“نـحن نـُمثـّل الضمـير الإسرائيلي”
رغم امتداد التأييد للحرب في بداية أسبوعها الخامس بنسب عالية في أوساط اليهود في إسرائيل، فإن هذه المعطيات ربما تُـعزّز فقط توقّـعات مُـناهضي الحرب في الدولة العبرية.
ففي الحرب الأولى على لبنان عام 1982، حظي الجيش بتأييد الغالبية الساحقة في المجتمع الإسرائيلي، قبل أن ينزل قرابة 400 مائة ألف متظاهر ضدها بعد مجازر صبرا وشاتيلا.
على قمة جبل الكرمل، وفي أيام الحرب الأولى، وتحديدا بُـعيد سقوط أول صواريخ كاتيوشا على مدينة حيفا، احتشد الصحفيون بالقرب من فندق دان بانوراما الحيفاوي، المطل على خليج المدينة والمشرف على أقاصي المناطق الشمالية الإسرائيلية، وحتى على مناطق الجنوب اللبناني، حيث يُـمكن رؤية مدينة صور الجنوبية، إذا سمحت بذلك الأحوال الجوية، والتمتع بجمال حدائق البهائيين الممتدة من أعلى الكرمل، حيث يتجمع الصحفيون حطي شارع بن غوريون أو شارع أبو النواس، كما يسميه مرتادو المقاهي المنتشرة على جانبيه، والعائدة بأغلبها لملكيات شباب عرب فلسطينيين من حمَـلة الجنسية الإسرائيلية.
هناك، أي في ذلك المكان وفي اليوم ذاته في ساعات المساء، وصلت مجموعة من النساء والفتيات، ارتدين ملابس سوداء وحملن مجموعة من الشعارات، كُـتب بعضها بالعربية والآخر بالعبرية وما تبقّـى بالإنجليزية: “أوقفوا الحرب”، “لا للمستنقع اللبناني”، “لا لجرائم الحرب”، “أوقفوا سفك دماء الأبرياء”.
سألت عبير قبطي أحد الصحفيين العرب المتواجدين في المكان، وهي فتاة عربية من الناصرة، تنشط في مجموعة نسائية مناهضة للحرب، “أين أفضل نقطة يُـمكن أن نقف فيها للتظاهر هنا”؟ وبدت على معرفة مسبقة بالصحفي الذي أجابها: “يمكن أن تقفوا في أي مكان هنا، وكل مكان يبدو مناسبا للفت نطر الصحفيين”.
“ماذا يقول”؟ سألت إحدى الفتيات اليهوديات اللّـواتي وصلن مع عبير، وبعد أن ترجمت لها عبير ما قاله الصحفي أجابت: “ليس دقيقا، نحن نتنقل هنا منذ قُـرابة الساعة، ولم يلتفت إلينا أحد، على ما يبدو فإن لا مكان في أجندة الصحفيين لمناهضي الحرب”.
بدا وجه الفتاة في أواسط العشرينيات طفوليا ومناسبا أكثر لفتاة لا تربطها أي علاقة بالسياسة لا من قريب أومن بعيد. “أنا مواطنة ولست الجبهة الداخلية، لا أقبل أن أكون جُـزءا من تعريف يلغي وجودي في إطار وصف أشبه بوصف قطيع”، مضيفة: “أنا مواطنة ولي الحق أن أبْـدي رأيي، وإن كان مختلفا ولا يُـعجب أحدا في هذه الفترة، لا أرضى بأي تعريف يُـلغي كياني”.
بعد جُـهد جهيد، اجتمع بعض الصحفيين لالتقاط بعض الصوّر للمجموعة التي عدّت عشر فتيات متشحات بالسواد، وحملن لافتات تندّد بالحرب.
اتساع مظاهرات معارضي الحرب
في اليوم التالي، بدت الأمور مختلفة. تراكض الصحفيون في المكان نحو أصوات صُـراخ أتى من جهة المجموعة التي بدت أكثر عددا بقليل. هذا اليوم، لم يتراكض الصحفيون باتّـجاه المجموعة. فالأجندة تغيّـرت، لأن مجموعة من اليمين الإسرائيلي وصلت إلى المكان لتلقين هؤلاء “الخونة”، على حد تعبيرهم، درسا لن ينسونه.
وكانت الشرطة الإسرائيلية وصلت إلى المكان لمنع أي احتكاك جسدي بين المجموعتين، غير أن صُـراخ مُـتظاهري اليمين كان أشد، خصوصا وأن بعض من عبَـروا بالصُّّـدفة من المكان الذي بدأ شِـبه مشلول ومهجور بسبب الصواريخ القادمة من الشمال، انضموا تلقائيا إلى متظاهري اليمين.
ففي تلك الأيام، أيّـد أكثر من 90% من مواطني إسرائيل اليهود الحرب على لبنان، وتحديدا على حزب الله، وتمنّـوا لو يروا زعيم الحزب رهينة بين أيدي الجيش الإسرائيلي أو جثة مقطعة الأشلاء في شوارع بيروت أو أي مدينة لبنانية.
