مُـكـره أخـاك … لا بطل!
أعلن وزير المالية هانز رودلف ميرتس في 24 نوفمبر عن عزم الحكومة السويسرية بيع حصتها في شركة الاتصالات "سويس كوم"، والتي تبلغ 66% من إجمالي أسهمها.
وقد توالت ردود الفعل على هذا القرار، بين من وصفه بأنه “إعلان حرب”، ومن يرى بأنه “خطوة حتمية”.
قال وزير المالية السويسري في مؤتمر صحفي عقده صباح 24 نوفمبر الجاري، بأن الحكومة ترغب في التخلص من القيود التي تكبلها بتحمل مسؤولية 66% من أسهم شركة الاتصالات “سويس كوم – swisscom”.
لم يكن هذا الإعلان مفاجئا، ولكنه جاء من دون أية مقدمات تمهيدية، ومن المحتمل أن يكون اختيار التوقيت مرتبطا بأسعار أسهم المؤسسة في سوق الأوراق المالية، التي تبلغ قيمتها الآن حوالي 17 مليار فرنك.
وفي أول رد فعل على هذا القرار، وصفته نقابة الاتصالات بـ”إعلان حرب” على قطاع الخدمات العامة، وحذر رئيس النقابة كريستيان ليفرات من ارتكاب “هذا الخطأ الفادح، وتحمل المسئولين لما سيعقبه من تبعات”.
وبينما أيد الحزب الراديكالي وحزب الشعب اليميني تلك الخطوة، وقفت أحزاب المسيحي الديمقراطي والخضر والاشتراكي والنقابات في صف المعارضة، وهددت بتحويل الموضوع إلى الاستفتاء الشعبي العام، بعد طرحه أمام البرلمان.
وترى الأحزاب المؤيدة لقرار الحكومة بأن شبكة الاتصالات الهاتفية لن تضيع بعدما تبيع الحكومة حصتها فيها، ولن تبقى سويسرا بدون هواتف، لأن السوق هامة جدا، ومن مصلحة أي مستثمر أن تبقى كما هي عليه.
ومن المرجح أن يكون قرار الحكومة قد استند إلى حقيقة أن سوق الاتصالات في سويسرا، بدأت تشهد حربا كبيرة في الأسعار، تتصاعد وتيرتها منذ دخول شركات أجنبية إلى حلبة المنافسة منذ عام 1997، مما جعل شركة “سويس كوم” في موقف حرج أمام عملائها، وهي تقدم خدماتها بأسعار تفوق ما يعرضه المنافسون بحوالي 30% في أغلب الأحيان، وفي حالات أخرى تصل الزيادة لدى سويس كوم إلى 100%، ولكنها لا تزال في صفوف الشركات الرابحة إلى اليوم.
القرار السياسي أم الاهتمام الإقتصادي؟
ويعتقد الخبراء بأن أرباح “سويس كوم”، وموقفها القوي الآن في سوق الأوراق المالية، لن يتواصل طويلا بسبب تلك المنافسة الكبيرة، وبالتالي فقد أحسن وزير المالية اختيار توقيت طرح حصة الحكومة للبيع.
ويرى الخبير الاقتصادي ماتياس فينغر في حديثه إلى سويس انفو، بأن القرار السياسي شيء، وما سيعتمده البرلمان شيء آخر، ولكنه يرى تناقضا بين تحرير قطاع الاتصالات والرغبة في الإبقاء على ملكية الحكومة لإحدى الشركات.
فسويسرا لن تستطيع أن تبقى في معزل عما يحدث في سوق الاتصالات في أوروبا، بعدما اصبح بيع شركات الاتصالات “القومية” إلى هيئات ومؤسسات خاصة، أمرا شائع الحدوث رغم اعتراض النقابات ومخاوفها، إذ يرى الاقتصاديون المؤيدون لعملية البيع بأن ملكية الدولة للخدمات العامة لا يعني السيطرة على قطاع محدد، بل يمكن للحكومة أن تضمن للمواطنين الحصول على تلك الخدمة العامة من خلال وضعها كشرط إجباري للمستثمر الجديد، الذي عليه أن يضع حساباته لتحقيق هذا الشرط وفق معايير الربح والخسارة التي يحددها السوق.
