مستقبل واعد للطاقات البديلة في سويسرا
رغم حرصها الشديد على احترام البيئة، مازالت سويسرا تحتل مكانة متواضعة وسط أوروبا في مجال إنتاج واستهلاك الطاقات البديلة.
لكن معالم النهوض من أجل تدارك الموقف باتت تتضح من خلال الاهتمام المتزايد بالغاز الطبيعي والوقود المستخلص من زيت السلجم لتشغيل محركات سيارات صديقة للبيئة ولجيوب المستهلكين…
أدرك العالم خلال الأزمة النفطية الأولى لعام 1973 الضرورة الملحة لإيجاد طاقات بديلة للذهب الأسود الذي يتحكم في الأسعار وحتى في تحديد مصير الشعوب. وكيف لا وهو قادر على إيقاد النيران والحروب على حد سواء…
وبعد مرور أكثر من ثلاثة عقود، اتضح أن العالم، بزعامة الدول المتقدمة، قطع مشوارا هاما في هذا المجال إذ أصبحت “الطاقات البديلة” و”الطاقات المُتجددة” من أبرز الانشغالات والطموحات الدولية في مجال الحفاظ على البيئة وإنعاش الاقتصاد.
وتحول جزء، ولو بسيط جدا، من أحلام مضاهاة الذهب الأسود إلى حقيقة في عدد من دول العالم، عبر استخدام الطاقة الشمسية أو الكهرباء أو الغاز الطبيعي على سبيل المثال لتشغيل آلات أو سيارات كانت لزمن قريب رهينة الوقود.
بوادر استفاقة
وفي سويسرا، التي مازالت تحتل مكانة متواضعة جدا وسط أوروبا في مجال إنتاج واستهلاك الطاقات البديلة، بدأت تظهر معالم النهوض من أجل تدارك الموقف. فقد كثر الحديث خلال السنوات القليلة الماضية عن الاهتمام المتزايد بالغاز والوقود الطبيعيين لتشغيل السيارات، وعن المستقبل الواعد للطاقات البديلة.
ويذكر في هذا السياق أن استهلاك الغاز الطبيعي في سويسرا سجل رقما قياسيا خلال عام 2004، إذ بلغت المبيعات 35,039 مليار كيلووات في الساعة، أي بارتفاع بنسبة 3,2% مقارنة مع عام 2003.
وكانت الجمعية السويسرية للصناعة الغازية “ASIG” قد شددت يوم 23 مارس 2005 – بمناسبة الإعلان عن ذلك الرقم القياسي الجديد – على أن الغاز الطبيعي “مصدر طاقة يحترم البيئة ولا يزيد من خطورة المشاكل المرتبطة بوسائل النقل الأرضية”. ورغم هذه القناعة، لم يتعدى الاستهلاك السويسري للغاز الطبيعي 11% من إجمالي استهلاك الطاقة في البلاد في عام 2004، بينما ناهز المعدل الأوروبي 24%.
مزايا عدة
لكن التوقعات تشير إلى أن سوق الغاز الطبيعي سيشهد انتعاشة ملحوظة في سويسرا ابتداء من عام 2007، إذ يهدف برنامج استثماري إلى مضاعفة عدد محطات توزيع الغاز الطبيعي التي لا تتعدى 52 محطة حاليا في مختلف أنحاء البلاد.
أما السيارات التي تعمل بالغاز الطبيعي -(1200) حاليا- فيسعى المروجون لهذه الطاقة البديلة إلى رفع عددها إلى 30 ألف بحلول عام 2010. وعلى سبيل المقارنة، تتوفر إيطاليا المجاورة على نصف مليون من تلك السيارات البيئية، بينما تعمل كافة سيارات الأجرة في العاصمة الألمانية برلين بالغاز الطبيعي.
ولعل الامتيازات الاقتصادية التي يتيحها استعمال الغاز الطبيعي من أقوى المحفزات التي ستدفع المستهلك السويسري نحو هذه الطاقة البديلة. فثمن لتر واحد من الغاز الطبيعي يقل بـ30 سنتيما مقارنة مع البنزين (1,16 فرنك)، أي ما يعادل توفيرا سنويا يقدر بـ600 فرنك بالنسبة لمستهلك عادي.
أضف إلى ذلك التخفيض بنسبة 30% على رسوم السيارات التي تعمل بالغاز الطبيعي والكهرباء. كما يـُنتظر أن يتراجع سعر الغاز الطبيعي بـ40 سنتيما بحلول عام 2007، بينما لا يكف سعر البنزين عن الارتفاع. وتجدر الإشارة بهذا الصدد إلى أن سعر النفط تضاعف منذ عام 2003 بينما لم تتجاوز نسبة ارتفاع الغاز الطبيعي 8%.
