مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

مناورات إيرانية.. وتصيّـد أمريكي

رئيس الوفد الإيراني زماني نيا يجيب عن أسئلة الصحافيين في مقر المنظمة الدولية للطاقة النووية في فيينا يوم 29 نوفمبر 2004 Keystone

"تشتري طهران المزيد من الوقت لتجنّـب الضغوط الأمريكية". هكذا أطل مركز الدراسات الإستراتيجية الروسي على التنازلات المهمّـة التي قدّمتها إيران مؤخّـراً إلى ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، والتي تضمّـنت وقف تخصيب اليورانيوم الضروري لإنتاج سلاح نووي.

هذا التقييم في محله، لكنه ليس كافيا، إذ ليس إيران وحدها من يُـحاول كسب الوقت.

فالولايات المتحدة أيضاً تشعر، على ما يبدو، أنها تستطيع الرّهان على الوقت (ولو على المدى القصير) في لعبة القط والفأر النووية هذه مع إيران.

كيف؟ أولاً، لنبدأ مع الشق الإيراني من لعبة الزمن.أكبر دليل على أن إيران تشتري الوقت، هو ذلك التشابه الشديد إلى حد التطابق بين الاتفاق الإيراني – الأوروبي في أكتوبر 2004، وبين الاتفاق الإيراني – الأوروبي في الشهر نفسه من العام الماضي حول مسألة البرنامج النووي.

ففي 21 أكتوبر، أبرمت طهران مع الثلاثي الأوروبي اتفاقا تتعهّـد فيه بوقف تخصيب اليورانيوم “مؤقتا”، إضافة إلى توقيع بروتوكول إضافي مُـلحق بمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، يسمح لوكالة الطاقة الذرية الدولية بإجراء عمليات تفتيش أوسع وأدق على المنشآت النووية الإيرانية.

آنذاك، أعلن كمال خرازي، وزير الخارجية الإيراني أن بلاده “أوقفت تخصيب اليورانيوم اختياريا.. ومؤقتاً. ولاحقاً، حين تعود علاقاتنا إلى طبيعتها مع وكالة الطاقة، سنستأنف حتماً عملية التخصيب”، في حين كان حسن روحاني، وزير المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، يُـوضح أن طهران وافقت على الطلبات الأوروبية، لأن هذا “أفضل طريق أمام بلادنا لتحقيق السيطرة على دورة الوقود النووي” حسب تعبيره.

وبعد اتفاق أكتوبر 2004، سارعت إيران إلى الإعلان (على لسان روحاني أيضاً) أن وقف تخصيب اليورانيوم “لن يدوم أكثر من أشهر قليلة، إلى حين الانتهاء من التفاوض على اتفاق بعيد المدى مع الأوروبيين”.

بالطبع، هذه “الألعاب المؤقتة” التي تريد بوضوح كسب الوقت، لم تنطل على واشنطن. هذا ما أكّـده الرئيس الأمريكي بوش بقوله إن الإيرانيين “وافقوا على تعليق، وليس إنهاء، برنامجهم للتسلح النووي، وموقفنا هو أن عليهم إنهاء هذا البرنامج كلياً”. فطالما ان واشنطن تعرف أن طهران تُـناور، فلماذا قرّرت المُـضي قُـدماً في اللعبة؟ لأنها (كما أشرنا) تلعب هي أيضا لٌـعبة الوقت:

– إنها تريد أولا، استخدام ورقة التفاوض الأوروبية ضد الأوروبيين أنفسهم، من خلال الإثبات لهم أن إيران لن تكون بعدَ حين في وارد وقف برنامجها النووي نهائياً، مهما كانت طبيعة مُـغريات بروكسل.

– كما تسعى ثانياً، إلى وقف تسلّـق سُـلّـم التصعيد مؤقتاً مع إيران، إلى حين انتهاء بوش من إعادة ترتيب بيته في ولايته الثانية.

– وأخيرا، إن واشنطن لا ترى بُـدّاً من احتساء كأس التفاوض الدبلوماسي حتى الثمالة، لمعرفتها أن روسيا والصين، وكذلك بريطانيا وفرنسا، التي تملك كلّـها حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن، لن تكون في وارد نقل “القضية الإيرانية” إلى الأمم المتحدة، ما لم تتأكّـد قبل ذلك، وبمائة في المائة، بأن إيران تنوي بالفعل امتلاك سلاح الآخرة النووي.

