هيئة تحرير الشام وفصائل معارضة تدخل مدينة حلب بعد هجوم مباغت
دخلت مجموعات مسلحة بينها هيئة تحرير الشام وفصائل مدعومة من تركيا الجمعة مدينة حلب في شمال سوريا، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان، بعد قصفها في سياق هجوم بدأته قبل يومين على القوات الحكومية هو من أعنف جولات القتال منذ سنوات.
وقال مدير المرصد رامي عبد الرحمن لفرانس برس إن الفصائل “دخلت إلى الأحياء الجنوبية الغربية والغربية” للمدينة. وقال شاهدا عيان من المدينة لفرانس برس إنهما شاهدا رجالا مسلحين في منطقتهما، وسط حالة هلع في المدينة.
وأودت العمليات العسكرية بحياة 255 شخصا، وفقا للمرصد السوري لحقوق الإنسان، معظمهم مقاتلون من طرفي النزاع، ومن بينهم 24 مدنيا قضى معظمهم في قصف من طائرات روسية تدعم قوات النظام في المعركة.
بدأ الهجوم خلال مرحلة حرجة تمر بها منطقة الشرق الأوسط مع سريان وقف إطلاق نار هش بين إسرائيل وحزب الله في لبنان، علما أن حزب الله يقاتل أيضا منذ سنوات الى جانب قوات النظام في سوريا.
مع حلول يوم الجمعة، كانت الفصائل بسطت سيطرتها على أكثر من خمسين بلدة وقرية في الشمال، وفقا للمرصد السوري، في أكبر تقدّم تحرزه المجموعات المسلحة المعارضة للنظام منذ سنوات.
ووصلت في المقابل تعزيزات من الجيش السوري إلى مدينة حلب، ثاني أكبر المدن في سوريا، وفق ما أفاد مصدر أمني سوري فرانس برس.
وقبل إعلان المرصد السوري دخول هيئة تحرير الشام إلى حلب، أفاد المصدر نفسه عن “معارك واشتباكات عنيفة من جهة غرب حلب”.
وأضاف “وصلت التعزيزات العسكرية ولن يجري الكشف عن تفاصيل العمل العسكري حرصا على سيره، لكن نستطيع القول بأن حلب آمنة بشكل كامل ولن تتعرض لأي تهديد”.
وبحسب المصدر، “لم تُقطع الطرق باتجاه حلب، هناك طرق بديلة أطول بقليل”، متعهدا بأن “تفتح كل الطرق المؤدية إلى حلب قريبا”.
وتزامنا مع الاشتباكات، شنّ الطيران الحربي الروسي والسوري أكثر من 20 غارة على إدلب وقرى محيطة بها، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان، أدّت إلى مقتل شخص.
وأعلن الجيش السوري في بيان الجمعة مواصلته “التصدي” للهجوم و”استعادة السيطرة على بعض النقاط التي شهدت خروقات خلال الساعات الماضية”.
تمكن مقاتلو هيئة تحرير الشام وحلفاؤهم الخميس من قطع الطريق الذي يصل بين حلب ودمشق، وفقا للمرصد السوري.
وتعرّض سكن جامعي في مدينة حلب الجمعة للقصف، ما أدى إلى مقتل أربعة مدنيين، بحسب وكالة الأنباء السورية (سانا).
وأدت المعارك إلى نزوح أكثر من 14 ألف شخص، نصفهم تقريبا من الأطفال، بحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية.
ومن مدينة حلب، قال سرمد البالغ من العمر 51 عاما لوكالة فرانس برس “على مدار الساعة، نسمع أصوات صواريخ ورميات مدفعية وأحيانا أصوات طائرات. آخر مرة سمعنا مثل هذه المعارك كانت قبل نحو خمس سنوات”.
وأَضاف الموظّف في شركة اتصالات “نخشى أن تتكرر سيناريوهات الحرب وننزح مرة جديدة من منازلنا، سئمنا هذه الحالة واعتقدنا أنها انتهت لكن يبدو أنها تتكرر من جديد”.
وفي اتصال هاتفي مع وكالة فرانس برس، قال ناصر حمدو البالغ من العمر 36 عاما من غرب حلب “نتابع الاخبار على مدار الساعة، وقطع الطريق يثير قلقنا اقتصاديا لأننا نخشى ارتفاع اسعار المحروقات وفقدان بعض المواد”.
– أطراف دولية –
ويعد القتال الناجم عن الهجوم الأعنف منذ سنوات في سوريا التي تشهد منذ العام 2011 نزاعا داميا عقب احتجاجات شعبية ضد النظام، أودى حتى الآن بحياة أكثر من نصف مليون شخص ودفع الملايين الى النزوح، وأتى على البنى التحتية والاقتصاد في البلاد.
