موطئ قدم للاتحاد الأوروبي في برن
يؤشر افتتاح سفارة للاتحاد الأوروبي في العاصمة الفدرالية إلى نوع من التطبيع للعلاقات مع بروكسل، التي افتتحت ممثليات دبلوماسية لها في العديد من البلدان الأخرى.
في المقابل، يُـلقي الخلاف حول السياسة الضريبية بظلاله على الروابط القائمة بين سويسرا والاتحاد الأوروبي، وهو خلاف أدّى إلى إضفاء قدر من التوتر على العلاقات الثنائية وسيُـشكّـل ملفا حاسما في الأشهر المقبلة.
يُـمكن القول اليوم أن سويسرا اعتمدت مقاربة براغماتية في علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي. فقد أشارت الحكومة الفدرالية في التقرير، الذي قدّمته في شهر يونيو 2006 حول أوروبا، إلى أن المسار الثنائي هو الوحيد الذي يُـمكن السّـير فيه في الوقت الحاضر.
أما الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، الذي كان يُـعتبر في الفترة التشريعية السابقة هدفا إستراتيجيا للحكومة، فقد أضحى واحدا من بين خيارات متعدّدة. هذه المقاربة تتساوق مع مشاعر أغلبية السكان، الذين أيّـدوا خطوات مهمة للتقارب مع الاتحاد الأوروبي، لكنهم رفضوا بحدّة أي احتمال للانضمام.
أوروبا بين المؤيدين والرافضين
في الوقت الحاضر، يبدو أن الساحة خلت من جميع الأطراف، التي ساهمت بقدر أو بآخر في سِـجالات التسعينات حول العلاقة بين سويسرا وأوروبا ولم يبق فيها إلا “المتشائمون” والرافضون.
فبشكل أو بآخر، اقتنع، بل استسلم مؤيدو الانضمام للمسار الثنائي، الذي لم يرغبوا فيه، لكنهم دافعوا عنه بوجه هجمات الذين لم يكونوا موافقين على فكرة الانضمام، وهو ما دفع سويسرا باتّـجاه الاتفاقيات الثنائية.
في هذه الأجواء، تُـفتتح السفارة الجديدة للاتحاد الأوروبي في قلب العاصمة الفدرالية برن بمواجهة وزارة الخارجية السويسرية، في الوقت الذي يتواصل فيه الجدل حول الخلاف القائم بين سويسرا والاتحاد بخصوص التسهيلات الضريبية المقدمة للشركات في بعض الكانتونات.
تطبيع للعلاقات
يلاحظ الخبير السياسي لوران غوتشل، الأستاذ في معهد أوروبا بجامعة بازل، أن “افتتاح السفارة يمثل علامة على تطبيع للعلاقات بين سويسرا والاتحاد الأوروبي”، ويضيف بأن “الاتحاد الأوروبي له ممثليات في جميع العالم، وكان من غير الطبيعي أن لا تكون هناك ممثلية في سويسرا”.
ويرى غوتشل أن السفارة يمكن أن تبسّـط تبادل المعلومات بين برن وبروكسل وتساعد على منح العلاقات مع الاتحاد الأوروبي حضورا أكبر، ويقول “إن ممثلية دبلوماسية تلعب دائما دورا رمزيا مهما، وذلك بالرغم من أن المفاوضات بين البلدين لم تعد تمر اليوم عبر السفارات فحسب”.
على كل، يدعو الخبير السياسي إلى عدم الاستهانة بتواجد سفارة للاتحاد الأوروبي، ويلاحظ أن “السفير ريتيرير يُـستدعى من طرف الجميع، وهذا يوفر إمكانية إجراء مشاورات غير رسمية، وهو أمر كان مستحيل الحدوث إذا ما كانت هناك ضرورة للتوجّـه إلى بروكسل لعقد كل اجتماع”.
ملفات عديدة مفتوحة
إلى حدّ اليوم، قام السفير الأوروبي ميكائيل ريتيرير، الذي استلم مهامه منذ بداية العام الجاري، بعمله بشكل منفرد، لكن السفارة تبحث حاليا عن مستشارين للشؤون السياسية والاقتصادية.
هذا الأمر يعني بالنسبة للسيد غوتشل أن “المفوضية الأوروبية لا ترغب في مجرد بعثة صغيرة، وأن هناك فعلا اهتمام بتجميع معلومات حول سويسرا”.
وبدون شك، فإن المواضيع القابلة للنقاش بين سويسرا والاتحاد الأوروبي لا زالت عديدة، كما أن الاختلافات في وجهات النظر في بعض الحالات متوقعة منذ الآن. فبالإضافة إلى المسألة الضريبية، فإن على برن أن تواجه قريبا مسألة تقديم مساهمة مالية إضافية إثر التوسيع الأخير للاتحاد الأوروبي، الذي شهد انضمام بلغاريا ورومانيا، كما أن سويسرا مهتمة بدورها بإجراء مباحثات ثنائية بخصوص سوق الكهرباء والزراعة.
