من أجل إعادة تأهيل التعليم العالي في العراق
رحّـبت الدول الكبرى بالمبادرة التي أطلقتها قرينة أمير قطر والمبعوث الخاص لمنظمة اليونسكو لشؤون التعليم، الشيخة موزة بنت ناصر المسند، لإنشاء صندوق عالمي لدعم التعليم العالي في العراق.
وستكون لهذا الصندوق إدارة مشتركة بين مؤسسة قطر للتعليم والمنظمة الدولية، وهو مفتوح للتبرعات العمومية والخاصة
لاقت مبادرة إنشاء صندوق دولي لإعادة تأهيل التعليم العالي في العراق، التي أطلقتها قرينة أمير قطر والمبعوث الخاص للتعليم لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة، اليونسكو، تأييدا دوليا لافتا.
وقد توالت المواقف الداعمة لهذه المبادرة من عواصم القرار في العالم ومن المنظمات الدولية، بما أصبح يمكن معه القول، إن المبادرة التي أعلنتها الشيخة موزة بنت ناصر المسند مؤخرا أمام منظمة اليونسكو في باريس، فاتحة باب التبرعات للصندوق بـ 15 مليون دولار، باتت تملك القدرة الذاتية اللازمة لانطلاق العمل على الأرض.
ويأمل المسؤولون عن مؤسسة قطر للتربية والتعليم وتنمية المجتمع، التي ترأسها الشيخة موزة، التي وقّـعت على مذكرة إنشاء الصندوق مع المدير العام لمنظمة اليونسكو “كوشيرو ماتسوري” أن تبدأ السنة الدراسية المقبلة في العراق في ظروف جيّـدة نسبيا.
وقد حزم المجتمع الدولي أمره من المبادرة وجمع لها ما يكفي لإطلاقها قبل نهاية العطلة الصيفية، لكي لا يهدر الطلبة العراقيون موسما دراسيا آخر. كما بدا واضحا من نص مذكرة التفاهم بهذا الخصوص، أن الجانب القطري الذي أحكم صياغة المذكرة، لا يريد للمبادرة أن تضيع وسط البيروقراطية والروتين الإداري للمنظمة الأممية، ولا أن تصرف أموال الصندوق على رواتب الموظفين وعلى مهماتهم. فلا يلحق الهدف الأصلي منها إلا الفتات.
لذلك، ورغم ما تم التنصيص عليه من إدارة مشتركة للصندوق بين مؤسسة قطر واليونسكو، فإنه من الواضح أن الجانب القطري يملك بقوة المذكرة سلطة إدارة الصندوق والتحكم في وجوه صرفه بعد أن يتم تحديدها انطلاقا من معطيات الحاجة في مؤسسات التعليم العالي العراقي.
لكن المهمة المقبلة لا تبدو يسيرة أمام الفريق القطري الذي تم تشكيله لمتابعة عمل الصندوق. فقد بدأت التعقيدات بتعذر حضور وفد جامعي عراقي إلى باريس لكي يشهد إعلان المبادرة، وألغي بذلك غداء عمل كانت الشيخة موزة صاحبة المبادرة تتطلّـع أن تبدأ منه حملة جمع التبرعات.
لكن القائمين على المبادرة التفتوا سريعا للبحث عن حلول عملية أخرى قد يكون من بينها إرسال وفد من مؤسسة قطر التعليمية إلى العراق، للاجتماع بالجامعيين هناك، وتحديد حاجياتهم الأكيدة والعاجلة قبل الموسم الدراسي المقبل، أو ربما قد يصل وفد من هؤلاء إلى الدوحة في وقت قريب لاستكمال ما تم بدأه في باريس.
دعم الصندوق لنجاح المبادرة
وبالنظر إلى الاحتياجات الهائلة والملحـة للمؤسسات الجامعية والأكاديمية في العراق، وعلى ضوء ما تعرض له بعضها من تدمير ونهب بعد سقوط نظام صدام حسين، يحتاج الصندوق العالمي لإعادة تأهيل التعليم العالي في العراق إلى مساهمات مالية عاجلة. ويطرح المراقبون هنا أسئلة حول مدى السخاء الذي ستظهره مختلف دول العالم للمشاركة في هذا الصندوق فيما يشبه اختبارا للنوايا.
ورغم أن المواقف السياسية جاءت مشجعة من الحكومات الفرنسية والأمريكية والصينية وأخرى، وما عبّـر عنه الأمينان العامان لمجلس التعاون الخليجي والجامعة العربية من ترحيب وتأييد لمبادرة الشيخة موزة المسند، فإن لا أحد إلى حد الآن، ما عدا قطر واليابان، جسّـد هذا الترحيب بالإسهام المباشر في تمويل الصندوق.
لكن ذات المراقبين رأوا في دعوة الخارجية الأمريكية “للمؤسسات والدول الأخرى للمساهمة في هذا الصندوق” حفزا مهما لهمم المترددين الذين قد يكون راودهم التساؤل لوهلة حول مدى رضى الإدارة الأمريكية عن مثل هذا المشروع في العراق.
