مُـحـاور واحـد للأجانب في سويسرا
وافقت الحكومة السويسرية في 8 يونيو الجاري على إنشاء مكتب فدرالي جديد، يضم الجهات التي تتعامل مع ملفات جميع الأجانب سواء كانوا مهاجرين أو طالبي لجوء.
وبهذه الخطوة الجديدة التي سوف تتجسد رسميا يوم 1 يناير 2005 تكون الحكومة الفدرالية قد ضربت عدة عصافير بحجر واحد، من أهمها توفير مبلغ كبير من النفقات.
“المكتب الفدرالي للهجرة”، هو الاسم الجديد الذي سيجمع تحت سقفه “المكتب الفدرالي لشؤون اللاجئين” و”المكتب الفدرالي للهجرة والمهاجرين والإندماج والأجانب”، بعد أت اتضح للمسؤولين الفدراليين انتفاء أية ضرورة لاستمرار توزيع ملفات الأجانب على اختلاف نوعياتهم على جهتين مختلفتين بما فيهما من أقسام ودوائر فرعية متشعبة.
المكتب الجديد سيسهل التعامل مع القوانين المتعلقة بالأجانب، وسيقلل من البيروقراطية في التخاطب بين جهتين مختلفتين تتعاملان مع ملف واحد، وإن اختلف في تفاصيل المضمون. في الوقت نفسه، لا يُـــوقع أن يؤدي ذلك إلى خلط الأوراق بين تصنيف الأجانب المتواجدين في سويسرا.
وفي مؤتمر صحفي عقد في برن يوم الاثنين 7 يونيو، أوضح وزير العدل والشرطة كريستوف بلوخر هيكل عمل المكتب الجديد الذي يقوم على أربعة أقسام رئيسية، أولها “السفر والإقامة والترحيل”، الذي يهتم بكل ما يتعلق بشروط دخول سويسرا ومنح الإقامة فيها، كما يراقب ترحيل أو مغادرة الأجانب الذين انتهت إقاماتهم.
في المقابل، يهتم قسم “العمل والهجرة” بقياس احتياجات أسواق الشغل، ومدى مطابقة الأجانب لتلك المتطلبات، وينسق أعداد ونوعيات المطلوبين في بعض المجالات المحددة طبقا لحاجة الاقتصاد السويسري، أما قسم “الاندماج والجنسية” فيعتني بقضايا الأجانب المقيمين بشكل دائم في سويسرا والمشاكل التي يقابلونها في المجتمع والتعامل مع ملفات الراغبين في الحصول على الجنسية السويسرية، في مقابل قسم خاص لملفات “طالبي حق اللجوء” أو من حصلوا عليه بالفعل، ويقوم “مركز الخدمات” بالتنسيق بين تلك الاهتمامات المختلفة.
تأييد حكومي وتحذير حزبي
الوزير بلوخر أشار في المؤتمر الصحفي إلى أن هذا المكتب الجديد سيسهل تعامل الدولة مع الأجانب بصفة فردية أو من خلال المنظمات والجمعيات التي ترعى اهتماماتهم وتنظر في مشكلاتهم وكذلك مع مختلف إدارات الكانتونات، فهم هنا “يخاطبون صوتا واحدا من الحكومة الفدرالية يتحدث إليهم ويعتني بجميع مشاكلهم”.
أما الفائدة الثانية الهامة من وراء هذا الاندماج، فتتمثل في توفير ما بين 2.5 إلى 5 ملايين فرنك سنويا حسب تقديرات وزير العدل والشرطة.
وقد تفاعلت الوزارات والهيئات الفدرالية المعنية من قريب أو بعيد بملف الأجانب بشكل إيجابي مع هذه الخطوة، حيث أيدتها كتابة الدولة للاقتصاد ووزارتا الخارجية والدفاع وممثلو مختلف الكانتونات، وهو ما دفع الوزير بلوخر إلى التعليق بالقول: “كأن كل تلك الجهات كانت تترقب حدوث مثل هذه الخطوة”.
