من قضية الى أخرى السجناء السياسيون في مصر “بلا نهاية في الأفق”
في السجون المصرية المكتظة، يواجه السجناء السياسيون المصريون خطر البقاء لسنوات طويلة بسبب اتهامات جديدة قد توجهها لهم السلطات الأمنية قبل إخلاء سبيلهم، ما يعني تمديد حبسهم تلقائيا الى مدة غير معروفة.
وبات الناشطون الحقوقيون والمحامون يطلقون على هذه الظاهرة اسم “التدوير”، في إشارة الى إعادة توجيه الاتهامات نفسها تقريبا ولكن في قضايا جديدة، بهدف واضح هو عدم خروج المعتقلين من السجن. وبذلك ينتقل السجناء كمتهمين من قضية الى أخرى ما قد يؤدي الى بقائهم في الحبس سنوات طويلة حتى لو صدر قرار بإخلاء سبيلهم في القضية الأساسية التي احتجزوا بسببها.
في تشرين الثاني/نوفمبر 2019، تم توقيف الصحافية سولافة مجدي (33 عاما) وزوجها المصور الصحافي حسام السيد وصديق لهما في مقهى في ضاحية راقية بالقاهرة. وتم توجيه اتهامات للثلاثة بالانضمام الى جماعة إرهابية ونشر أخبار كاذبة.
في آب/اغسطس 2020، وجهت الى مجدي اتهامات في قضية جديدة بإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي أثناء وجودها في الحبس في حين لم يكن مسموحا لها باستخدام أي هاتف داخل السجن.
وتقول تغريد زهران، والدة سولافة مجدي التي ترعى ابن الزوجين المحبوسين خالد، “ابنتي (متهمة) في قضيتين الآن وهذا في حد ذاته مصيبة”.
وتضيف “أريد أن ينتهي هذا الكابوس.. نريد أن نفيق منه وأن نعيش حياتنا الطبيعية.. ما نمرّ به غير طبيعي”.
في مطلع شباط/فبراير، قالت منظمة العفو الدولية إن مجدي أجبرت على إجراء فحص مهبلي ما أدى الى إصابتها بنزيف حاد وإنه تم تجريدها من ملابسها لتفتيشها وتعرضت لضرب عنيف من حراس السجن.
وتتساءل والدتها “كيف يمكن أن توضع أمّ في السجن وابنها عمره سبع سنوات؟. اذا استمر الحال هكذا، ستجده مراهقا عندما تخرج.. قلبي يتمزق عليها طوال الوقت”.
-“لا نهاية في الأفق”-
وتقول المنظمات الحقوقية إن قرابة 60 ألف سجين سياسي موجودون في السجون المصرية بينهم إسلاميون وعلمانيون وأكاديميون وصحافيون ومحامون وفنانون.
وتخشى مديرة الإدارة القانونية في مركز التحرير لسياسات الشرق الاوسط في واشنطن مي السعدني أن يكون تمديد الحبس الاحتياطي “إجراء عقابيا” تلجأ إليه السلطات لإسكات المعارضين منذ تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي السلطة في العام 2014.
وبحسب القانون المصري، يمكن أن يستمر الحبس الاحتياطي لمدة عامين.
وتقول السعدني “يمكن لسجين يتوقع أن يتمّ الإفراج عنه بعد انتهاء فترة حبسه الاحتياطي أو على الأقل إحالته الى القضاء وبدء محاكمته، أن يتعرض في الواقع لإعادة تدوير الاتهامات الموجهة اليه في قضايا جديدة بدون حدود… لا نهاية في الأفق”.
وتشعر السعدني بالقلق على السجناء المحبوسين وفقا لهذا النظام الذي لا يوجد آلية قانونية للاعتراض عليه.
وتقول السعدني “أصبح +طبيعيا+ أن يتم حبس المتهمين احتياطيا بعد توقيفهم بدلا من إخلاء سبيلهم الى حين محاكمتهم، وأصبح +طبيعيا+ أن يُمنع المحامون من الاطلاع على ملفات القضايا والأدلة والتحقيقات، وأصبح +طبيعيا+ أن يتم تمديد الحبس الاحتياطي”.
ولم تتمكن وكالة فرانس برس من الوصول الى مكتب النائب العام للحصول على تعليق على هذا الموضوع.
– “سنوات ضائعة في السجن” –
في بداية الشهر الجاري، أنهى عبد الرحمن طارق (26 عاما) إضرابا عن الطعام في السجن استمر 53 يوما بعد أن بدأت صحته في التدهور سريعا. وكان يحتج على إعادة توجيه اتهامات اليه في قضايا جديدة بعد إخلاء سبيله.
وقال أحد أفراد أسرته لوكالة فرانس برس طالبا عدم الكشف عن هويته خشية التعرض لمضايقات “عندما رأيته في السجن، كانت حالته متدهورة جدا، لكنه كان مصرا على أن يكمل لأن ما يحصل له ظلم وهو غير قادر على أن يعيش هكذا”.
وكان يفترض أن تنتهي فترة احتجاز طارق أو “موكا”، كما يسمّيه عارفوه، في تشرين الأول/أكتوبر. ولكن بدلا من أن ينعم بالحرية، تم توجيه اتهامات جديدة إليه بنشر أخبار كاذبة عن فيروس كورونا والانضمام الى جماعة إرهابية.
وقبل ذلك، صدر قرار في آذار/مارس 2020 بإخلاء سبيله، ولكن القرار لم ينفذ.
وقال عضو أسرة موكا أن الأخير روى أنه تعرّض للتعذيب على أيدي حراس السجن وشملت تعليقه من سقف الزنزانة وصعقه بالكهرباء في أعضائه التناسلية وحبسه انفراديا.
وأمضى موكا في الإجمالي ست سنوات في السجن في قضايا مختلفة.
ويقول قريبه “موكا قوي منذ أن كان صغيرا.. ماذا يمكن أن يفعل الإنسان إذا وضع في مثل ظروفه إلا أن يقاوم.. سنوات شبابه ضائعة في السجن”.