هذه المزايا لا تغري أصحاب السيارات فحسب، بل باتت تجتذب الشركات المتوسطة والصغرى التي يتوجه عدد منها نحو أقلمة المعدات لتشغيلها بالغاز الطبيعي. فعلى سبيل المثال، أقدمت شركة “الإخوة موراندي” لصنع الآجر في ضواحي جنيف منذ عام على اعتماد الغاز الطبيعي لتشغيل المعمل. ويعني استغناء الشركة عن المازوت تفادي انبعاث ما لا يقل عن 2200 طن من ثاني أوكسيد الكاربون سنويا! وهو الغاز المتسبب في انتشار ظاهرة الدفيئة المعروفة أيضا بالاحتباس الحراري.
زهرة السلجم لتشغيل السيارات..
وموازاة مع الجهود الرامية إلى تشجيع استهلاك الغاز الطبيعي، ظهر في سويسرا قبل سنوات قليلة الوقود الطبيعي المستخلص من زهرة السلجم الصفراء. هذا الوقود المنتشر بكثرة في ألمانيا، بدأ يُنتج في سويسرا منذ عام 1996 بفضل تعاونية “إيكو إينيرجي” السويسرية لإنتاج الوقود الطبيعي في كانتون فو.
غير أن الوقود المستخلص من السلجم ليس أقل تلويثا للبيئة من الوقود العادي، لأن انبعاثاته شبيهة بانبعاثات محركات الديزيل. لكن الفرق يكمن في كون انبعاثات وقود السلجم تعد من الطاقات المتجددة بما أن ثاني أوكسيد الكاربون الذي ينجم عنها من أصل نباتي، وبما أن ما ينتج عن حرق زيت السلجم يعود ليغذي تركيبة حقوق السلجم الذي يُُستخلص منها.
وتنتج تعاونية “إيكو إينيرجي” 2,2 مليون لتر من الوقود الطبيعي سنويا وتزود ثمان محطات في منطقة برن. ورغم محاولات المزارعين في مناطق أخرى لاستخلاص وتسويق زيت السلجم، مازال مستوى الإنتاج في سويسرا ضعيفا، وبالتالي لا يقوى بعد على إغراء المجموعات النفطية الكبرى كما هو الحال في فرنسا أو ألمانيا.
الثمن واحد، لكن المنفعة مختلفة
وجدير بالذكر أن إحدى أهم ميزات الوقود الطبيعي عدم تطلب استعماله لتعديل تقني للمحرك. إذ يمكن أن يتم بالتناوب تزويد سيارة ديزيل بالمواصفات القياسية بالوقود الطبيعي والوقود العادي. لكن يشار هنا إلى أن بعض شركات صناعة السيارات تهدد بعدم احترام ضمانة إصلاح السيارات في المصنع مبررة ذلك بأن الوقود الطبيعي يضر أكثر بمكونات المحرك.
غير أن ماركات شهيرة ترحب باستعمال الوقود الطبيعي لبعض نماذجها لأن هذا الوقود يحظى بشعبية كبيرة في دول مثل ألمانيا التي تتوفر بعد على 1600 محطة لتزويد الوقود الطبيعي (حسب المعطيات التي أوردتها مجلة إبدو السويسرية الصادرة بتاريخ 1/7/2004).
أما على مستوى السعر، فيظل الوقود الطبيعي والديزيل متساويين تقريبا، حيث يكلف كل منهما زهاء 1,30 فرنك للتر الواحد. لكن مقترح الحكومة الفدرالية برفع سعر البنزين التقليدي بـ6 سنتيما بحلول عام 2010 والاسعار المتزايدة للنفط عموما قد يشجع المستهلك السويسري على اختيار الوقود الطبيعي مستقبلا (في حال توفره بالقدر الكافي في السوق بطبيعة الحال)، فهو سيساهم بذلك على الأقل في تقليل حجم الضرر اللاحق بالبيئة.
إصلاح بخات – سويس انفو
في سويسرا، تعمل 1200 سيارة فقط بالغاز الطبيعي. ويؤمل أن يرتفع عددها إلى 30 ألف بحلول عام 2010.
تتوفر سويسرا على 52 محطة فقط لتوزيع الغاز الطبيعي. ويتوقع أن يتضاعف عددها ابتداء من عام 2007.
في إيطاليا، بلغ عدد تلك السيارات 500 ألف، بينما تعمل سيارات الأجرة في مدينة برلين الألمانية بالغاز الطبيعي.
يقل سعر الغاز الطبيعي في سويسرا بـ30 سنتيما مقارنة مع البنزين، أي ما يعادل توفيرا بـ600 فرنك في السنة بالنسبة لمستعمل عادي.
يستفيد مستخدمو السيارات التي تعمل بالغاز الطبيعي وبالكهرباء بتخفيض بنسبة 30% على رسوم السيارات في سويسرا.
بحلول عام 2007، يتوقع أن ينخفض سعر الغاز الطبيعي في سويسرا بـ40 سنتيما للتر الواحد.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.