ويقول ماتياس فينغر بأن تخلص “سويس كوم” من سيطرة الحكومة سيفسح لها المجال لتدخل في منافسات ذات نسبة مخاطرة عالية، فالسباق في سوق الإتصالات كبير، وسويس كوم بحجمها الحالي هي لاعب صغير وسط العمالقة، أما بقائها في يد الحكومة فسيجعل القرار السياسي يتغلب على الإهتمام الإقتصادي، وبالتالي تتقلص أهمية الشركة في سوق صغير، مثل سويسرا، بعدما تم فتح باب المنافسة على مصراعيه أمام كبريات الشركات من جميع أنحاء العالم.
بين مثالين: الأيرلندي والإسباني
وقد يستند المعارضون إلى المثال الأيرلندي، فبعد عامين فقط من بيع اسهم الحكومة في ايريكوم إلى القطاع الخاص، تخلصت الإدارة الجديدة من قسم الهواتف المحمولة حيث رأت بأنها تكبدها مصاريف باهظة، وفي خطوة لاحقة سعى كبار المستثمرين إلى “تحقيق المزيد من الأرباح” فشطبوا جزاءا كبيرا من ميزانيات الأبحاث والتطوير، وصاحب الخطوتين السابقتين تسريح عدد كبير من الفنيين والعمال تحت شعار “إعادة الهيكلة”، لتكون النتيجة زيادة في الأرباح، إستفاد منها كبار المستثمرين في المقام الأول.
وفي عام 2004، يفاجأ الجميع بأن قيمة الشركة الأيرلندية في سوق الأوراق المالية قد تقلصت إلى الثلثين، وزادت ديونها بنسبة عشرة أضعاف ما كانت عليه من قبل.
في المقابل، يرى المؤيدون بأن التجربة الإسبانية مغرية، فبعد بيع شركة الإتصالات الإسبانية تيليفونيكا إلى القطاع الخاص، انخفضت الأسعار في اسبانيا بنسبة 42% وتوسعت الشركة في سوق امريكا اللاتينية لتصل الآن إلى خامس أكبر شركة إتصالات في العالم بقيمة مالية تصل إلى 62 مليار يورو.
قد لا يهتم الساسة بصورة مستقبل “سويس كوم”، لأن اقتصاديات السوق والرغبة في التخلص من المسؤوليات والالتزامات تتضاءل أمام التفكير في شكل الصورة بعد التحميض والطباعة، لكن المؤكد هو أن سويسرا لن تبقى من دون شبكة هواتف، مثلما بقيت طائرات “سويس” تحلق … وإن كانت بأجنحة ألمانية.
تامر ابو العينين – سويس انفو
“سويس كوم” هي إحدى فروع هيئة البريد والهاتف والبرق، بعدانقسامها عام 1990 وانفصالها التام عنها في عام 1997 لتتحول إلى شركة مساهمة تمتلك الحكومة السويسرية 66% من أسهمها.
بدأت الحكومة طرح الأسهم في البورصة اعتبارا من أكتوبر 1998 بسعر 340 فرنك للسهم الواحد، وصل إلى 754 فرنكا في عام 2000، ويبلغ الآن 420.50 فرنكا.
تحقق الشركة ارباحا سنوية جيدة، ولها حضور ملحوظ في مجال أبحاث الإتصالات ولكن على الصعيد المحلي.
يصل عدد العاملين حاليا في سويس كوم إلى 15288 شخص، في تارجع 2.3% عن العام الماضي، بسبب استمرار خطط تخفيض العمالة.
عبرت النقابات المهنية والأحزاب اليسارية عن رفضها التام لبيع حصة الحكومة في سويس كوم إلى القطاع الخاص. من المحتمل أن يؤيد البرلمان قرار الحكومة، وفي هذه الحالة يهدد المعارضون بتحويل الملف إلى الاستفتاء الشعبي العام.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.