“موجة العنف الخليجي ستتراجع ..”
العودة إلى الماضي قد تفيد في تفسير أعمال العنف التي شهدتها الكويت في الفترة الأخيرة، لكن الحالة الكويتية لا يمكن مقارنتها بما جرى أخيراً في سلطنة عمان.
والأهم، هو أن مستقبل منطقة الخليج لا تغطيه سحب التشاؤم، كما قد يرى بعض المراقبين. هذا الرأي عبر عنه الخبير الأمريكي جي.إيه. بيترسون في حديث مع سويس إنفو.
هل تقف منطقة شبه الجزيرة العربية فعلاً على حافة بركان يغلي؟ سؤال تطرحه الأحداث والتطورات التي يشهدها الإقليم، وبالتحديد منذ إطاحة الولايات المتحدة بنظام صدام حسين وإحتلالها للعراق.
العنف بشقيه، الإرهابي ورديفه المقابل من الدولة، أصبح سمة واضحة لواقع المملكة العربية السعودية، وقبل أسابيع طالعتنا الأنباء لتواجهنا بنمط شبيه مصغر في الكويت، وقبل أن نفيق من الصدمة فاجأتنا السلطات العمانية بموجة من إعتقالات واسعة، استهدفت عشرات الأشخاص ممن وصفتهم السلطات بـ”المتطرفين”.
لكن مهلاً. هل كانت تلك التطورات غير متوقعة فعلاً؟ الباحث الأمريكي جي. إيه. بيترسون، الخبير المعروف والمتخصص في سياسات شبه الجزيرة العربية، لا يبدو مندهشاً كثيراً من تلك التطورات. والسبب أن رؤيته للواقع الحالي تعتمد على قراءة متمعنه لسياسات دول الخليج في الماضي. سويس إنفو أجرت معه حواراً مطولاً حول الوضع في سلطنة عمان والكويت، وفيما يلي نص الحوار:
سويس إنفو: طالت الإعتقالات في سلطنة عمان مثقـفين وكوادر، يبدو أن أغلبـها ينتمي إلى المذهب الأباضي، ما هي المعلومات المتوافرة حول الأشخاص المعتقلين؟
جي.إيه. بيترسون: لقد رأيت قائمة جزئية للأسماء، من الواضح أن التقارير الصحفية قالت إنه قد ألقى القبض على أكثر من مائة شخص، والحكومة أنكرت ذلك، وحددت العدد بنحو دزينة أو أكثر. (اتضح أنهم 10 أشخاص فقط، التحرير). معظم هذه الأسماء، الأسماء التي رأيتها، تبدو لي أباضية، ولكن هناك عدد من التعقيدات، أولها أن أي فكرة أن هذه (الجماعة تنتمي إلى) القاعدةـ أو مجموعة تعمل بتدبير من القاعدة من الخارج، يبدو بدون أي أساس، لأن هؤلاء أباضيون، وهذا مذهب مختلف، وهم ليسوا على صلة ولا خبرة لهم في الاتصال بالسنة المتطرفين.
الشيء الأخر الذي لفت انتباهي، رغم قلة المعلومات المتوافرة في هذه اللحظة، أن هناك صدى كبير لما جرى في عام 1994 في عمان، عندما تم القبض على عدد من الأشخاص، والحكومة حاكمتهم، وأصدرت أحكاماً على بعضهم بالإعدام، رغم أنها خففت تلك الأحكام فيما بعد.
لقد زعمت الحكومة حينها أن هؤلاء هم شبكة من إسلاميين متطرفين في طور النمو. كان المقبوض عليهم سنيين وأباضيين، ربما كان السنيون أكثر إلى حد ما. لكني شعرت آنذاك، وغيري أيضاً، أنه ربما بالغت الحكومة في عمليات الاعتقال، وفي الزعم بأن المسألة تتعلق بتطرف إسلامي.
هل نواجه نفس هذه المسألة الآن؟ لازال الوقت مبكراً لتحديد موقف واضح.
