هيلديبراند يستسلم للضّغوط ويستقيل من رئاسة المصرف الوطني السويسري
علّل فيليب هيلديبراند استقالته من منصبه بعدم قدرته على إقامة الدليل بأن زوجته تصرفت بدون علمه فيما يخص الصفقة المالية الخاصة التي أثارت مؤخرا جدلا واسعا داخل سويسرا وخارجها، موضحا: "أقوالي هي كل ما بوسعي تقديمه".
وأضاف محافظ المصرف الوطني المستقيل أمام الصحافة بعد ظهر الإثنين 9 يناير 2012 بأنه “علم بعناصر إضافية يومي 5 و6 يناير” وبأنه نشر كافة الوثائق التي بحوزته على الموقع الإلكتروني للمصرف.
ورفض السيد هيلديبراند أثناء حديثه أمام وسائل الإعلام في العاصمة الفدرالية برن، التكهن بأسباب القضية قائلا: “هذه ليست مهمتي”.
وأوضح هيلديبراند أنه بالنظر إلى النقاش الدائر حول هذه القضية في أوساط الرأي العام، وبعد تفكير جلي، توصل إلى قرار مفاده أنه “لم يعد ممكنا تقديم دليل قاطع ونهائي” على أن تلك العمليات المالية تمت بدون علمه.
ونوه رئيس البنك المُستقيل بمفعول فوري إلى أنه أراد، بتنحيه من منصبه، “الحفاظ على سمعة ومصداقية المصرف الوطني” السويسري، وأنه “نظرا للظروف الراهنة، لن أتمكن من اتخاذ القرارات الهامة والشجاعة” التي يفرضها منصبه. في المقابل، أعرب هيلديبراند عن ثقته بأن المصرف الوطني سينجح في تجاوز هذه المرحلة الصعبة.
كما عبر عن “الحزن العميق” الذي ينتابه بسبب قراره هذا، مشيرا إلى أن “الأسابيع الثلاثة الأخيرة كانت فترة عصيبة بالنسبة له ولأفراد عالته ولرئيستيْ الكنفدرالية السابقة والحالية”.
ودافع السيد هيلديبراند عن حصيلة أداء البنك المركزي قائلا: “إنني فخور بما أنجزناه في المصرف الوطني السويسري منذ وصولي إلى إدارته، مدعومين في (مهامنا) بثقة الرأي العام”، وأضاف أن سياسة البنك كــُللت بالنجاح بما أنها نجحت في ضمان الاستقرار والرفاهية لسويسرا بينما اهتزت أوروبا بأسرها بسبب الازمة المالية.
وقد تخلى المحافظ المستقيل أيضا من مناصبه الأخرى، ومن أهمها نيابة رئاسة مجلس الاستقرار المالي (FSB) التي كان قد تولاها في شهر نوفمبر الماضي، وهي منظمة مؤسسات ومنظمين ماليين مكلفين بإصلاح النظام المصرفي الدولي.
كما عبر هيلديبراند عن شكره لما قام به البرلمان الفدرالي من مجهود للتخفيف من تأثيرات الأزمة المالية العالمية.
ضغوط سياسية وإعلامية
وكان هيلديبراند قد أكد يوم الخميس الماضي 5 يناير، رفضه تماما فكرة الاستقالة من منصبه، وكذلك الاتهامات الموجهة له ولزوجته باستغلال نفوذ المنصب للاستفادة من صرف العملة. وجاء تنظيمه لمؤتمر صحفي في زيورخ بعد أن تعالت أصوات في وسائل الاعلام مُطالبة إيــاه بالاستقالة على الرغم من تبرئته من طرف الحكومة.
وصرح هيلديبراند في ذلك اليوم: “إنني تصرفت دوما ليس فقط وفقا لما تنص عليه القوانين، بل بطريقة سليمة”، نافيا أن “يكون هو، أو أي من أفراد عائلته، قد قام بعمليات غير قانونية”. أما الانتقاد الذاتي الوحيد الذي قام به فتمثل في “كونه لم يــُقدم على إلغاء صفقة 15 أغسطس 2011 التي قامت بها زوجته كاشيا هيلدبراند بعد علمه بها”.
ويذكر أن كريستوف بلوخر، نائب رئيس حزب الشعب (يمين شعبوي) ومُنظره، هو الذي قد صب الزيت على النار في هذه القضية. وكان قد بدأ في هجمات متتالية ضد محافظ المصرف الوطني السويسري منذ 2010 بسبب عمليات نفذها في الأسواق النقدية. وجاءت استقالة هيلديبراند بمثابة انتصار لبلوخر.