واعتبر المتحدّث باسم الكرملين دميتري بسكوف الجمعة أن الوضع في حلب “انتهاك لسيادة سوريا”. وأعرب عن دعم بلاده “للحكومة السورية في استعادة النظام في المنطقة وإعادة النظام الدستوري”.
وشدّد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي في بيان “على دعم إيران المستمر لحكومة سوريا وأمتها وجيشها في كفاحها ضد الإرهاب”، بعد اتصال هاتفي أجراه مع نظيره السوري بسام الصباغ.
في إدلب في شمال غرب سوريا، اعتبر رئيس “حكومة الإنقاذ” التي تدير مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام محمد البشير الخميس أن سبب العملية العسكرية هو حشد النظام “في الفترة السابقة على خطوط التماس وقصفه مناطق آمنة، ما أدى إلى نزوح عشرات الآلاف من المدنيين الآمنين”.
وأضاف أن العملية هي لإبعاد “مصادر نيران للعدو المجرم عن خطوط التماس وتأمين عودة الأهالي”.
وتسيطر هيئة تحرير الشام مع فصائل معارضة أقل نفوذا على نحو نصف مساحة إدلب ومحيطها، وعلى مناطق متاخمة في محافظات حلب واللاذقية وحماة المجاورة.
ويسري في إدلب ومحيطها منذ السادس من آذار/مارس 2020 وقف لإطلاق النار أعلنته كل من موسكو الداعمة لدمشق، وأنقرة الداعمة للفصائل المعارضة، وأعقب هجوما واسعا شنّته قوات النظام بدعم روسي على مدى ثلاثة أشهر.
وشاهد مراسل لوكالة فرانس برس الجمعة مقاتلين من فصائل عدة في مدينة الأتارب يتقدمون بشكل سريع إلى مشارف مدينة حلب، في ظل انسحاب الجيش ودخول دبابات وآليات تابعة للفصائل المعارضة.
وقال مقاتل ملثّم لمراسل وكالة فرانس برس “أنا مهجر منذ خمس سنوات، والآن أشارك في المعارك، وإن شاء الله سنعيد أرضنا وبلدنا التي أخذها النظام المجرم، وندعو إخوتنا الشباب الجالسين في منازلهم للانضمام إلينا كي نعيد البلد”.
– “رسالة إلى دمشق وموسكو” –
وقال المحلّل نيك هيراس من معهد “نيو لاينز” للسياسات والاستراتيجيا إن تركيا ترى أن “حكومة (الرئيس السوري) بشار الأسد تواجه وضعا صعبا بسبب عدم اليقين بشأن مستقبل الوجود الإيراني في سوريا، وترسل رسالة إلى دمشق وموسكو للتراجع عن جهودهما العسكرية في شمال غرب سوريا”.
تدخلت روسيا إلى جانب قوات النظام السوري في العام 2015، وتمكنت من قلب المشهد لصالح حليفها، بعدما خسر معظم مساحة البلاد.
خلال شهرين من الحرب بين إسرائيل وحزب الله في لبنان، كثّفت الدولة العبرية ضرباتها للفصائل الموالية لإيران في سوريا.
وقدمت هذه الفصائل، وأبرزها حزب الله، دعما مباشرا للقوات السورية خلال الأعوام الماضية، ما أتاح لها استعادة السيطرة على معظم مناطق البلاد.
ورأى هيراس أن الفصائل المعارضة تتمتع الآن “بموقع أفضل للاستيلاء على القرى مقارنة بالقوات الحكومية السورية المدعومة من روسيا، بينما ينصبّ تركيز الإيرانيين على لبنان”.
وقتل الخميس ضابط في الحرس الثوري الإيراني خلال المعارك، بحسب ما نقلت وكالة أنباء “تسنيم” الإيرانية.
وكان عراقجي اعتبر أن التطورات الميدانية في سوريا “مخطط أميركي صهيوني لإرباك الأمن والاستقرار في المنطقة عقب إخفاقات وهزائم الكيان الصهيوني أمام المقاومة”، وفق تصريحات أوردتها الوزارة الخميس.
ويرى مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن أن الجيش السوري لم يكن مستعدا أبدا لهذا الهجوم.
وأعرب عن استغرابه للضربات الكبيرة التي يتلقاها الجيش السوري على الرغم من الغطاء الجوي الروسي.
وتساءل “هل كانوا يعتمدون على حزب الله المنهمك حاليا في لبنان؟”.
آية-سير/خلص/لو/رض/ص ك