سويس إنفو: لكن هذا يدفع إلى السؤال هل هؤلاء فعلاً مجموعات إرهابية، أم مجموعات معارضة وجدت نفسها محاصرة بدعوى “الحرب الدولية ضد الإرهاب”؟
جي.إيه. بيترسون: هذا سؤال جيد جداً. أولاً، سأقوم من جديد بالمقارنة مع (ما حدث) في عام 1994، والتي أظهرت أن الكثيرين ممن تم القبض عليهم، أو ممن استجوبوا دون توقيفهم رسمياً، كانوا ببساطة يشتكون مما كانوا يرونه نقصاً أو مشكلة مع الحكومة، ولم يكونوا يحملون أي أجنده لتغيير الحكومة في حد ذاتها.
سلطنة عمان هي بلد مسالم وهادئ في أوجه عديدة، ولكن هناك أشخاص ممن لا يتفقون مع كل ما فعلته الحكومة العمانية، أو بالأحرى مع ما لم تـفعله الحكومة، وهم يشتكون من هذا، والحكومة كانت حساسة للغاية تجاه هذه النوعية من الشكاوى.
ومن الممكن جداً أن هـؤلاء المقبوض عليهم كانوا يشتكون من الحكومة بصورة عامة، أو ما قد يرونه من تحيز ليبرالي للحكومة، فبعض التقارير أشارت إلى وجود خطة لتعطيل مهرجان مسقط الثقافي، وهو يشبه إلى حد كبير مهرجان دبي للتسوق من حيث الحفلات الموسيقية وألعاب الأطفال…الخ. وهو ما قد يوحي أكثر في هذه الحالة بأن العنصر المؤثر هو وجود محافظين بين الأباضيين، الذين يشتكون من التوجه الليبرالي للحكومة، ويعارضونه.
سويس إنفو: هل هناك أسباب محـددة تـدفع بعض العمانـيين إلى معارضة الحكومة؟
جي.إيه.بيترسون: ليست هناك فعلاً أية معارضة منظمة أو معارضة جادة للحكومة العمانية منذ ما قبل عام 1970، عندما قامت حرب في الجنوب وتواصلت عدة سنوات إلى ما بعد قيام النظام الحالي، الفترة الحالية للسلطان قابوس.
أعتقد أن هذا عامل منفرد في عمان مقارنة مع الكثير من الدول العربية الأخرى، وهو أنه لا توجد فيها معارضة منظمة. الحكومة عـززت مستوى المعيشة، الذي حسن من حياة الكثير من العمانيين، كما أدمجت الكثير من العمانيين في الحياة والوظائف الجديدة والتعليم، وإلى غير ذلك.
وفي رأيي، إن معظم الشكاوى التي حدثت في السنوات الأخيرة كانت تشير إلى أن الحكومة لم تعمل بالكفاءة المفترضة، أو كما تدعي أنها تعمل، ولكن هذا لا يعني أن الناس يريدون أن يغيروا الحكومة.
سويس إنفو: إذا تحولنا إلى دولة الكويت، وهي حالة مختلفة، ما هي أسباب نشوء تيارات تكفيرية وعنيفة في الكويت؟
جي.إيه. بيترسون: نعم. الكويت من أوجه عديدة مضت في هذا الطريق من التطور منذ فترة أطول من عمان. وهناك تحديات أكبر في الكويت، وهي تحديات تركز أكثر، ليس بالضرورة على العائلة الحاكمة في حد ذاتها، وإنما على الطريقة التي تدير بها العائلة الحاكمة البلاد.
في الستينات، في وقت استقلال الكويت، وفي السبعينات، كانت الحكومة ترى أن تلك التحديات تنبعث من التيارات العلمانية الليبرالية. وكان أعضاء تابعون للحركات القومية العربية نشطين في الكويت.