كما تجدر الإشارة إلى ان كاشيا هيلديبراند، قرينة رئيس المصرف الوطني السويسري، وهي أمريكية سويسرية من أصل باكستاني، عملت في السابق لأكثر من 15 عاما في قطاع البورصة والمصارف، قبل أن تفتح قاعة لعرض الأعمال الفنية المعاصرة في زيورخ.
وقد كتبت السيدة هيلديبراند في بيان موجز نــُشر هذا الإثنين: “أشعر بأسف عميق لتسبب أفعالي في التشكيك في نزاهة زوجي”. وكانت الزوجة هيلديبراند قد اقتنت يوم 15 أغسطس 2011 مبلغ 504000 دولار أمريكي، لتعيد بيعها بعد أن قام البنك الوطني السويسري بتحديد سعر أدنى لصرف الفرنك مقابل اليورو، وتمت العملية في شهر أكتوبر الماضي بربح تجاوز 60000 فرنك سويسري.
“سويسرا ستفقد خبيرا مصرفيا ممتازا”
من جانبه، أعرب مجلس إدارة المصرف في البيان الذي أصدره بعد ظهر الإثنين عن الأسف لاستقالة رئيسه، مشددا على أن “السيد هيلديبراند اتخذ هذا القرار لحماية المؤسسة”، وأن “سويسرا ستفقد خبيرا مصرفيا ممتازا له علاقات دولية جيدة وبإمكانه أن يفيد البلد بشكل كبير”.
من جهتها، أوضحت الحكومة الفدرالية أنها تريد استخلاص العبر من هذه الاستقالة، معربة عن أملها في أنها ستسمح للمصرف الوطني بتكريس نفسه مجددا لمهمته المتمثلة في خدمة السياسة النقدية لسويسرا، ومؤكدة أنها “تحترم هذا القرار وتأسف لتطورات الوضع التي قادت إلى هذه (الاستقالة)”.
وسيحل محل السيد هيلديبراند نائب الرئيس الحالي، طوماس جوردان، كمسؤول عن إدارة المؤسسة، في انتظار تعيين خلف له في أقرب وقت من قبل الحكومة الفدرالية. ومن المقرر أن تبقى السياسة النقدية الحالية سارية المفعول، والمتمثلة في إبقاء سعر صرف الفرنك السويسري مقابل اليورو في حدود 1،20 فرنك سويسري.
ومن أولى ردود الفعل في الخارج على استقالة محافظ المصرف الوطني السويسري، أوضح سيمون ديريك، مسؤول الأبحاث حول العملات الصعبة في بنك نيويورك ميلون بأنه لا يعتقد أن يكون لتنحي السيد هيلديبراند من منصبه “تأثير على سياسة المصرف الوطني السويسري” وأن الحدث لن يشكل “تحديا كبيرا بالنسبة لسعر الصرف الأدنى للفرنك السويسري”.
وأضاف السيد ديريك: “قد يبدو ذلك مضادا للحدس، ولكنه يشير إلى أننا أمام بنك مركزي يمكن أن نثق فيه، وهذا سيعمل بشكل هامشي على تقوية جاذبية الفرنك السويسري. ولكن في إطار أكثر شمولية، نعرف جيدا بأن المصرف الوطني السويسري سيدافع عن سعر الصرف الأدنى للفرنك وهذا سيقوي من مصداقية البنك المركزي”.
استلم نائب محافظ المصرف الوطني السويسري منصب المحافظ (أو الرئيس) بالنيابة مثلما صرح بذلك فيليب هيلديبراند عصر الإثنين 9 يناير 2012 أمام وسائل الإعلام. في المقابل، سيتم تعيين المحافظ المقبل للمصرف من طرف الحكومة الفدرالية.
في الأثناء، يعتزم فيليب هيلديبراند تقضية المزيد من الوقت مع عائلته حيث صرح أمام وسائل الإعلام: “لقد عشنا أياما صعبة جدا”، وأضاف أنه سيدرس لاحقا مسألة رفع شكاوى محتملة مؤكدا أنه “لا يستبعد شيئا في الوقت الحاضر”.
تتمثّل المهمّة الرئيسية للمصرف الوطني في وضع السياسة النقدية.
ووفقا للدستور الفدرالي، يعمل المصرف الوطني على ضمان إستقرار أسعار العملة، وهو شرط ضروري للحفاظ على النمو الإقتصادي.
مثّل إصدار الاوراق النقدية، والمعاملات المالية، في البداية المهمّات الرئيسية بالنسبة للمصرف الوطني. أما طباعة العملة، التي كانت تحظى باهمية كبيرة في القرن التاسع عشر، هي اليوم من مهام وزارة المالية.
ويتكفل المصرف الوطني حاليا أيضا بضمان استقرار النظام المالي
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.