هل سيُـلبّي شارون الدعوة التونسية؟
فوجئ الرأي العام التونسي بالبرقية التي وجهها الرئيس بن علي إلى رئيس الحكومة الإسرائيلية أرئيل شارون، ودعاه فيها إلى حضور القمة العالمية لمجتمع المعلومات في شهر نوفمبر القادم.
وبغض النظر عن ردود الفعل الرافضة داخل الساحة التونسية، يؤكد مراقبون أن الطرف الإسرائيلي سيكون المستفيد الرئيسي في نهاية المطاف.
ومنذ لحظة الكشف عن هذه الدعوة في قناة الجزيرة نقلا عن الصحافة الإسرائيلية، وفعاليات المجتمع المدني التونسي في حالة تحفّـز ونقاش مستمر للبحث عن الوسائل الكفيلة بإقناع الحكومة بضرورة إلغاء هذه الزيارة المرتقبة.
ففيما بادر عدد من الأحزاب إلى إصدار ردود فعل منفصلة، أفضت المشاورات التي تمّـت فيما بعد إلى بروز رغبة في تنسيق المواقف.
وفي هذا السياق، أصدرت أربع أحزاب معارضة بيانا مشتركا اعتبرت فيه دعوة شارون “اعتداء صارخا على المشاعر الوطنية للشعب التونسي”، واتهمت السلطة بـ “التكتّـم على هذه الدعوة وعلى الاتصالات من أجل التطبيع مع الكيان الصهيوني”.
وربطت الأحزاب الأربعة بين هذه الدعوة والأوضاع الداخلية، حين اعتبرت أن الهدف من الخطوة هو “التفاف السلطة على المطالب الديمقراطية وامتصاص الضغوط الخارجية من أجل الإصلاح السياسي عبر تقديم مزيد من التنازلات للإدارة الأمريكية”.
ودعت هذه الأحزاب، وهي (الحزب الديمقراطي التقدمي، والتكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات، وحزب العمال الشيوعي التونسي، وحزب المؤتمر من أجل الجمهورية) في خاتمة بيانها “القوى الوطنية والديمقراطية والتقدمية” إلى إفشال هذه الزيارة. كما قررت عقد اجتماع عام يوم الجمعة 4 مارس.
المواقف الرافضة
ولم تقتصر مواقف الرفض على الأحزاب التي لا صلة لها بالسلطة، وإنما شملت أيضا بعض الأحزاب البرلمانية، حيث أكد النائب هشام الحاجي (من حزب الوحدة الشعبية) أن حزبه “رافض لكل أشكال التطبيع مع إسرائيل، بما في ذلك التبادل التجاري أو الدبلوماسي والسياسي”، وبالتالي، فإن شارون “غير مُـرحّـب به في تونس”.
وبسؤاله حول رد الحزب على التبرير الرسمي الذي قدمته الحكومة، ذكر الحاجي بأن حزبه تجنّـب الدخول في التفاصيل، مكتفيا باتخاذ موقف مبدئي ضد هذه الزيارة. أما بالنسبة للتنسيق مع بقية الأطراف الأخرى، فقد اكتفى بالقول بأن الحزب لم يتلق أي دعوة في هذا الشأن، وأن المكتب السياسي سيبحث عن أسلوب التحرك.
ولا يعرف إذا كانت أحزاب المعارضة التي تربطها علاقات جيدة بالسلطة ستذهب بعيدا في هذه المسألة أم أنها ستكون حذرة، حتى لا تتسبب في مزيد إحراج النظام في هذه القضية الحساسة؟ وهل أن الأحزاب ذات السقف الاحتجاجي العالي ستقبل بمد يدها إلى بقية الأحزاب التي تصفها بـ “الأحزاب الإدارية” لتوظفها في اتجاه عزل النظام؟.
من جهة أخرى، أصدرت قيادة الاتحاد العام التونسي للشغل بيانا لفت الأنظار وفاجأ حتى بعض النقابيين. فهذه القيادة كانت ولا تزال حريصة على عدم إظهار أي خلاف سياسي مع السلطة، وذلك بحكم العلاقة المتناغمة بينهما في المجالات الاجتماعية والسياسية منذ مؤتمر سوسة عام 1989.
لهذا، اختارت القيادة النقابية أسلوبا مختلفا عن لهجة أحزاب المعارضة، حيث عبّـرت عن “استغرابها” لهذه الدعوة، ورأت فيها تعارضا مع “المواقف المبدئية الثابتة لجميع التونسيين الذين يرفضون كل أشكال التطبيع”. وطالب الاتحاد الحكومة بـ “مراجعة موقفها”.
وتجري حاليا مشاورات ومساعي لإقناع قيادة المنظمة النقابية الرئيسية في البلاد بالمشاركة في هيئة جماعية، يفترض أن تتولى التنسيق بين مختلف منظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية، وذلك بهدف إدارة حملة شعبية منظمة ترمي إلى إفشال زيارة شارون، أو على الأقل رفع سقف الاحتجاج والتنديد من خلال اللجوء إلى مختلف الوسائل السلمية.
ولا يُـعرف إن كانت قيادة الاتحاد العام التونسي للشغل على استعداد للتنسيق مع أحزاب المعارضة التي ربطت بين مسألة التطبيع وملف الإصلاح السياسي، أم أنها ستكتفي بالمشاركة في الضغط عن بُـعد، حرصا على الإبقاء على شعرة معاوية التي تربطها مع الحكم.
أما إذا قررت هذه القيادة الذهاب إلى أبعد من ذلك، وخضعت إلى ضغوط النقابيين وقبلت التنسيق مع المعارضة، كما فعلت من قبل بالنسبة للملف الفلسطيني، فإن ذلك من شأنه أن يعطي دفعا قويا للحركة الاحتجاجية بمختلف ألوانها السياسية والأيديولوجية.
التجانس والتوحد الداخلي
لم تكن ردود فعل الجمعيات المسقلة أقل حدة وصرامة من مواقف الأحزاب السياسية. لقد أصدرت تسع جمعيات، من بينها الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والمجلس الوطني للحريات بتونس، وجمعية نساء ديمقراطيات بيانا مشتركــا اعتبرت فيه دعوة شــارون “تجاوزا لكل الخطوط الحمراء”، ورأت فيها “محاولة لاستقواء النظام بمراكز النفوذ الصهيوني العالمي على الحركة السياسية والمدنية المتنامية بغية الخروج من عزلته المتزايدة في الداخل والخارج”.
ويمكن القول أن الأحداث أثبتت مرة أخرى أن المسائل ذات الطابع القومي تسهم بشكل قوي – أكثر من القضايا السياسية المحلية – في خلق حالة من التجانس والتوحد على الصعيد الداخلي، وبين مختلف أوساط المجتمع المدني على اختلاف مشاربها.
لقد حدث ذلك في أكثر من مناسبة، سواء تعلق الأمر بفلسطين أو لبنان أو العراق. ففي غمرة التفاعل الحماسي مع تلك القضايا، تبدي مختلف الأطراف استعدادها لتجاوز خلافاتها السابقة حول الشأن الوطني، سواء تعلق الأمر بالموقف من الانتخابات الرئاسية السابقة أم من موضوع العلاقــة بالإسلاميين، وتعطى الأولوية إلى ما يوحّـد على ما يفَـرّق.
ومن هذه الزاوية، فإن توجيه الدعوة إلى شارون في هذا الظرف قد يوفر فرصة للكثير من الأحزاب والمنظمات والجمعيات المختلفة إلى التكتل، وتجاوز الحسابات الضيقة والشخصية، وقد يفتح المجال إلى عودة التلاقي بين الحركة الديمقراطية والحركتين النقابية والطلابية من أجل توجيه رسالة إلى رئيس الحكومة الإسرائيلية مفادها بأنه غير مرغوب فيه شعبيا في تونس.
السلطة في مأزق!
وعلى الصعيد الرسمي، وجدت السلطة نفسها في مأزق. فهي، وإن كانت قد انتهجت منذ سنوات عديدة أسلوب التطبيع الهادئ والتدريجي وغير المعلن مع الجهات الإسرائيلية، إلا أنها اكتفت في ردها على انزعاج التونسيين واحتجاج بعض أحزابهم وجمعياتهم بالقول على لسان أحد أعضاء الحكومة، بأن قمة مجتمع المعلومات “حدث عالمي تُـدعى إليه كل الدول، وأن القمة ستُـعقد في تونس، لكن منظمة الأمم المتحدة هي التي ستنظمها”.
لكن هذه الحجة التي تقدمها السلطة، لا يقبلها المعارضون ويرون فيها “تعلة واهية”. وبما أن لهجة المعارضة جاءت قوية في نقدها للنظام، فإن رد فعل السلطة كان بدوره حادا وعنيفا، حيث اتهم الرئيس بن علي في الخطاب الذي ألقاه يوم 28 فبراير أمام اللجنة المركزية للحزب الحاكم أطراف المعارضة بأنها “اتخذت من تشويه صورة تونس والتشكيك في خياراتها ومكاسبها مصدرا للمتاجرة والتكسب”، وأكد أن مزاعم هؤلاء “مردودة عليهم، وأكاذيبهم تفندها مكاسب البلاد وتقدم شعبها”.
وفيما يدور الجدل حاليا حول مدى وجود إمكانية قانونية تسمح للسلطة التونسية بأن تستثني إسرائيل، أو على الأقل تحُـول دون مشاركة رئيس حكومتها في هذه القمة، فإن المؤكد أن وصول شارون على متن طائرة إسرائيلية، ونزوله بمطار تونس-قرطاج الدولي، واستقباله بشكل رسمي، من شأنه أن يشكل، من الجانب الرمزي، زلزالا قويا لمشاعر التونسيين، الذين لا يزالون – رغم ما يُـقال عن حفاوتهم وانفتاحهم وتسامحهم – ينظرون للإسرائيليين كمغتصبين لأرض فلسطين، وهم يحملون بالخصوص شُـحنة رفض عالية لشخص شارون بالتحديد، الذي يُـحملونه جانبا هاما من المآسي التي فاقمت من التراجيديا الفلسطينية منذ عام 1948.
في المقابل، يصر المعارضون للسلطة على الاعتقاد بأن دعوة شارون ليست سوى نتيجة طبيعية لسياسة التطبيع الواعي التي انتهجتها السلطة منذ فترة طويلة، وعلى مختلف الأصعدة.
المستفيد الرئيسي
على صعيد آخر، هناك من يعتقد بأن مصلحة النظام تقتضي تمكين المجتمع المدني التونسي من ممارسة حقه الكامل في التعبير وإظهار معارضته لشارون وسياسته.
لكن إذا سكت النظام عن البيانات الحادة ضده، وقد يغض الطرف عن بعض الاجتماعات العامة هنا أو هناك، فهل سيقبل بأسلوب المسيرات التي ينادي بها المعارضون، والتي تخشى السلطة كثيرا من عواقبها وتداعياتها في وضع اجتماعي حرج؟
بقطع النظر عن ردود الفعل المسجلة حاليا داخل الساحة التونسية، فالمؤكد هو أن شارون سيكون المستفيد الرئيسي، سواء زار تونس أو اختار أن يمثله أحد أعضاده في الحكومة الإسرائيلية.
لقد اعتبر الإسرائيليون الدعوة التونسية فرصة أخرى لتحقيق مزيد من الاختراق الدبلوماسي للدول العربية في وقت تضغط فيه الولايات المتحدة على الجميع من أجل تسريع خطوات التطبيع ووتيرتها.
صلاح الدين الجورشي – تونس
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.