هل أصبحت الطريق مفتوحة أمام بن فليس؟
وصل الخلاف بين الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة ورئيس وزرائه السابق علي بن فليس إلى درجة "التناقض السياسي المطلق".
والسبب في هذا التناقض هو التنافس على الانتخابات الرئاسية بعد 7 أشهر.
رغم ما يظهره الصراع بين بوتفليقة وبن فليس بشأن الممارسة الديموقراطية في الجزائر، إلا أن موقف الجيش من مرشحي الرئاسة لا يُـمكن تجاهله مهما كانت التطورات السياسية.
فللمرة الأولى منذ استقلال الجزائر عام 1962، لا يُـظهر الجيش الجزائري موقفا مؤيدا تجاه شخصية مُعينة تصلح لرئاسة البلاد، حسب تعبير ومفهوم المؤسسة العسكرية.
والمثير للانتباه، أن أول ضحية لقرار الجيش الجزائري هو أحد أبناء المدرسة القديمة “المخلصين” والمتمثل في الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة.
“نظريا”، توقّـع المراقبون تغييرا نوعيّـا في سلوك المؤسسة العسكرية بسبب أزمة سياسية وأمنية ضربت الجزائر طيلة 12 عاما، أضحى الخروج منها من دون حدوث تغييرات جوهرية أمرا مستحيلا.
وفي نفس الوقت، هناك شعور عام بأن التّـغييـر النوعي جاء مبكّـرا بعض الشيء لأسباب موضوعية كثيرة تنضاف إلى حرارة فتنة الأزمة الجزائرية.
أول هذه الأسباب، هو الخلاف في النغمة السياسية والأمنية طيلة السنوات الأربع الماضية بين بوتفليقة والمؤسسة العسكرية. فعندما يريد الجيش إحكام الطوق على جماعة مسلحة ما، يعارض بوتفليقة بفكرة إمكانية الحوار معها.
كما أن بوتفليقة تجاوز حدود اللياقة “المتعارف عليها”، عندما انتقد المؤسسة العسكرية مرارا في لقاءاته مع قيادات الحلف الأطلسي والكثير من زعماء العالم الذين التقى بهم خلال ولايته الرئاسية.
وأخيرا، تعدى بوتفليقة، حسب أغلب المراقبين، الخط الأحمر عندما أعلن أن جزءا من أزمة الجزائر تتحمل المؤسسة العسكرية مسؤوليته، فهي التي ألغت انتخابات عام 1991 البرلمانية والتي كادت أن تفوز بها الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظورة.
كل هذه الأسباب مجتمعة جعلت العلاقة بين المؤسسة العسكرية والرئاسة صعبة جدا لم يشفع لها وجود الجنرال العربي بلخير في رئاسة الجمهورية كأحد أقرب المقربين من الرئيس الجزائري.
وليس هناك شك بأن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة أراد إنجاز الكثير في عهدته، أمنيا واقتصاديا، غير أنه ارتكب أخطاء سياسية يعتبرها كثير من الجزائريين قاتلة.
الحكومة الموازية
ففي الوقت الذي كانت علاقاته مضطربة مع المؤسسة العسكرية، كان محاطا بمجموعة من المستشارين سمتهم رغم مستواهم التعليمي العالي رفض الحوار مع الشركاء الاقتصاديين والاجتماعيين، واتخاذ القرارات المصيرية بأحادية أثارت غضب الإدارة وسلك التعليم والاقتصاد بشكل عام.
وخلال أغلب فترة رئاسة عبد العزيز بوتفليقة، كان رئيس حكومته علي بن فليس، الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني. فترة قال عنها بن فليس: “إني كنت خلالها منزوع الصلاحيات ولم يكن لي الحق في اختيار الرجال المناسبين”.
والحقيقة، أن بن فليس لم يقف مكتوف الأيدي خلال هذه المدة. فقد أعطى البرهان على أنه لم يكن وراء تعطيل مشروع إصلاح النظام القضائي الجزائري، خاصة وأنه كان محاميا وقاضيا ووزيرا للعدل.
تأكيد بن فليس أنه لم يكن وراء عرقلة مشروع إصلاح القضاء، أصاب بوتفليقة في مقتل آخر، اتهم بسببه أنه لا يريد للعدالة أن تسير بالشكل الحسن وأن هناك أغراضا شخصية وراء هذا التوجه.
كان من المنطقي أن ينجح بن فليس في سياسته، لأنه استغل كل أخطاء بوتفليقة وأظهر نفسه في شكل المصلح السياسي والاقتصادي الذي لا يتعدى الخطوط الحمراء التي يوجد بعدها المجال الحيوي لتحرك المؤسسة العسكرية.