وتعكف الشيخة موزة بنت ناصر المسند على وضع خطة عمل فـعّـالة لمستقبل الصندوق، وهي تستعد للقيام بجولات مكوكية بين عدد من العواصم لتأمين الدعم المادي له. وتعتقد أن ما حدث ليس إلا بداية لعمل دؤوب يجب أن تسنده لجنة متابعة وأخرى لتدقيق عمليات الصرف.
وقد ذهبت قرينة أمير قطر، انطلاقا من اهتمامها الكبير بقطاع التربية والتعليم، إلى درجة اقتراحها في المحاضرة التي ألقتها أمام مؤتمر اليونسكو “قيام منتدى عالمي للتعليم يختص في بحث العلاقة بين التعليم والديموقراطية”، مذكّـرة بدور العراق الريادي في ميادين الثقافة والعلوم، داعية إلى مساعدته لاستعادة دوره وإشعاعه.
ليست فقط السيدة الأولـى في قطـر
كرّست الشيخة موزة بنت ناصر المسند اهتمامها بالمجالات التعليمية والاجتماعية في بلادها منذ تولي زوجها الأمير حمد بن خليفة آل ثاني مقاليد الحكم في قطـر في 27 يونيو 1995، وهي معروفة بكفاءتها وقوة حضورها وتركيز اهتمامها على القضايا التربوية والاجتماعية، مما أهلها لأن تصبح مفوضة سامية فوق العادة لشؤون التربية والتعليم في منظمة اليونسكو.
وترعى الشيخة موزة عدة أنشطة اجتماعية وتربوية، من أهمها “مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع”، التي تضم عدة أجهزة تعليمية واجتماعية مستقلة، تتميز بجودة عالية في الأداء، مثل كلية الطب “وايل كورنيل” الأمريكية، وجامعة “فرجينيا كومنولث”، و”تكساس اي اند ام”، ومعهد “راند” للتحليلات السياسية والإستراتيجية، والجسر الأكاديمي، ومركز التعليم، ودار تنمية الأسرة.
وترأس الشيخة موزة بنت ناصر المسند المجلس الأعلى لشؤون الأسرة، الذي تم إنشاؤه في قطر سنة 1998، وهو الهيكل الذي أراده الأمير حمد بن خليفة آل ثاني، مرادفا لما يعرف بوزارات شؤون المرأة والأسرة في عدد من الدول العربية، وتساعدها في إدارته شقيقة الأمير، الشيخة حصة بنت خليفة بن حمد آل ثاني، التي عُـيّـنت مؤخرا نائبة للمجلس الأعلى لشؤون الأسرة بدرجة وزير.
وفي إطار خطّـة قرينة أمير قطر لتطوير قطاع التعليم، أعلنت أمام مؤتمر اليونسكو عن خطة لإنشاء معاهد عليا لإدارة الأعمال وعلوم الكومبيوتر ضمن مؤسسة قطر. وبذلك، استطاعت هذه السيدة الأربعينية إضفاء جرعة كبيرة من التحديث على التعليم في قطر، مكّـنت الدوحة من المفاخرة بأنها إحدى الدول العربية القليلة التي تفطنت إلى ضرورة البحث عن آفاق أخرى للتعليم قبل أن يصبح ذلك مطلبا أمريكيا في الخليج بعد أحداث 11 سبتمبر.
وقد استضاف مجلس شؤون الأسرة مؤخرا مؤتمرا وضع تصورا لاستراتيجية عربية للأسرة، ورفع إطارا عاما لاستراتيجية الأسرة سيتم عرضه على القمة العربية المقبلة لاعتماده.
وقد تخرجت الشيخة موزة بنت ناصر المسند من جامعة قطر في اختصاص علم الاجتماع سنة 1986، مما أتاح لها يسرا في الاهتمام بالمسائل الاجتماعية. وتوفّـقت سيدة قطر الأولى، التي هي أيضا والدة ولي العهد الشيخ جاسم بن حمد آل ثاني، في الجمع بين الانفتاح على العالم وانتهاج الحداثة من جهة، والحرص على احترام تقاليد وتوازنات المجتمع القطري المحافظ من جهة أخرى.
وأكسبها انحدارها من عائلة قطرية عريقة، فاعلية في عملية دفع المرأة القطرية إلى اقتحام مجالات لم تكن في متناولها سابقا. ورغم العدد الكبير من الفعاليات الاجتماعية التي تتابعها وتشرف عليها بشكل شخصي، إلا أن صورتها لا تظهر في الصحف أو التلفزيون إلا في مناسبات محدودة. لكنها سمحت للمصورين بالتقاط صور حديثة لها وهي تلقي محاضرتها في مقر اليونسكو وتوقع مع مديرها العام مذكرة التفاهم الخاصة بالتعليم العالي العراقي في إشارة واضحة إلى الأهمية التي توليها لهذا الملف الدولي.
فيصل البعطوط – باريس
تم التوقيع على إنشاء صندوق عالمي للتعليم العالي في العراق في مقر اليونسكو يوم 23 يونيو 2003
تساهم قطر بمبلغ 15 مليون دولار في الصندوق
أعلنت اليابان تقديم مليون دولار لدعم الصندوق
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.