مصر وأوروبا.. سنة ثالثة شراكة
إذا كانت اتفاقية الشراكة المصرية الأوروبية، نظرياً، تعكس نهج عملية برشلونة وتضم أحكاما تتعلق بثلاث من ركائز الشراكة الأورو- متوسطية، وهي على وجه التحديد: الحوار السياسي والتكامل التجاري والاقتصادي والتعاون الاجتماعي والثقافي...
فهل نجحت الاتفاقية، عملياً، وبعد مرور 3 سنوات، في تحقيق أهدافها؟ وهل هناك جدوى من استمرارها؟ وماذا عن الملاحق السياسية والاجتماعية والثقافية للاتفاقية؟
كشف خبراء مصريون متخصصون في الاقتصاد، عن عدم تحقق الاستفادة المستهدفة من اتفاقية الشراكة المصرية الأوروبية، رغم مرور 3 سنوات على توقيعها. كما طالبوا بتطوير الصناعة المصرية لتكون جديرة بالمنافسة في السوق الأوروبي الواسع، مشيرين إلى أن التخوف من تدهور أوضاعها في ظل منافسة المنتج الأوروبي، سيظل قائماً ومشروعاً طالما كانت غير قادرة على المنافسة.
وأشار الخبراء إلى أن وجود العديد من القيود الروتينية، حال دون تنفيذ الاتفاقية على النحو الأمثل، كما كان عائقاً لتطوير الصناعة المصرية، ومن ثم ازدهار الاقتصاد وخروجه من حالة الركود التي يعيشها الآن، منتقدين عدم تحقيق شيء من الملاحق السياسية المرفقة بالاتفاقية، والتي نصّـت على ضرورة دعم أوروبا للحريات والديمقراطية في مصر.
عوائق كثيرة
في البداية، يقول الدكتور حسين عمران، رئيس قطاع البحوث والمعلومات بوزارة التجارة والصناعة في تصريحات خاصة لسويس إنفو: “إن أهم العوائق التي تقف أمام الاستفادة الكاملة من الاتفاقية، هي وجود بعض القيود الروتينية المتمثلة في الاشتراطات الموضوعة لنفاذ المنتجات المصرية للسوق الأوروبية، مثل المواصفات الموجودة في التعبئة والتغليف، والتي تشترط أن تكون من مواد صديقة للبيئة، أما العائق الثاني، فيتمثل في أن الموانئ الموجودة على الساحل الأوروبي، أغلبها يضع قيودًا وشروطاً لدخول المنتجات المصرية، وأحياناً يتم اختيار المنتج، ثم يتم رده بحجة أنه غير مطابق للمواصفات، مطالباُ باستخدام عامل “الخط الأخضر” الذي يسمح بدخول المنتجات بين البلدين، طالما تم الكشف عنها في أحد البلدين”.
ويضيف عمران أن ارتفاع تكاليف الشحن، من المعوقات التي تقف حائلا أمام نفاذ المنتجات المصرية إلى السوق الأوروبي، موَضحاً أنه “رغم اتساع السوق الأوروبي، بعد زيادة عدد الدول المشاركة فيه إلى 27 دولة، إلا أن مصر لم تستفد من تلك الزيادة حتى الآن، رغم أننا نُـصدّر لهم زراعتنا في غير أوقات الزراعة لديهم”.
ورداً على سؤال حول أكثر الدول استثماراً في مصر، قال عمران “إيطاليا هي أكثر الدول، تليها بريطانيا”، مضيفاً أن “إيطاليا تُعد أيضاً من أكبر الأسواق المفتوحة أمام المنتج المصري، وأن أكثر المنتجات المصرية رواجاً بأوروبا، المنسوجات والجلود والرخام، أما سوق أوروبا الشرقية، فإنه يقبل على “مستحضرات التجميل والمصنوعات الغذائية، مثل اليوسفي المجفف والبرتقال المجفف، بينما تأخذ ألمانيا الأعشاب الطبية، والدنمرك البطاطس”.
جمود هيكلي
ويتفق الدكتور فرج عبد الفتاح، رئيس قسم السياسة والاقتصاد بمعهد البحوث الإفريقية بجامعة القاهرة والنائب السابق لمدير المعهد، مع الدكتور عمران في الحديث حول العوائق، ويقول: “رغم مرور 3 سنوات على توقيع الاتفاقية، لا توجد إشارة تُـفيد بالتطور في هذا المجال، بل أن الفروق النسبية لتكوين الناتج المحلي في مصر لا زالت ثابتة، وهو ما يعني حالة جمود في الهيكل الاقتصادي المصري”.
