واحة السلام … في زمن الحرب!
في الوقت الذي تلتهم فيه دوامة العنف آمال السلام في منطقة الشرق الأوسط، تقف قرية صغيرة في إسرائيل كواحة على كوكب قصي .. يعيش فيها الفلسطينيون واليهود معا على قدم المساواة! سويس إنفو التقت بمؤسسةِ القرية السويسرية الأصل وأحدِ سكانها من الفلسطينيين.
كأنهم يعيشون فوق القمر أو في عالم من صنع الخيال. هكذا يبدو الانطباع الأولي عند لقاء السيدة إيفي جوجينهايم شبيتا، الإسرائيلية السويسرية الأصل، والسيد داوود بولس، الإسرائيلي الفلسطيني الهوية.
كلاهما يعيشان في قرية في إسرائيل تقع في منطقة بين مدينتي تل أبيب والقدس أسمها:”واحة السلام” أو Neve Shalom . وكلاهما مقتنعان بمبدأ جوهري جمعهما هم وأربعون عائلة في الواحة. مبدأ نسيناه في خضم الأحداث الدموية المتسارعة التي تنهش المنطقة: التعايش السلمي بين اليهود والعرب في إسرائيل.
شاركت السيدة جوجينهايم في تأسيس القرية عام 1979، وأنضم إليها السيد بولس بعد ذلك بعامين ويتولى اليوم منصب مدير التنمية في الواحة. وبينهما يقف تاريخ بأسره كان يمكن أن يكون حاجزا بينهما لكنه بدلا من ذلك دفعهما، كل وعائلته، إلى الحياة معا. .. حياة مشتركة.
لكن، إذا كان الانطباع الأول الذي يتولد لدى لقاءهما قد يدفع المرء إلى الاقتناع بسذاجة إيمانهما بالتعايش السلمي، لاسيما وأن العالم يحترق من حولهما والدماء تنزف بلا توقف والدبابات تسحق كل أغصان الزيتون التي يرفعانها. فإن نظرة مدققة أكثر تعمقا تبرز مدى صعوبة المهمة التي أخذاها على عاتقيهما. فالحياة معا رغم كل شئ تظل صعبة للغاية.. ولعلها أصعب بكثير من قتل أحدهما للأخر!
صدمة حضارية …
أقر الاثنان أنهما لم يشعرا في حياتهما بهويتهما والتصاقها بروحهما مثلما أحسا بها عند انضمامهما إلى الواحة. كانت صدمة حضارية من نوع خاص دفعتهما دفعا إلى اكتشاف جذورهما من جديد، وإلى أن يصبحا مرآة للأخر.
هو العربي الفلسطيني الممزق بين دولة لا تمنحه سوى مواطنة من الدرجة الثانية ووطن يمتزج ترابه بمرارة نكبته. وينتظر كما أنتظر أبوه من قبله اعتذارا من الدولة الإسرائيلية عما حل بشعبه. هو دَين لم يستوفه حتى اليوم. ويفشي في حديثه سرا لعله اصبح مكشوفا أن انضمامه إلى القرية كان رغم قناعته أنها تقدم الكثير من التنازلات للطرف الأخر (أي الطرف اليهودي). وأنه إنما فعل ذلك “حتى أرى متى يتم هذا الاعتذار”.
وهي اليهودية التي انتقلت إلى إسرائيل من سويسرا إثر استكمالها لدراستها سعيدة بالعودة “إلى وطنها أخيراً”، “لتكتشف” أن هناك عربا يعيشون في الدولة العبرية! واقتنعت لذلك أنهم “غشوها” عندما قصوا عليها حكاية وطنها اليهودي.
ولأنها كانت تحلم دوما بوطن لا تعامل فيه على أنها جزء من أقلية (كما شعرت في سويسرا) فأنها أدركت معنى الوطن للفلسطيني أيضا. ولأنها عايشت معه واقعا، لم يراه نظيرها ممن فضل تجاهل وجوده، فقد رفعت صوتها معه مطالبة الجانب اليهودي بتحمل مسؤولية ما حدث عام 1948، والكف عن دعم “المقولة ان الفلسطينيين غادروا البلاد لأن العرب وعدوهم بإعادتهم إلى بيوت اليهود”.
غير أن ذلك لا يعني أنهما امتزجا بتاريخهما معا. على العكس من ذلك. لكنهما أصبحا بالتأكيد أكثر حساسية لمشاعر الأخر. يضربان مثلا بذكرى تأسيس إسرائيل. بالنسبة لها فإن تلك الذكرى هي عيد تحتفي فيه باستقلال الدولة العبرية، وبالنسبة له هي نكبة. ولأنها فرحة وهو حزين فلن تجدها تحتفل بتلك الذكرى أمامه، بل قررا هم وسكان القرية من الجانبين أن يمضيا اليوم معا.
إصرار على التعايش
هذا الإصرار على التعايش رغم ما فيه من صعوبة انعكس على كل أوجه الحياة في الواحة… لكنه يظل محاصرا بواقع لا مفر منه. كيف؟ يوضح مثل بسيط هذه المفارقة. فمدرسة القرية تنفرد بين كل مدارس إسرائيل والعالم العربي بتدريسها لأطفالها التاريخين الفلسطيني واليهودي معا.
في المقابل، فإن نفس هؤلاء الأطفال مجبرون يوما على الخروج من رحم السلام. سيكون على اليهوديين منهم لزاما الالتحاق بالجيش الإسرائيلي، وسيعفى نظرائهم الفلسطينيون من تلك الخدمة. وسيضطرون هم الذين جلسوا جنبا إلى جنب مع رفيق الصبا الفلسطيني، أن يوجهوا بنادقهم إلى صدر شعبه.
هي معادلة صعبة في زمن صعب: “لكن الفرق أننا نقبل بوجود الأخر، وأن لدينا حوارا حقيقيا ونعرف أننا جزءان متساويان وأن كل جزء له الحق في التعبير عن رأيه وله أراء متساوية، ولذلك أعتقد أننا نجحنا في القرية، لأننا في قبولنا لبعضنا.. نقبل أيضا أننا لا نتفق”. أمل ينزف؟ ربما، لكنه يظل أملا.
إلهام مانع
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.