من بين المواضيع الأخرى المطروحة للنقاش، قطاع الخدمات والمشاركة في برامج البحث العلمي، التي يموّلها الاتحاد الأوروبي، وشهادات المصدر فيما يتعلق بالمنتجات الغذائية وتوسيع تطبيق الاتفاق المتعلق بحرية تنقل الأشخاص بين الطرفين، إلى كل من رومانيا وبلغاريا ونظام الأقمار الاصطناعية غاليليو.
ترحيب ولكن مع توجّـس
في هذا السياق، يُـمكن أن تساهم سفارة الاتحاد الأوروبي في برن، إما في الإسراع بتحقيق تقدّم بخصوص هذه الملفات أو بإقرار تفاهم متبادل أفضل في أدنى الحالات.
ويقول النائب الاشتراكي روجي نوردمان، عضو الهيئة التنفيذية للحركة الأوروبية السويسرية الجديدة، “إن وجود السفارة، يمكن أن يجنّـب سوء فهم للمبادرات التي يُـقدم عليها الاتحاد الأوروبي”.
من جهتها، تقول كريستا مارك فالدر، رئيسة الحركة الأوروبية السويسرية الجديدة والنائبة عن الحزب الراديكالي “لقد آن الأوان لأن تُـفتتح في برن ممثلية للاتحاد الأوروبي، الذي يمثل أحد أهم شركائنا، السياسيين والاقتصاديين”.
على الجبهة المناهضة لأوروبا، استُـقبل الحدث بفتور واضح، حيث يقول هانس فيهر، النائب عن حزب الشعب السويسري (يمين متشدد) ومدير “الحملة من أجل سويسرا محايدة ومستقلة”، “إننا نعتبر افتتاح السفارة، اعترافا بالواقع المتمثل في أن سويسرا ليست عضوا في الاتحاد الأوروبي”.
في المقابل، يشدد السيد فيهر على أنه “لا يجب أن يتدخّـل السيد ريتيرير في شؤوننا الداخلية وأن يبلّـغ بوضوح موقفنا إلى بروكسل”. من الناحية الشخصية، يرى النائب السويسري أن السفير الأوروبي شخص لطيف، كما يصفه بـ “دبلوماسي نمساوي تقليدي” لم تتردّد المنظمة التي يترأسها من استدعائه لحضور مؤتمرها، الذي ينعقد يوم 28 أبريل القادم.
سويس انفو – أندريا طونينا
(ترجمه من الإيطالية وعالجه كمال الضيف)
السفير مكائيل ريتيررير، دبلوماسي نمساوي في الثانية والخمسين من العمر، بدأ عمله كسفير للاتحاد الأوروبي في برن يوم 1 يناير 2007.
قبل ذلك، كان ريتيرير نائب رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي في طوكيو، وقد تابع الدبلوماسي جزءً من دراساته في سويسرا ويتكلم الفرنسية بطلاقة أضافة إلى الألمانية، لغته الأم.
إلى حد الآن، لعب مقر إقامة السفير في برن دور ممثلية للاتحاد الأوروبي، أما السيد ريتيرير، فهو يمثل في سويسرا المفوضية الأوروبية وليس رئاسة الاتحاد الأوروبي.
هناك احتمالات عديدة يمكن أن تُـقدّم لتفسير التأخير المسجل في افتتاح سفارة الاتحاد الأوروبي في برن، مقارنة بممثلياته في بلدان أخرى.
الخبير السياسي لوران غوتشل يذكّـر بأن الاتحاد الأوروبي كانت لديه ممثلية في جنيف تتحرك بنشاط فيما يتعلق بالعلاقات مع المؤسسات الدولية، ومن المحتمل أنه لم يكن متعجّـلا لافتتاح مقر آخر في برن، لكنه يضيف، بأنه “يجب معرفة ما وراء الكواليس، لتقديم جواب نهائي”.
طبقا لتصريحات نقلتها عنه الصحافة السويسرية، أشار السفير ريتيرير إلى أن “التأخير قد يكون مرتبطا بوجود قناعة في بروكسل لفترة طويلة، بأن سويسرا ستنضم عاجلا أو آجلا إلى الاتحاد الأوروبي”.
إضافة إلى ذلك، يُـمكن الاعتقاد بأن الجوار الجغرافي والعلاقات المكثفة بين الطرفين أثناء سير المفاوضات الثنائية وتواجد بعثة سويسرية في بروكسل، قد تكون دفعت المفوضية الأوروبية إلى عدم وضع مسألة افتتاح بعثة في برن ضمن أولوياتها.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.