استراتيجيتان

ماذا تعني رقصة الوقت الإيرانية والأمريكية المشتركة هذه؟ إنها وببساطة، تعني أمراً واحداً: إيران مصمّـمة على امتلاك السلاح النووي، وأمريكا مصممة على منعها من ذلك. ولماذا تريد إيران حيازة “القنبلة”؟ لأسباب إستراتيجية عديدة:

– إنها تعتبر (وبإجماع نخبها السياسية)، أن القنبلة النووية هي السلاح الوحيد الذي يُـمكّـنها من الدفاع عن استقلالها، وعن بقاء نظامها، خاصة مع تطوير الولايات المتحدة لمبدأي مِـحور الشر والحروب الاستباقية، ومع وجود القوات الأمريكية على حدودها، في الغرب مع أفغانستان، وفي الشرق مع العراق.

– كما ترى أنها تعيش في بيئة إستراتيجية خطرة للغاية. فهي محاطة بدول كبرى ومتوسطة وصغيرة تمتلك كلها السلاح النووي: روسيا، وباكستان، والهند وإسرائيل.

– والاهم من هذا وذاك، أن لدى إيران طموحات إقليمية (وتاريخية) كبيرة في الخليج ومنطقة بحر قزوين وآسيا الوسطى والهلال الخصيب العربي. وبالطبع، أي من هذه الطموحات غير قابلة للتحقق، إذا ما كانت إيران مكشوفة إستراتيجيا، ومهددة عسكرياً.

وعلى الناحية الأخرى، لماذا تريد أمريكا منعها من امتلاك القنبلة؟ إنها تفعل ذلك لأسباب لا تقل إستراتيجية:

– فالولايات المتحدة، وبسبب اعتمادها على النفط الشرق أوسطي، وضعت نصب عينيها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، هدف جعل كل دول الشرق الأوسط معتمدة على حمايتها العسكرية، وقابلة لسيطرتها الاقتصادية والسياسية، مما يعني منع أي دولة في المنطقة (عدا إسرائيل) من امتلاك ما يكفي من القُـدرات والإمكانيات للاستقلال أو لممارسة نفوذ ما على مناطق النفط. وهكذا تم تدمير مصر الناصرية عام 1967، بعد أن تنامت قوتها الإقليمية، ثم عراق صدام حسين، بعد أن خرج قوياً من حربه مع إيران، وقبلهما إيران محمد مصّدق، حين حاول لعب دور قومي استقلالي.

– حصول الجمهورية الإسلامية الإيرانية على القنبلة، سيحوّلها إلى قوة إقليمية كبيرة قادرة على التأثير على الموارد النفطية، وتهديد الدول النفطية الأخرى التابعة لواشنطن. هذا إضافة إلى زعزعة استقرار النظام الأمريكي- الإسرائيلي المشترك في الشرق الأوسط. ثم إن إيران النووية ستَـحيد قوة إسرائيل الإقليمية، وستطلق سباق تسلّـح جديد، تنضم بموجبه السعودية وتركيا ومصر إلى النادي النووي.

كل هذه الاعتبارات دفعت كوندوليسا رايس، وزيرة الخارجية الأمريكية الجديدة إلى الإعلان بأن واشنطن “لن تتحمّـل وجود إيران نووية”. كما حفزت جون بولتن، مساعد وزير الخارجية لشؤون التسلح والأمن العالمي على القول أن واشنطن “مصممة على منع الإيرانيين من امتلاك القدرات النووية”.

سيناريوهات

يضع الإيرانيون نصب عينيهم ثلاثة خيارات:

الأول، وهو السيناريو الأفضل، أن تُـجبَـر الولايات المتحدة على الخروج من العراق. حينها، ستسارع إيران إلى امتلاك الأسلحة النووية بدون رادع، وإلى ضمان منطقة نفوذ لها في عراق يُـسيطر عليه الشيعة، أو في دولة شيعية مُـنفصلة في الجنوب. حينذاك، ستُـصبح إيران القوة المهيمنة في الخليج.

الثاني، وهو السيناريو الأسوأ، ويتضمن قيام الولايات المتحدة أو إسرائيل بشن ضربات وقائية على المفاعلات النووية الإيرانية، على أن يترافق ذلك ربما، مع جهود أمريكية لتغيير النظام القائم في طهران.