كما أن هناك معطيات سياسية داخلية قد تجعل من بن فليس الأوفر حظا للفوز بالانتخابات الرئاسية المقبلة، أبرزها أن الإسلاميين لا زالوا في موقع المهدد للدولة الجمهورية، وأن مركزهم الثاني في الحياة السياسية أصبح أكثر وضوحا.
ومع خروج زعيمي الجبهة الإسلامية، عباسي مدني وعلي بن حاج من السجن، لم يعد سوى حزب جبهة التحرير الوطني الذي يرأسه علي بن فليس كتيار سياسي قادر على حماية الشكل الحالي للدولة الجزائرية.
من الناحية النظرية، كان لشقيق الرئيس الجزائري سعيد بوتفليقة دور بارز في تأكيد هذا الاتجاه، لأنه أُعطي دورا كبيرا من قبل شقيقه الرئيس، وحوّل سعيد بوتفليقة كل مستشاري الرئيس إلى مجرد موظفين من الدرجة الثانية.
وكان لهذا الوضع أثره على مسار الحوار مع الإسلاميين، مسلحين وسياسيين. كما كان له أثر سلبي جدا في التعامل مع مشكلة الفوضى في بلاد القبائل.
فحسب مصادر مُـطّـلعة، لعب شقيق الرئيس دورا كبيرا جدا في إقناع أخيه بأن تُـترك مسألة حلّ قضية القبائل إلى حين قرب الانتخابات الرئاسية.
وترجمت هذه السياسة بتصلب كبير في مواقف وزير الداخلية، نور الدين يزيد زرهوني، الذي رفض بشكل غريب كل مبادرات الحوار مع القبائل الغاضبين.
تراكم الأخطاء
تعطّـل الحوار مع القبائل أطلق لسان المنددين بما يُـعرف في الجزائر بـ “الجهوية”، أي نصرة أبناء القرية والمدينة، واتهم بوتفليقة بأن أغلب مستشاريه ومعاونيه هم من مدن وقرى أقصى شمال غرب البلاد، وسموا بمجموعة “تلمسان”، 600 كلم غرب البلاد، أو أطلق عليهم اسم المغاربة بسبب ميلاد أغلبيتهم في المملكة المغربية.
تجمّـع هذه الأخطاء والاتهامات سهّـل من مهمة علي بن فليس للظهور كزعيم سياسي يمثل الحل الأوحد. وأكد هذا الاتجاه خطوات نُـسِـبت لشقيق الرئيس، أبرزها، قيادة حملة هجمات على مقرات حزب جبهة التحرير الوطني بهدف الاستيلاء عليها.
هذا السلوك أثار حفيظة بعض أنصار بوتفليقة ومعارضيه الذين استغلّـوا الوضع وأصبحوا أكثر قوة بعد تأكيد نقابة الاتحاد العام للعمال الجزائريين، التي يتزعمها سيدي سعيد، نصرة علي بن فليس في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
وهناك شكوك قوية حيال مسألة إعادة ترشّـح بوتفليقة للانتخابات الرئاسية المقبلة، إذ يعتقد الكثيرون أنه ليس من النوع الذي يقبل خوض الانتخابات وهو غير ضامن لفوزه. لذلك سُـمي بأحد ضحايا حياد المؤسسة العسكرية.
ومن خلال تحليل كهذا، يُـمكن قلب المعادلة بالقول، إن علي بن فليس هو وفق المعطيات الحالية الأقرب للفوز، لأن حياد المؤسسة العسكرية يخدمه بشكل كامل.
سياسيا، ينبغي الحفاظ على هامش مقبول من الاحتمالات، لأن سياسة حياد المؤسسة العسكرية جديدة ولا يمكن الجزم أنها حياد لصالح بن فليس، رغم أن هذا الأمر ظاهر جدا في الوقت الحالي.
وسبب هذا التحفظ هو صعوبة الجزم في بلد كالجزائر يُـستعصى فهم السياسة فيه حتى على أبناء الجزائر أنفسهم، وربما يكون عبد العزيز بوتفليقة أحد أبرز الراسبين في الامتحان.
هيثم رباني – الجزائر
السيد علي بن فليس:
وُلد في 8 سبتمبر 1944 في باتنة
حصل على الإجازة في الحقوق عام 1968 وأصبح قاضيا في محكمة البليدة قبل أن يلتحق بوزارة العدل
عُـيّـن وزيرا للعدل عام 1988
انتُـخب عام 1989 عضوا في اللجنة المركزية لحزب جبهة التحرير الوطني
انتخب عام 1998 عضوا في المكتب السياسي
عُـيّـن عام 1999 أمينا عاما لرئاسة الجمهورية
عيّـنه الرئيس بوتفليقة رئيسا للحكومة يوم 26 أغسطس 2000
في سبتمبر 2001، انتُـخب أمينا عاما لحزب جبهة التحرير
أقاله بوتفليقة من منصبه في مايو 2003
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.