ويضيف عبد الفتاح: “معروف أن المرحلة الأولى من المراحل الأربعة للاتفاقية، والتي تنتهي في شهر يونيو 2007، هي مرحلة خاصة بالسِّـلع منخفضة الضريبة، وبالتالي، فإنه كان معروفاً من البداية أن آثار إزالة القيد الجُـمركي عن هذه السِّـلع ستكون محدودة”، غير أن “العبرة بباقي المراحل الأخرى، ومدى تأثيرها على حصيلة الموارد السيادية في الاقتصاد المصري”.
واستطرد قائلاً “إن الجمارك تُـمثل أحد أهم هذه العناصر المغذية للموارد العامة، كما أن الموازنة العامة لمصر تُعاني من حالة عجز مستمر، ومن ثَـم، فإن ما نخشاه هو تفاقم هذا العجز في ظل التخفيضات التي سترد في المراحل الثلاث الباقية”.
تخوفات من تدهور الصناعة المصرية
ويضيف عبد الفتاح أن التخوف الثاني، يتمثل في أن الأسواق الأوروبية كانت قد حدّدت حصّتها من المنتجات الزراعية المصرية، واليوم تطالعنا التصريحات الرسمية بأنه سيُـعاد النظر في نظام الحِـصص للمنتجات الزراعية المصرية المصدرة لأوروبا، فهل المقصود زيادة الحصص الزيادة الطبيعية، أي الزيادة بمعدل متناسب مع نمو الاقتصاد الأوروبي والمصري أم أن القيود على الحِصص ستزال بالكامل؟ مشيراً إلى أن “هذا غير واضح، وإن كُـنت أعتقد أن الاتفاق لن يذهب إلى إزالة الحِـصص بالكامل”.
ويشير عبد الفتاح إلى أن تخوُّفه الثالث يعود إلى أن الاتفاقية تضمّـنت بنودا خاصة ببرامج تحديث الصناعة للاقتصاد المصري، لتستطيع أن تتطور وتساير المقاييس العالمية وتدخل الأسواق الأوروبية مستوفاة الشروط وتستطيع المنافسة، متعجِّـباً من أنه “رغم مُـضي 3 سنوات من تنفيذ الاتفاقية، لا توجد أية إشارة على التطور في هذا المجال”، مؤكّـداً أن “ما يتردّد عن وجود نمو، لا يعني حدوث التنمية المطلوبة، لأن مرجعه إلى زيادة الأسعار العالمية للبترول والغاز الطبيعي”.
ويتساءل عبد الفتاح: “هل استطاعت الصناعة المصرية أن تُـطور من نفسها لكي تغزو الأسواق الأوروبية أم أن بنود الاتفاقية تفتح الباب على مِـصراعيه للمنتجات المصرية غير الموجودة أصلاً؟” مشيراً إلى أن “تخوفّـنا من تدهور أوضاع الصناعة المصرية في ظل منافسة المنتج الأوروبي، يظل تخوفا قائما ومشروعا، طالما كانت الصناعة المصرية غيرُ قادرة على المنافسة”.
“اتفاقية تسويقية”!
ويتفق الخبير الاقتصادي المصري سمير نوفل، مع الدكتور عبد الفتاح في تخوّفاته على مستقبل الاتفاقية، ويضيف أن عدم استفادة مصر من الاتفاقية، يعود بالأساس إلى أن مسألة نقل التكنولوجيا لمصر، المنصوص عليها في الاتفاقية بهدف رفع الكفاءة الصناعية عبر الاحتكاك بالمنتج الأوروبي، لم يتحقق منها شيء حتى الآن، معتبراً أن “الاتفاقية تسويقية، تهدف إلى فتح أسواق فقط، وأنه لا يوجد بها ما يلزم الطرف الأوروبي بنقل التكنولوجيا للطرف المصري”.
ويكشف نوفل عن أن “الاتفاقية كانت تضُـم بين بنودها ملاحِـق سياسية، فليست كلها بنودا اقتصادية، غير أن هذه الملاحق لم يتحقق منها شيء، فأين الكلام عن دعم الحريات ومزيد من المشاركة والديمقراطية؟، لا توجد هناك خطوة إيجابية واحدة في هذا الملف”.
