واشنطن – طهران: طلاق أَم زواج مُتعة؟
ماذا بين ايران والولايات المتحدة هذه الايام؟ ليس من الصعب اكتشاف مروحة واسعة من الخلافات الايديولوجية- الاستراتيجية، التي تقف وراء الحملات المتبادلة الراهنة بين الرئيس الامريكي بوش ومرشد الثورة الإسلامية علي خامنئي.
في يناير الماضي، كان بوش يضع حدا لسياسات “كلينتونية” استمرت خمس سنوات، هدفها تعزيز مواقع الرئيس الايراني المعتدل محمد خاتمي، ويعمد الى ضم إيران الى “محور الشر” جنبا الى جنب مع العراق وكوريا الشمالية. ثم استأنف الرئيس الامريكي يوم الجمعة حملته داعيا “قادة إيران غير المنتخبين الى التخلي عن السياسات التي تحرم الإيرانيين حقوق الانسان وفرص الازدهار”.
وقد رد خامنئي على بوش بعنف، رافضا أي حوار او تقارب مع الولايات المتحدة، التي كرر التلميح بانها الخصم الرئيسي للثورة الاسلامية الايرانية. وأدت هذه الحملات الى تفاقم الشكوك المتبادلة بين الجانبين.
فآيات الله المحافظون يرون أصابع امريكية في التظاهرات الطلابية الاخيرة في طهران بمناسبة الذكرى السنوية الثالثة للصدام الدموي بينهم وبين قوات السلطة قبل ثلاث سنوات، لا بل هم يشكوّن في الاستقالة الاخيرة لرجل الدين البارز أية الله جلال الدين طاهري، إضافة الى بيان زعيم الحزب الاصلاحي محمد رضا خاتمي (شقيق الرئيس خاتمي) الداعي الى التقارب مع واشنطن، لاعتبارهما مجرد رجع صدى لحملات الادارة الامريكية عليهم.
في المقابل، تنظر الولايات المتحدة بعين الريبة الشديدة الى سياسات إيران في أفغانستان وآسيا الوسطى، وترى على وجه الخصوص ان استمرار دور طهران الداعم لحركتي حماس والجهاد الفلسطينيتين ولحزب الله اللبناني، هو اكبر خطر على السلام الامريكي الذي تريد واشنطن فرضه في الشرق الاوسط.
“زواجات المتعة”
الخلافات الاديولوجية – الاستراتيجية، إذن موجودة، وهي تنبع من التاريخ وصراع الحضارات، كما من الحقائق الجيو- سياسية التي أفرزتها الثورة الايرانية منذ عام 1979. لكن، وبعد قول كل شيء عن عوامل التوتر الثابتة هذه، تبقى حقيقة لا يمكن القفز فوقها، وهي ان واشنطن وطهران استطاعتا في كثير من الاحيان طيلة العقدين الماضيين إبرام عقود “زواج متعة” سرية، برغم حالة الطلاق الرسمي العلنية بينهما، وهذا بدأ في الثمانينات مع ايران – غيت وصفقات الرهائن الامريكيين في لبنان، مرورا ب “مذكرات التفاهم” عشية حرب الخليج الثانية عام 1991، وانتهاء بالتحالف الحقيقي الاخير بينهما عام 2002 لاسقاط نظام طالبان الافغاني.
والان، وفيما الولايات المتحدة تستعد لتنفيذ أخطر انقلاب إستراتيجي في الشرق الاوسط منذ خمسينات القرن العشرين، والذي يتمثّل في العمل على قلب النظام العراقي وإعادة رسم كل خريطة المنطقة، كان يُتوقع بروز “زواج متعة” جديد بين الطرفين اللذين لهما مصلحة متبادلة أيضا في إزاحة الرئيس صدام حسين.
وكان ريتشارد أرميتاج، نائب وزير الخارجية الامريكي المعروف بصراحته الجارحة، ألمح قبل نحو الشهرين الى قرب التوصل الى التحالف الجديد، حين أشار الى ان الولايات المتحدة قد تغض الطرف عن صفقات الاسلحة الروسية لايران وحتى عن برنامج التسلح النووية الايراني، “في مقابل شروط معينة”. ولم يكن من الصعب بالطبع معرفة طبيعة هذه الشروط، في اجواء التحضيرات الراهنة للحرب ضد العراق.
لكن هذا الزواج المتوقع الجديد، لم يبرم. لماذا؟ يعتقد المحللون ان ثمة سببين وراء تعثر مراسم القران. الاول، الانهيار السريع للتحالف الامريكي- الايراني في أفغانستان فور تهاوي نظام طالبان. فقد شعرت طهران انها خرجت خالية الوفاض من هذه الحرب، وخشيت أن تتحّول أفغانستان في النهاية الى دولة علمانية تحرسها القوات الامريكية – التركية- الباكستانية، وتكون رأس حربة لزعزعة النظام الاسلامي الايراني، وهذا ما دفعها الى مواصلة المشاغبة على الأمريكيين في الهضبة الافغانية – الاسيوية الوسطى، الامر الذي دفع الرئيس الامريكي الى إطلاق تحذيرات قوية لها في اوائل هذا العام من مغبة مواصلة السير على هذا النهج التصعيدي.
والسبب الثاني، هو عدم توصل ايران وامريكا (حتى الان على الاقل)، الى تفاهم حول نظام ما بعد صدام حسين. وهذا عكس نفسه في سيل التصريحات التي أطلقها العديد من المسؤولين الايرانيين طيلة الاسابيع الماضية، والتي تشدد على “رفض الهيمنة الامريكية” في المنظقة.
الثمن الذي تريده طهران
اما في مجالسهم الخاصة، فقد كان المسؤولون الايرانيون يقولون انهم على غير ما استعداد لتكرار تجربة افغانستان، وبالتالي فهم يشترطون التفاوض مسبقا مع واشنطن حول الحصة الشيعية في نظام ما بعد صدام “لضمان عدم تكرار الخديعة الافغانية” (على حد تعبير مسؤول ايراني كبير).
وفي هذا السياق، تشجّع طهران الان حليفها محمد باقر الحكيم، رئيس المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق (مقرها طهران) على الانخراط في حوار مع “الإمبرياليين الأمريكيين” حول مستقبل العراق.
وحتى خلال الحملات الأيديولوجية الأخيرة بين البلدين، كان ملفتا الا يستخدم أية الله خامنئي تعبير “الشيطان الاكبر” المعهود للإشارة الى أمريكا، بل تعبير “التوسعية الامريكية”. والفارق بين التعبيرين، هو نفسه في الواقع، الفارق بين المثاليات الاديولوجية والمصالح الاستراتيجية.
هل يعني كل ذلك أن العلاقات الامريكية – الايرانية وصلت الى نقطة صدام لا عودة عنها؟
ليس بالضرورة. ففي كثير من المراحل، كان التصعيد الاعلامي او السياسي تمهيدا لصفقات او تفاهمات جديدة. وهكذا لا يستبعد ان تكون الحملات المتبادلة الاخيرة “تفاوضا بوسائل اخرى” على مستقبل العراق، حيث تضغط امريكا على الداخل الايراني لتخفيف الشروط والمطالب الايرانية في العراق، فيما تصّعد طهران سياسيا وامنيا في فلسطين، وربما لبنان وسوريا، لزيادة حصتها من الكعكة العراقية.
إنها على ما يبدو، خلافات دورية في زواج المتعة الايراني الامريكي.
سعد محيو- بيروت
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.