ورغم تلك الإيجابيات التي عددها كريستوف بلوخر وترحيب الدوائر الحكومية المختلفة، أعربت الأحزاب السياسية عن موقف مختلف، فالديموقراطيون المسيحيون رأوا أن المكتب الجديد يخلط بين نوعيتين مختلفتين تماما من الأجانب المتواجدين في سويسرا، ولكل منهم أسلوب وطريقة في التعاطي مع ملفه.
أما الراديكاليون فحذروا من الخلط السياسي بين نوعيتين من الأجانب، تشمل الأولى المقيمين في سويسرا بشكل قانوني، وتضم الثانية طالبي اللجوء، كما أعربوا عن قلقهم من الخلط بين التقليد الإنساني في دعم الباحثين عن الأمن من طالبي حق اللجوء، وبين المشاكل العادية التي يمر بها الأجانب المقيمون في سويسرا سواء تعلق الأمر بأسواق العمل أو بالنواحي الاجتماعية المتعلقة بمسائل الاندماج.
في الوقت نفسه أعربت المنظمات المعنية بطالبي حق اللجوء عن مخاوفها من تقلص حجم المساعدات الانسانية الممنوحة لهم، وعدم وضوح الطرف المباشر للحديث معه حول مشاكل طالبي حق اللجوء، لا سيما من ناحية الرعاية الاجتماعية، وذلك على الرغم من وجود قسم خاص في المكتب الفدرالي الجديد مخصص لتلك الفئة من الأجانب.
إعادة الهيكلة .. والسياسات؟
الترحيب الوحيد بالخطوة الحكومية جاء من جانبين اثنين، الحزب الاشتراكي الذي أكد على ضرورة عدم الاكتفاء بإعادة الهيكلة وإنما ايضا بضرورة تنظيم وترتيب سياسة التعامل مع ملفات الأجانب على اختلافهم، سواء كانوا مقيمين أو من طالبي اللجوء، مع التركيز على قضية دعم الاندماج في المجتمع السويسري.
أما حزب الشعب السويسري اليميني وصاحب المواقف المتشددة من قضايا الأجانب عموما، فقد رحب بالخطوة وطالب بفعالية عمل المكتب الجديد، بما يتناسب مع متطلبات ملف الاجانب في سويسرا، لا سيما طالبي اللجوء.
يُشار إلى أن هذه الخطوة ليست جديدة تماما، حيث سبق أن أثيرت في عهد وزير العدل والشرطة السابق ارنولد كولر، ولكنه تراجع عنها في وقت مبكر، وبقيت حبيسة الأدراج حتى أعادها كريستوف بلوخر مرة أخرى إلى واجهة الأحداث بشكل عملي.
هذا ويعد تشكيل المكتب الفدرالي الجديد أول تحرك عملي ملموس يقوم به وزير العدل والشرطة منذ توليه منصبه في مطلع هذا العام، وهو المعروف بميوله نحو التشدد في ملفات طالبي حق اللجوء وسياسة إدماج الأجانب، وخاصة في كل ما يتعلق بتوفير النفقات الحكومية المرصودة لهذا الشأن.
إن تجميع الإدارات المعنية بملفات الأجانب تمثل خطوة ايجابية حيث أنها تضع جميع المعنيين بهذا الملف (سواء من ناحية الاندماج أو قوانين الهجرة والإقامة أو العمل أو رعاية طالبي حق اللجوء)، تحت سقف واحد. لذلك فمن المحتمل أن تؤدي الخطوة الجديدة إلى بروز أساليب جديدة في تعاطي سويسرا مع ملف احتدم الجدل حوله لسنوات طويلة، وقد تساهم في بلورة صورة متكاملة لسياسة الكنفدرالية مع قرابة عشرين في المائة من المقيمين فوق أراضيها.
تامر أبو العينين – سويس انفو
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.