ويعتبر نوفل أن الجانب الأوروبي هو المستفيد الأول من هذه الاتفاقية، حيث أنها فتحت، من ناحية، السوق المصري أمام المنتج الأوروبي بدون قيود جمركية، ومن ناحية أخرى، أفادت الاتفاقية الطبقات الدنيا بأوروبا، خاصة الفلاحين ومحدودي الدخل، حيث وفّـرت لهم المنتج المصري بسعر رخيص وبدون جمارك”.
وأضاف بتهكم قائلا: “نحن ماهرون في عقد الاتفاقيات، ولكننا لا نستفيد منها على الوجه الأكمل”، مستدركاً بأن: “طبيعة المناخ في مصر تسمح بمنتجات على كفاءة عالية مثل الأرز، الذي يعتبر واحداً من أكفأ أنواع الأرز في العالم، وأن الاستفادة المثلى من الاتفاقية تتطلب القيام بعمليتي هيكلة وتخطيط الإنتاج”.
الأهداف المرجوة من الإتفاقية.. هل تتحقق؟
ويذكر نوفل أن “هناك تجارب عربية سبقتنا في هذا المجال، مثل المغرب التي بدأت قبلنا بسنوات التصدير إلى أوروبا، ثم تلتها تونس التي بلغ عائد صادرتها من الملابس فقط لأوروبا 5 مليار دولار خلال عام واحد، فيما لم يصل إجمالي ما صدّرته مصر لأوروبا بما فيه البترول إلى 5 مليار دولار!!
ويرجِّـع نوفل السبب في ذلك إلى أن “تونس عرفت كيف تتعامل مع السوق الأوروبي، بينما ما زلنا نجْـهل المواصفات القياسية للسوق الأوروبي، وبالتالي، فإننا نقوم أحيانا بتصدير بعض السِّـلع غير المُـستوفاة للشروط، فيرفضها السوق الأوروبي وتعود إلينا مرة أخرى بخسائر أكبر، مثلما حدث مع روسيا قبل شهور، عندما صدّرنا لها بطاطس، غير أنها أعادت إلينا الصفقة كاملة رافضة استلامها، لعدم مطابقتها للمواصفات”.
ويطالب الخبير بالاستفادة القُـصوى من القطن المصري “طويل التيلة”، الذي يُـعد من أفضل أنواع القطن في العالم، مشيراً إلى أن “السوق الأوروبي ينشط فيه بيع “الجينز” المصنوع من أسوأ أنواع القطن “قصير التيلة”، وأنه بإمكاننا الاستفادة من قُـطننا في التصدير لأنه يُـستخدم في صناعة الأقمشة المتميزة، مما يمكن أن يعطينا مِـيزة نسبية بالسوق الأوروبي”.
ويكشف نوفل أن من ضمن الأخطاء التي تقع فيها الحكومة المصرية، فرض السعر على الفلاحين مقدماً، مذكِّـراً بأن “الحكومة كانت – قديماً- تشتري قنطار القطن من الفلاح بـ 50 جنيه (9 دولار أمريكي) وتبيعه بـ 50 جنيه، مما جعل الثقة مفقودة بين الفلاح والحكومة.
ويخلص نوفل إلى القول بضرورة وضع “خُـطة قومية” بالسلع التصديرية المطلوبة، مثل سياسة التركيب المحصولي المناسب لتحقيق أعلى دخل للفلاح. ففي مرحلة ما كان بإمكاننا أن نُـحقق اكتفاءً في القمح، والآن للأسف نستورده من سوريا، وعليه، فلابد أن تتدخل الدولة بمساعدة الفلاح في التخطيط للتركيب المحصولي، وذلك لسد الاحتياجات المحلية وتوفير منتج مطلوب للتصدير.
أخيرا، إذا كانت اتفاقية الشراكة المصرية الأوروبية لم تنجح في تحقيق الأهداف المرجوّة منها “اقتصادياً” خلال السنوات الثلاث الأولى من تطبيقها، فهل يُؤمل في إمكانية نجاحها “سياسياً” في دعم المطالب الشعبية بمزيد من الحرية والديمقراطية؟ لا يمكن الجزم بأي شيء في الوقت الراهن لكن التجارب المشابهة في تونس والمغرب والأردن والجزائر لا تدعو للتفاؤل.
القاهرة – همام سرحان
يعد الاتحاد الأوروبي أكبر شريك تجارى لمصر، وبالتالي فالشراكة بين الجانبين يجب أن تقوم على هذا الأساس الجيد.