وفي هذه الأثناء، قاربت الحرب من أسبوعها الخامس، ومظاهرات مناهضي الحرب لم تتوقف، بل وأخذت في الاتساع، مجموعات إسرائيلية أخرى كـ”يش جفول” و”فوضويين ضد الجدار” ورافضي الخدمة لأسباب ضميرية، انضمت إليها مشاركة الفلسطينيين داخل إسرائيل، بدأت تتوسّـع كأفراد وكمجموعات.
الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة والحزب الشيوعي الإسرائيلي والتجمع الوطني الديمقراطي، واصلوا المشاركة أو الترتيب بأنفسهم لمظاهرات مناهضة للحرب. والحركة الإسلامية ورجال الدين المسيحيون والدروز نظموا أيضا مظاهرة مناهضة للحرب، سارت من كنيسة القيامة حتى المسجد الاقصي في القدس.
عرب إسرائيل غرباء
أعضاء الكنيست العرب أبعِـدوا جميعا تقريبا من جلسة الكنيست المخصصة لمتابعة أمور الحرب، بعد أن قاطعوا وزير الدفاع الإسرائيلي عمير بيرتس أثناء إلقائه كلمة في الجلسة: “أنت قاتل”، صرخ الشيخ إبراهيم صرصور في وجه بيرتس وأُخْـرِج من القاعة، وزميله من التجمع الوطني حُـُوّل للجنة التأديبية للبرلمان الإسرائيلي ويُـواجه إمكانية إبعادِه من الكنيست لمدة عشر جلسات.
“الطابور الخامس بدا يتحرك”، علّـق أحد أعضاء الكنيست من اليمين، قاصدا الفلسطينيين في إسرائيل، وتحديدا ممثليهم في الكنيست “عملاءهم في اليسار نظموا أيضا بعض المظاهرات”. “هنا، تكمُـن بعض الإشكاليات بالنسبة لنا في هذه المرحلة”، قال يونتان، أحد المناهضين للحرب على لبنان.
“العدد الأكبر من المتظاهرين هم من المواطنين العرب، وهم حتى في الأيام العادية، يُـعاملوا كجزء غريب عن المجتمع الإسرائيلي، ولا يملكون الحق بالمشاركة في اتخاذ القرارات المصيرية التي تخصّ إسرائيل، على الرغم من أنهم مواطنون في هذه الدولة ويحملون جنسيتها”.
“ولكن، وبالنسبة إلى تجارب الحروب السابقة، فالأمور ستبدأ بالتغيير قريبا”، لخّـص ناتان، ربما ما حدث في الشارع الإسرائيلي في الحروب السابقة التي شنّـتها إسرائيل، والحركات المناهضة للحرب لعبت دورا كبيرا في إنهائها.
“لا مكان للخوف من معارضة الحرب”
فعلى الرغم من امتداد التأييد للحرب في بداية أسبوعها الخامس بنسب عالية جدا في أوساط اليهود في إسرائيل، فإن هذه المعطيات ربّـما تُـعزّز فقط توقّـعات مُـناهضي الحرب في إسرائيل.
ففي الحرب الأولى على لبنان عام 1982، حظي الجيش بتأييد الغالبية الساحقة في المجتمع الإسرائيلي، قبل أن ينزل قرابة 400 مائة ألف متظاهر ضدها بعد المجازر في صبرا وشاتيلا، واضطرت إسرائيل إلى سحب جيشها إلى ما عُـرف حينها بالحزام الأمني، كما اضطرت أيضا للانسحاب منه عام 2000 تحت الضغط الشعبي المعارض للبقاء في الجنوب اللبناني.
هذا الضغط قادته حينها منظمة “أربع أمهات”، واحتجت بالأساس على استمرار سقوط جنود إسرائيليين على أرض غير إسرائيلية وبدون أي سبب يجعل دماء أبنائهم تذهب هدرا.
في الانتفاضة الفلسطينية الأولى، تحرك الشارع الإسرائيلي بنفس الطريقة. في البداية، أبدوا التأييد الكامل للجيش الإسرائيلي للقضاء على “أحداث الشغب”، كما سمّـاها اسحق رابين حينها، عندما شغل منصب وزير الدفاع في إسرائيل في حكومة الوحدة الوطنية برئاسة اسحق شامير.
ومع نهاية الانتفاضة الأولى، أرسل الإسرائيليون شامير إلى البيت وحزب الليكود الذي تزعّـمه إلى المعارضة وأوصل رابين إلى سدّة الحكم في إسرائيل، ودعّـمه بعد عقد اتفاقيات أوسلو مع منظمة التحرير الفلسطينية.
“تجربة الماضي علمتنا ألاّ مكان للخوف من معارضة الحرب في بدايتها، وخصوصا عندما تكون حربا غير متكافئة ولا تهدد وجود دولة إسرائيل”، هذا ما قالته الصبية اليهودية ذات الوجه الطفولي عندما جلست قبل أيام مع صديقتها عبير في أحدى مقاهي شارع أبو نواس أو بنغوريون، حسب التسمية البرية للشارع في حي الألمانية الممتد من الحدائق البهائية حتى الميناء في مدينة حيفا. “نحن نمثل الضمير الإسرائيلي، وغدا عندما تتوقف المدافع، سيعرف الجميع كم كنّـا على صواب وكم كانوا هم مخطئون”.
قاسم الخطيب – إسرائيل
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.