والثالث، وهو الأكثر واقعية، ويسير في اتجاهين بالنسبة لإيران:

1- إيجابي، وهو ما سيحدث إذا ما أُنهكت أمريكا في العراق، وإذا ما تمكّـنت طهران من تمديد المفاوضات النووية إلى ما لا نهاية، مستغلة الانقسامات بين الدول الكبرى.

2- سلبي، ويتجسّـد في طرد النفوذ الإيراني من العراق، وفرض عقوبات دولية عليها لفشلها في وقف برنامجها النووي، أو تخلّـيها بنفسها على البرنامج اتقاءً للحصار.

فأي هذه الخيارات الأقرب إلى التحقق؟ سيكون كل سيناريو مرتبطا بالمستوى الذي سيصله الصراع، سواء على الصعيدين الدبلوماسي والاقتصادي أولاً، ثم العسكري لاحقاً. كما سيكون مرتبطاً بنتائج حرب العراق، وبمدى قرب أو ابتعاد إيران عن امتلاك الخيار النووي.

لكن، هناك شيء واحد مؤكّـد: اللعب على الوقت، لا يمكن أن يستمر طويلاً. لا البيئة الإستراتيجية الخطرة في الشرق الأوسط تتحمل ذلك، ولا القوى المُـهيمنة على هذه البيئة (أمريكا وإسرائيل) تقبل به.

ففي لحظة ما، سيكون المؤقت مرفوضاً، وسيُـفرض الدائم، إما بقوة السلاح أو بضغوط دبلوماسية- اقتصادية، أو بقوة الأمر الواقع، إذا ما فاجأت إيران الجميع (ونفسها؟) بعبور الحاجز النووي وتفجير قنبلتها النووية الأولى.

سيناريوهات

يضع الإيرانيون نصب عينيهم ثلاثة خيارات:

الأول، وهو السيناريو الأفضل، أن تُـجبَـر الولايات المتحدة على الخروج من العراق. حينها، ستسارع إيران إلى امتلاك الأسلحة النووية بدون رادع، وإلى ضمان منطقة لها نفوذ في عراق يُـسيطر عليه الشيعة، أو في دولة شيعية مُـنفصلة في الجنوب. حينذاك، ستُـصبح إيران القوة المهيمنة في الخليج.

الثاني، وهو السيناريو الأسوأ، ويتضمن قيام الولايات المتحدة أو إسرائيل بشن ضربات وقائية على المفاعلات النووية الإيرانية، على أن يترافق ذلك ربما، مع جهود أمريكية لتغيير النظام في طهران.

والثالث، وهو الأكثر واقعية، ويسير في اتجاهين بالنسبة لإيران:

1- إيجابي، وهو ما سيحدث إذا ما أُنهكت أمريكا في العراق، وإذا ما تمكّـنت طهران من تمديد المفاوضات النووية إلى ما لا نهاية، مستغلة الانقسامات بين الدول الكبرى.
2- سلبي، ويتجسّـد في طرد النفوذ الإيراني من العراق، وفرض عقوبات دولية عليها لفشلها في وقف برنامجها النووي، أو تخلّـيها بنفسها على البرنامج اتقاءً للحصار.

فأي هذه الخيارات الأقرب إلى التحقق؟ سيكون كل سيناريو مرتبطا بالمستوى الذي سيصله الصراع، سواء على الصعيدين الدبلوماسي والاقتصادي أولاً، ثم العسكري لاحقاً. كما سيكون مرتبطاً بنتائج حرب العراق، وبمدى قرب أو ابتعاد إيران عن امتلاك الخيار النووي.

لكن، هناك شيء واحد مؤكّـد: اللعب على الوقت، لا يمكن أن يستمر طويلاً. لا البيئة الإستراتيجية الخطرة في الشرق الأوسط تتحمل ذلك، ولا القوى المُـهيمنة على هذه البيئة (أمريكا وإسرائيل) تقبل به.

ففي لحظة ما، سيكون المؤقت مرفوضاً، وسيُـفرض الدائم، إما بقوة السلاح أو بضغوط دبلوماسية- اقتصادية، أو بقوة الأمر الواقع، إذا ما فاجأت إيران الجميع (ونفسها؟) بعبور الحاجز النووي وتفجير قنبلتها النووية الأولى.

سعد محيو – بيروت

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية