين أن تدعم أطراف مختلفة إنشاء محطات لتوليد الكهرباء اعتمادا على الغاز الطبيعي وإنشاء محطات لنقل حرارة الأرض من خلال ظاهرة التبادل الحراري، يمكن الاستفادة منها لتسخين المياه والتدفئة، وهي بدائل تساهم أيضا في الحفاظ البيئة من التلوث.
أما احتمال بناء مفاعل نووي سويسري جديد، فهو مرهون حسب رأي المكتب الفدرالي للطاقة بعثور العلماء على طريقة آمنة للتخلص من النفايات المستخدمة فيه، وهي المعضلة التي تؤرق حماة البيئة ومن العقبات التي تقف دائما أمام التوسع في هذا المجال، الذي يرى فيه الخبراء حلا سهلا، إذا تم التغلب على تلك المشكلة، لاسيما وأن التقنية السويسرية تساهم بشكل فعال في الصيانة وتوفير الأمن اللازمة لسلامة هذه المفاعلات.
ويركز شتاينمان على أن مشكلة الكنفدرالية ليست فقط في البحث عن الحلول البديلة بل أيضا في التمتع بالاستقلالية التامة في الحصول على الطاقة، فحسب قوله “لقد ولى عهد النفط الرخيص” في الوقت الذي ترتفع فيه معدلات الإستهلاك للمرة الأولى في تاريخ سويسرا ليفوق حجم الإنتاج.
ويتزامن الإعلان عن تلك الدراسات التي يعدها المكتب الفدرالي للبيئة مع تشكيل لجنة برلمانية تضم غيري موللر من حزب الخضر عن كانتون آرغاو وريتو فيرلي من المسيحي الديمقراطي عن كانتون شفيتس ، سيحاولان تدشين حوار سويسري بين مختلف الأطراف العلمية والإقتصادية والسياسية للوقوف على كيفية التعامل مع مشكلة الطاقة في المستقبل، قبل أن يأتي اليوم الذي يصل فيع سعر برميل النفط إلى 100 دولار، وتحاول المجموعة البرلمانية الحصول على إجابات تضع تصوراتها الواقعية للتعامل مع موارد الطاقة في المستقبل.
يدرك السويسريون أن الإستقلالية في الحصول على الطاقة من أهم مقومات الإقتصاد القوي ولذا يحرصون على أن تكون لديهم مواردهم الخاصة ومن أكثر من مصدر، فالكنفدرالية لا تنظر إلى الطاقة على انها للإستهلاك فقط بل هي من أسلحتها التي تواجه بها تحديات القرن الجديد في مجالات التقنية والعلم والإبتكار.
سويس انفو مع الوكالات
يبلغ متوسط استهلاك الفرد العادي للطاقة الكهربائية في سويسرا قرابة 33000 كيلو وات/ساعة في العام، أي ما يعادل 3300 لترا من النفط.
تعتمد سويسرا على النفط والغاز الطبيعي بنسبة 66% كمصدر للطاقة والباقي من محطة الطاقة النووية والطاقات البديلة مثل المياه والشمس والرياح.
ارتفع استهلاك الطاقة في عام 2005 بشكل فاق الإنتاج المحلي مما دفع سويسرا إلى الإستيراد من دول الجوار.
لا يريد الخبراء السويسريون الإنتظار حتى اليوم الذي يصل فيه معدل استهلاك الطاقة إلى حجم أعلى من انتاجها، مع تهالك مفاعلها النووي وزيادة اسعا النفط وزيادة الإستهلاك أيضا بشكل غير عادي.
يتوقع الخبراء زيادة معدلات الإستهلاك بنسبة قد تصل إلى 25% مما هي عليه الآن ومواصلة ارتفاع اسعار النفط.
من بين الحلول المطروحة ترشيد الإستهلاك مع ربطه بعقوبات للمخالفين ودراسة احتمالات استخدام الطاقات البديلة مع الطاقات المعروفة حاليا وتكثيف البحث عن حل لمشكلة النفايات النووية.
من المتوقع أن تصدر في نهاية هذا العام دراسة تفصيلية حول هذا الملف.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.