البعض قد يقول إن حكومة الكويت في سعيها لمواجهة هذا التحدي من اليسار عقدت تحالفاً مع الإسلاميين. ولهذا شجعت انتخابهم في مجلس الأمة الكويتي، حيث أصبحوا قوة لها ثقل كبير منذ أكثر من عشرين عاماً، وعارضوا أشياء مثل الخمر، ويحاولون فصل الطلاب عن الطالبات في الجامعات، وزادوا قوة، وهناك انقسام مُر في الكويت بين الليبراليين من جانب والإسلاميين من جانب أخر.
ومن المفترض لذلك، أن هناك مجال لظهور أفكار متطرفة في الكويت. ولقد رأينا أن بعض الكويتيين انضموا إلى إسامة بن لادن، كما أن بعض الكويتيين محتجزون في غوانتانامو، سواء كان ذلك بمبرر عادل أو لا، ولذلك هناك هذه الجماعة المتطرفة الأراء في الكويت.
الهجمات الأخيرة في الكويت، وما تبعها من ردة فعل لقوات الأمن الكويتية، تظهر أنه ربما هناك قضية مشتركة بين المتطرفين في السعودية ونظرائهم من المتطرفين في الكويت. أنا لم أرى أي دليل على ذلك، ولكنه يبدو منطقياً، ولكن ما نراه في الكويت هو بالفعل جماعة متطرفة الأراء، وأن هذا ليس أمراًً يتفق عليه معظم الناس في الكويت، أو حتى يتغاضون عنه.
سويس إنفو: قلت إنه قد يكون هناك علاقة بين المتطرفين في السعودية ونظرائهم في الكويت، هل تـرى علاقة بين ما يحدث في الكويت وبين ما يسمى حديثاً “العائدون من العراق”؟
جي.إيه.بيترسون: أعـتقد أني على حـق عندما أقول إنه على الأقل هـناك العديد من الكويتيين، الذين إما تم القبض عليهم، أو تم التعرف عليهم في العراق، وهـم يحاولون شن هجمات عنف. وكانت هناك قلة من الكويتيين، الذين حاربوا في أفغانستان مع قوات المجاهدين.
وكما قلت إن هناك جماعة متطرفة الأراء (في الكويت)، ولا أعتقد أن عددهم كبير. ربما كانت الحكومة في الماضي متسامحة إلى حد ما (معهم). والعامل الثاني أنه بعد الاجتياح العراقي في عام 1990، ظهرت حـركة كويتية سرية لمحاربة الاحتلال، ولوقت طويل، ربما شجع هذا الناس، بعض الناس، على تولى الأمور بأنفسهم، وفي نفس الوقت كانت هناك أسلحة أكثر تطوف في الكويت عما كان عليه الحال قبل 1990.
سويس إنفو: هل يلعب الاحتقان أو الركود الحادث في العائلة الحاكمة، والمشاكل الدائرة بين فرعي آل سالم وآل صباح فيها، دوراً فيما يجري؟
جي.إيه.بيترسون: طبعاً ليس بشكل مباشر. ولكن بصورة غير مباشرة أنا واثق أن الكثيرين من الكويتيين غير راضيين عن حالة الجمود على المستويين الاقتصادي والسياسي، التي تشهدها الكويت منذ فترة.
لكن إذا عدنا إلى السؤال الأساسي هل يريد الناس في الخليج تغيير حكوماتهم والإطاحة بعائلاتهم المالكة أم لا؟ أعتقد أن الجواب على ذلك هو أن معظم الناس لا يريدون أن يروا حدوث ذلك. ربما يرغبون في رؤية إصلاحات وتغييرات ومشاركة أكثر، ولكنهم ليسوا ضد حكوماتهم أو دور عائلاتهم المالكة، في حين يبدو أن الجماعات الأكثر تطرفاً في الكويت والسعودية تبدو أكثر ميلاً إلى ذلك.
