ورطة المالكي: أزمة اشتدّي تنفَـرجي!؟
قد لا يصدَّق هذا المثل "أزمة اشتدّي تنفرجي" على رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، الذي يواجه هذه الأيام أزمة حقيقية، تتمثل في تحديد الإدارة الأمريكية سقفا زمنيا جديدا لحكومته، كي تحقق نجاحات بالمقاس الأمريكي بشأن المسألة الأمنية والمصالحة الوطنية.
وزيرة الخارجية الأمريكية منحت المالكي شهرين إضافيين لإعادة تقييم أدائه قبل التوجه إلى عزله بالطرق “الديمقراطية”، وذلك عبر تفكيك تحالفاته السياسية لحجب الثقة عنه من قِـبل مجلس النواب، “الذي لا يحل رجل دجاجة”، كما يردد العراقيون.
وليس هذا وحسب، فالمالكي يعاني من تداعيات ما يشهده الائتلاف العراقي الموحّـد من انفراط عقده بخروج أهم حلفاء المالكي، الذي أوصله وسلفه رئيس الوزراء السابق إبراهيم الجعفري إلى رئاسة الوزراء، أي التيار الصدري، وسط أحاديث عن اصطفافات جديدة ضده “غير مألوفة لجمع التيار الصدري بجبهة التوافق السنية وجبهة الحوار الوطني، القريبة من البعثيين”.
غير أن أكثر ما يوجع رئيس الوزراء العراقي، هو إخفاقه في إعادة الأمن إلى البصرة، التي كانت تُـعرف بأنها الأكثر أمنا، وهي اليوم تحت رحمة جماعات تكفيرية تقوم بعمليات قتل على نِـطاق واسع بالاغتيالات وبطريقة الإعدامات!
وما يثير الدّهشة، أن من باتوا يُـعرفون بـ “طالبان الشيعة”، هم من ينفِّـذ هذه الموجة من الاغتيالات المُـريبة في مدينة البصرة، ثاني أهم وأكبر المدن العراقية.
هذه الاغتيالات تجري بصورة منظّـمة، وهي تثير قلقا جدِّيا وتُـنفَّـذ بطُـرق مختلفة، أكثرها خطورة بواسطة قنّـاصين، والضحايا هم ضباط الشرطة والاستخبارات وممثلو مرجعيات دينية، منها مرجعية السيد آية الله علي السيستاني.
ومن بين الضحايا أيضا، رجال دِين تابعين للزعيم الشاب السيد مقتدى الصدر، ما يعني أن جماعات تكفّـر الجميع في البصرة، هي التي تقف خلف هذه الاغتيالات وهي لا توفِّـر النافذين السُـنة في الحزب الإسلامي في البصرة.
ويسجِّـل تقرير الموقف الأمني اليومي أن من بين الضحايا فتيات يتِـم إعدامهن بإطلاق رصاصة على الرأس من مسافة مائة متر وأمام الملأ، والتّـهمة هي “الإفساد في الأرض”!؟
أصابع الاتهام للـ “تكفيريين الشيعة”
وإذا كانت أصابع الاتِّـهام تتَّـجه إلى من يُـسمون بالتكفيريين، وهذه المرة إلى “تكفيريي الشيعة”، فإن مجلس المحافظة يحمِّـل اللجنة الأمنية مسؤولية الانهيار الأمني، وطالب بتغييرها ودعا إلى أن يتبنّـى المجلس المسؤولية الأمنية بشكل مباشر.
أما موقع الشبكة الإسلامية، القريب من جماعات إسلامية متطرِّفة غير شيعية، فقد نَـشر في الخامس عشر من شهر سبتمبر الماضي، أي بعد يومين من اغتيال الشيخ عبد الستار أبو ريشة، رئيس مجلس صحوة الأنبار، أن الحرب على الحكومة اتّـخذت مديات أوسع بتنفيذ اغتيالات ضد وكلاء السيستاني وضبّـاط الشرطة في البصرة وغيرها من محافظات العراق الجنوبية، الأمر الذي يدفع إلى الاعتقاد بأن جهات إقليمية وربّـما دولية “تبدو مرتاحة” لهذا الوضع، إذا لم تكن متورِّطة فيه، كما يذكُـر بعض قادة الائتلاف العراقي الموحد!
ويمكن القول في ضوء هذه المعطيات، خصوصا وأن الاغتيالات تتصاعد مع قُـرب موعد تسليم الملف الأمني من قِـبل القوات البريطانية، أن هذه الموجة من الاغتيالات في البصرة تزيد بدورها من احتمالات ضرورة عودة القوات البريطانية إلى المدينة، إذا تدهور الوضع الأمني بشكل أكبر.
فالقوات البريطانية، التي حصرت نشر عناصرها في قاعدَتي فندق شط العرب وقاعدة المطار الجوية بالجوار من مطار البصرة الدولي، ظلت مسؤولة عن الأمن في البصرة، وهي مستعدة – كما يقول البريطانيون – للعودة مجددا، إذا تأزّمت الحالة بين المجموعات المختلفة في البصرة.
وبين هذا وذاك، تتّـهم القوات الأمريكية إيران بزعزعة الأمن والاستقرار في عموم الجنوب العراقي، من خلال سيطرتها على عدد من الجماعات المُـوالية لها في الأصل منذ أيام النِّـضال ضد النظام السابق أو التي تم إنتاجها في مرحلة الفوضى الأمنية التي عمّـت العراق بُـعيد سقوط نظام صدّام.
وتخشى واشنطن – أو هكذا تقول – أن يفتَـح الانسحاب البريطاني الباب واسعا أمام إيران لتحكم سيطرتها بالكامل على البصرة وملء الفراغ الأمني الذي سيخلِّـفه الانسحاب البريطاني “وهو ما أعلنه الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد وصرّح به بشأن العراق كله، وليس البصرة وحدها، عندما كان يحضّ واشنطن على سحب قواتها، داعيا إلى تعاون إقليمي مع المملكة العربية السعودية بهذا الخصوص”.
ورطة كردستان!
أول امتحان جدّي خارج الحدود يُـواجهه رئيس الوزراء العراقي، جعله في وضع لا يُـحسد عليه. فالأزمة مع تركيا كشفت عن هشاشة تحالُـف المالكي مع الأكراد، وأنها أزمة بين رئيس الوزراء المحتاج دوْما لدعم الأكراد “في العملية السياسية” والأكراد، الذين يمسِـكون بورقة الانسحاب من الجبهة الرباعية، التي تضمّ حزب الدعوة برئاسة المالكي والمجلس الأعلى الإسلامي العراقي بزعامة عبد العزيز الحكيم، والحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة رئيس إقليم كردستان مسعود البرزاني والاتحاد الوطني الكردستاني، الذي يتزعمه الرئيس العراقي جلال الطالباني.
وبما أن الحكومة العراقية تظل غير موحّـدة وتعاني من الانقسام الطائفي، فإن كل طرف من أطرافها يسعى إلى توظيف الأزمة لصالحه.
فالحكومة أرسلت وفدا أمنيا وسياسيا برئاسة وزير الدفاع إلى أنقرة، وذلك بعد زيارة زعيم الحزب الإسلامي “المُـنسحِـب من الحكومة” طارق الهاشمي، نائب الرئيس جلال الطالباني.
الهاشمي، الذي طالب الأتراك بمُـهلة كافية، غمز من قناة رئيس الوزراء وضُـعفه في مواجهة أزمة حزب العمال الكردستاني عندما أكّـد “تفهّـمه الغضب التركي”!
وليس غريبا أن يرحِّـب رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان بمبادرة الهاشمي، الذي يقود حزبا سُـنيا يُـشبه إلى حد كبير حزب العدالة والتنمية، الذي ينتمي له اردوغان، غير أنه لم يفعل نفس الشيء مع الوفد الرسمي، الذي يمثل المالكي من حيث طريقة الاستقبال ومكان الإقامة ورفض مقترحاته لحل الأزمة.
عموما، فإن هذه الأزمة لن تتوقّـف تداعياتها، حتى تتوضّـح الصورة الكاملة لما سيؤول إليه الوضع الداخلي في العراق، خصوصا وأن الحكومة العراقية المتأرجِـحة ما بين تحالفها المُـهم مع الأكراد ورغبتها في إقامة علاقات مُـتوازنة مع دول الجوار، لا تستطيع القيام بمُـعجزة لحلّ هذه الأزمة، وهي لا تملك جيشا في إقليم كردستان، عَـدَا المقاتلين الأكراد البشمركة، ولا يمكنها أن ترسل أي قوات إلى هذه المنطقة، ذات الحُـكم شبه المستقِـل، في حال اندلاع حرب بين الأكراد والقوات التركية، إلا بموافقة البرلمان الكردي والقوات الأمريكية (!)
كما أن المشكلة الأمنية المُـتفاقمة في بغداد تجعل من الصعوبة بمكان أن تنجح الحكومة المركزية في توفير الدّعم للأكراد، بما يُـفقِـد هذه الحكومة القُـدرة على التركيز لحلِّ الأزمة، ما عدا إطلاق التصريحات والمناشدات.
نجاح محمد علي – دبي
بغداد (رويترز) – تسلمت قوات الأمن العراقية رسميا السيطرة على محافظة كربلاء يوم الاثنين 29 أكتوبر، لتكون هذه المحافظة الثامنة التي تتسلّـم الملف الأمني من قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة. وقال السفير الأمريكي ريان كروكر وقائد القوات الأمريكية بالعراق الجنرال ديفيد بتريوس، إن تسليم كربلاء لحظة مهمّـة في انتقال العراق لمرحلة الاعتماد على الذات. وأضافا في بيان أن “قوات الأمن العراقية في كربلاء تعمل بنجاح بشكل مستقل وحافظت على أمنها خلال الأشهر الثلاثة المنصرمة… لقد أظهرت استعدادها للاضطلاع بالمسؤولية في المحافظة، وهي منُـوطة بهذه المسؤولية اليوم”.