ليست اتفاقية الشراكة مجرد اتفاقية تجارية، فهي تغطّـي كافة العلاقات السياسية، وتشير صراحة إلى أهمية احترام حقوق الإنسان، كما تتضمن المواضيع الخاصة بالحوار بين الثقافات.
التعاون الاقتصادي المصري – الأوروبي ليس وليد اتفاق الشراكة المبرم في عام 2001، والذي دخل حيِّـز التنفيذ في يناير 2004، وإنما تمتد جذوره لعام 1977، حينما وقع اتفاق التعاون المالي والاقتصادي، غير أن الظرف العالمي اقتضى توسيع الاتفاق ليشمل جوانب متعددة.
تعتبر اتفاقية الشراكة جزءً من هدف أكبر، يتمثل في إنشاء منطقة أوروبية – متوسطية يسودها السلام والرخاء والتعاون، وذلك كجُـزء من عملية برشلونة، التي يلتزم بها الاتحاد الأوروبي بشكلٍ تام.
يؤمن الاتحاد الأوروبي أن العلاقات الدولية يجب أن تقوم – بقدر الإمكان – على معاهدات الشراكة والقانون الدولي، وهي خلاصة تجربته الناجحة، حيث قام بإعادة بِـناء قارة محطّـمة عقِـب الحرب العالمية الثانية، وهي خلاصة يمكن استخدامها مع إجراء التكييفات اللازمة خارج نطاق أوروبا، واتفاقية الشراكة، هي تعبير عن تلك الفلسفة.
تعكس اتفاقية الشراكة نهج عملية برشلونة، حيث تضم أحكاما تتعلق بثلاث من ركائز الشراكة الأورو – متوسطية، وهي على وجه التحديد: الحوار السياسي والتكامل التجاري والاقتصادي والتعاون الاجتماعي والثقافي.
وقد تم إبرام تلك الاتفاقية لفترة غير محدودة، وتتناول أهدافها العامة وضع إطار مناسب للتعاون والشراكة في السياق الإقليمي الأكثر اتساعاً، والبناء على التعاون البارز بين مصر والاتحاد الأوروبي في مجال المساعدات الإنمائية.
وينصبُّ جوهر اتفاقية المشاركة على إنشاء مِـنطقة تجارة حرة بين الإتحاد الأوروبي ومصر، وهو ما ينطوي على تحرير مُـتبادل للتعريفة الجمركية الخاصة بالسِّـلع الصناعية والزراعية.
اتفق الشركاء الأورو- متوسطيين في إعلان برشلونة (نوفمبر 1995) على إنشاء منطقة تجارة حرة أورو- متوسطية بحلول 2010 كموعد مستهدف.
وستشمل هذه المنطقة مع منطقة التجارة الحرة الأوروبية نحو 40 دولة، وتضم ما بين 600-800 مليون مستهلك، وستشكل واحدة من أهم الكيانات التجارية في العالم.
خصص برنامج منطقة البحر المتوسط، التابع للاتحاد الأوروبي بتخصيص مبلغ إجمالي قدره 8.8 مليار يورو لدول البحر المتوسط فيما بين 1995-2006، بمتوسط قدره 800 مليون يورو سنوياً، بالإضافة إلى 2 مليار يورو في شكل قروض من بنك الاستثمار الأوروبي.
بحلول عام 2010 سيتم تنفيذ منطقة التجارة الحرة الأورو – متوسطية ببُـعدها الشمالي – والجنوبي من خلال استكمال عقد اتفاقيات شراكة بين الاتحاد الأوروبي وكل دولة من دول البحر المتوسط، وكذا ببعدها الجنوبي/ الجنوبي من خلال إقامة مناطق تجارة حرة ثنائية أو إقليمية بين دول البحر المتوسط بعضها البعض.
عقد الاتحاد الأوروبي بالفعل اتفاقية شراكة مع كافة الشركاء المتوسطيين (باستثناء ليبيا)، بينما تم عقد العديد من اتفاقيات مناطق التجارة الحرة على مستوى الجنوب – جنوب، مثل اتفاقية أغادير (بين مصر والمغرب وتونس والأردن) أو اتفاقيات ثنائية للتبادل التجاري الحر بين تركيا وشركاء مختلفين في دول البحر المتوسط (المغرب وتونس والسلطة الوطنية الفلسطينية).
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.