هذا ليس نفس الوضع في البحرين، التي تشهد حالات اضطراب بصورة دورية ضد الحكومة بسبب قضية التمييز (ضد الأكثرية الشيعية). المتطرفون في السعودية والكويت ينتمون إلى أقلية متطرفة كما أرى، ودعمهم للعنف ليس فقط ضد الأجانب، وبالتحديد القوات الأمريكية، وإنما أيضا ضد المسلمين ومواطنيهم، لا يكسبهم أية شعبية بين غالبية السكان.
سويس إنفو: يعتقد كثيرون أن التواجد العسكري الغربي عموماً في منطقة الخليج، وفر ذريعة للتيارات المتشددة والقريبة من بن لادن للانتشار في البيئة الخليجية. كيف تعقب على ذلك؟
جي.إيه.بيترسون: أعتقد أن هناك مستويين. المستوى الأول، هو أن هناك مشاعر عدم رضا شعبية ليس فقط ضد وجود القوات الأمريكية في المنطقة، وإنما أيضاً ضد سياساتها الخارجية في المنطقة، وبالتأكيد ضد سياستها تجاه الفلسطينيين، وكذلك تجاه العراق حتى خلال فترة الحظر الاقتصادي المفروض عليه، وبعد الاجتياح الأمريكي للعراق. لكن هذا الشعور بعدم الرضا لا أعتقد أنه يُترجم في أية محاولة لتعديل الوضع.
من جانب أخر، على مستوى أخر، بالنسبة للمتطرفين ممن هم ضد حكوماتهم، هذا (العامل) يوفر لهم مبرراً ملائماً(…) لأيديولوجيتهم المعارضة.
سويس إنفو: ما الذي تقترح فعله بالنسبة في سلطنة عمان والكويت لمعالجة الوضع، مع الإقرار باختلاف الوضع لدى كل منهما؟
جي.إيه.بيترسون: أعتقد أن الشيء الأول الذي يجب على الحكومة الكويتية فعله هو اتخاذ نفس ردة فعل الحكومة السعودية. ربما لأنها أهملت الخطر لفترة طويلة، يجب عليها اتخاذ خطوات وإجراءات أمنية قوية، من حيث القبض والقضاء على أي متطرفين يشنون هجمات ضد الحكومة، أو يخططون لفعل ذلك.
على جانب أخر، الكويت لديها نفس المشكلة التي تواجهها السعودية من حيث غض البصر تجاه دعم التطرف في المساجد والمدارس وأماكن أخرى، ويجب أن تولى اهتماما أكبراً لذلك.
ومن جديد، أنا لن أربط سلطنة عمان بما يحدث في السعودية والكويت، لأنه أولاً لم تحدث هناك أية هجمات عنف من الأساس. وثانياً، لأننا لا نعرف مدى جدية ومعارضة الأشخاص، الذين تم القبض عليهم، للحكومة العمانية. وأنا أميل إلى الشك في أنهم بالفعل ضد الحكومة.
سويس إنفو: على ضوء ما يحدث في الإقليم منذ فترة، هل تعتقد أن العنف سيكون السمة المحددة للوضع فيه؟
جي. إيه. بيترسون: أعتقد أنه سيكون هناك استمرارية لبعض العنف، وبالتأكيد اتخذت السعودية إجراءات هامة للقضاء على الكثير من المتطرفين، ولكنهم لم يقبضوا عليهم جميعاً أو يقتلوهم، ولذلك سيكون هناك هجمات أخرى في المستقبل، على الأقل في المستقبل القريب.
وفيما يتصل بما إذا هناك اتجاه عام للعنف في الخليج، أنا لا أدري، لكني أميل إلى الشك في ذلك. هذه الأشياء تزول بشكل ما.
إذا نظرنا إلى فترة الستينات والسبعينات من جديد كل الحكومات كانت تخشى من الأيديولوجية العربية الراديكالية، التي كان يقترحها بعض من مواطنيها، وهذه كانت تشمل أيضاً أعمال عنف. هذه الموجة تراجعت لتحل محلها أيديولوجية إسلامية، التي ربما بلغت ذروتها الآن، وستتراجع في المستقبل.
أجرت الحوار إلهام مانع – سويس إنفو
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.