ومن جانبه، قال رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي أثناء مراسم نقل السلطات الأمنية في محافظة كربلاء، إن المصالحة الوطنية نجحت وأن الباب لا زال مفتوحا لكل من يريد العودة والمشاركة في عملية بناء العراق الجديد. وقال المالكي “إن محافظة كربلاء تلتحق اليوم بقائمة المحافظات التي تسلمت الملف الأمني، وهذا يعني كثيرا ويعني تطوّرا كبيرا وخطوات حثيثة على طريق تسلم كامل الملف الأمني”.
وتقع كربلاء على مسافة 100 كيلومتر إلى الجنوب من بغداد، وهي منطقة ذات أغلبية شيعية وتضُـم مرقَـد وضريح الإمامين الحسين والعباس. وكشف المالكي أن محافظة البصرة، التي تُـعتبر إحدى أكبر المدن العراقية، ستكون المحافظة القادمة التي تستلم الملف الأمني من القوات الأمريكية وقال “اليوم في كربلاء وفي منتصف شهر ديسمبر، ستكون البصرة إن شاء الله تستلم ملفها الأمني”.
وكانت محافظات السماوة والناصرية والنجف والعمارة والمحافظات الشمالية الثلاث، التي تقع ضمن الإقليم الكردي قد استلمت المسؤولية الأمنية من القوات الأجنبية في العراق في الفترة الماضية. ورغم إعلان المالكي أن عملية بناء العراق لا تقف عند حدود الجانب الأمني، فقد أكد أن “الأمن مفتاح كل شيء بالنسبة لنا.. وأن العملية الأمنية لابد وأن تستمر… وهذا ما نطلبه ونتمناه من القيادات العسكرية والأمنية في الجيش والشرطة وأجهزة الأمن الأخرى في أن تحُـث الخطى وتعمل المزيد… كي تستلم الملفات الأمنية من باقي المحافظات”.
وقال المالكي “ونحن نتطلّـع لعملية استعادة العراق لكل عافيته، لابد أن نفرز بين القوى السياسية الحقيقية التي تريد أن تبني الوطن… لابد أن نبحث عن الشركاء الذين يبحثون عن المسؤولية الوطنية لا أولئك الذين يتحدثون فقط لكنهم عندما يمارسون يتناقض المسار عن الفكر”، وأضاف “القوة ليست وحدها هي التي تبني هذا البلد، إنما لابد وأن نفتح بابا للحوار وآفاقا للفكر والتعاون”. وتابع “لابُـد أن نُـبقي الباب مفتوحا ومن موقِـع القوة، وليس الضعف، لإعادة الذين ذهبوا خارج إطار القانون والذين شطت بهم الأفكار فذهبوا بعيدا بالإساءة والتصرّفات السيئة، أن يعودوا إلى رُشدهم وسيجِـدون قلوبا وعقولا وأكُـفا مفتوحة”.
ومضى يقول، “لكن هذا مشروط بالالتزام والاستقامة وعدم العودة إلى الممارسات السيِّـئة وثقافة العنف وثقافة القوة”. وقال “أنا أؤكد من هنا ومن موقع قوة الدولة ومن موقع الرؤية الواضحة، بأننا وفي كل المواقع نرحِّـب بالعائدين عن الخطأ (الذين) يريدون أن يصححوا المسار والسلوك ليكونوا مواطنين صالحين يشتركون مشاركة فعلية في بناء العراق”. وقال المالكي إن المصالحة الوطنية نجحت وحذّر من محاولات قال إنها تهدف إلى الانقلاب عليها وتعطيلها، وأضاف “أقول بكل شجاعة وجرأة إن المصالحة الوطنية نجحت، وهذا ليس فخرا للحكومة، إنما فخرا لشعب العراق، الذي كان مهيّـئا لاستقبال مفاهيم الحوار والمصالحة”.
وتابع قائلا “هناك محاولات تحت عنوان المصالحة، وهي محاولات اختراق وتسلل إلى مواقع في أجهزة الأمن والدولة من أجل الانقلاب على المصالحة الوطنية، ولا يهمنا إن رددنا هذا ومنعنا ذلك من التسلل حتى وإن استخدموا الإعلام وكثروا من الضجيج والعويل والتباكي على المصالحة”. وتابع “لابد أن ندرك أن ليس كل من يرفع شعار المصالحة هو مُـصالح وهو مُـتفهم للحوار.. إنما البعض لا زال يتحرّك بعقلية تآمُـرية وعقلية اختراقية ولا زال يحلُـم أنه يستطيع أن يعيد عقارب الساعة إلى الوراء”، وأضاف “هؤلاء ينبغي أن نكون على حذر منهم”.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 29 أكتوبر 2007)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.