وصول رفات مقاتلين ضد الاستعمار من فرنسا الى الجزائر
فرشت السجادة الحمراء واصطف حرس الشرف وسط أصوات الطبول وطلقات المدافع عند استقبال الجزائر الجمعة رفات 24 مقاتلا قتلوا في السنوات الأولى للاستعمار الفرنسي، تمت استعادتها من فرنسا في بادرة تهدئة للعلاقات الثنائية المتقلبة.
وحطّت طائرة هرقل سي-130 حاملةً رفات 24 المقاتلين في مطار الجزائر الدولي بعد الساعة الأولى بعد الظهر بقليل (12 ظهراً بتوقيت غرينتش)، رافقتها مقاتلات للجيش الجزائري من طراز “سوخوي سو-30″، وفق ما أفاد مصور في وكالة فرانس برس.
وكان في استقبال النعوش، التي جرى الاحتفاظ بها منذ القرن التاسع عشر في متحف الإنسان بباريس، الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون ورئيس الأركان الجديد الفريق سعيد شنقريحة.
وقال أحد المدونين على تويتر وقت وصول الرفات إن “صفارات السفن في ميناء العاصمة تمثل لحظة عاطفية في مدينة صامتة بشكل لا يصدق”.
رافق النعوش موكب دراجات نارية حتى وصلت قصر الثقافة حيث ستبقى معروضة طوال السبت.
ودعا وزير المجاهدين المواطنين إلى الحضور لاستقبال الرفات، مع احترام التباعد الجسدي بسبب الوباء.
بدوره، قال رئيس الأركان “يعود هؤلاء الأبطال إلى أرضهم، أرض أجدادهم” بعدما “كابدوا بطش الاستعمار وغطرسته”.
وستدفن الرفات الأحد، يوم عيد الاستقلال، في “ساحة الشهداء” في المقبرة العلية في العاصمة حيث يدفن أبرز وجوه حرب الاستقلال.
وقال قصر الاليزيه الجمعة إن “هذه الحركة تندرج في خانة الصداقة والوضوح حول جميع جراح تاريخنا”.
وتعتبر هذه الخطوة مؤشرا على تحسن في العلاقات بين الجزائر والدولة الاستعمارية السابقة، وهي علاقات اتسمت منذ استقلال البلاد في العام 1962 بالتوترات المتكررة والأزمات.
ويغذي هذه العلاقة المتقلبة انطباع في الجزائر بأن فرنسا لا تقوم بما فيه الكفاية لتسوية ماضيها الاستعماري (1830-1962).
وأعلن تبون الخميس أمام أفراد من الجيش العودة الوشيكة من فرنسا ل”رفات 24 من قادة المقاومة الشعبية ورفاقهم، مضى على حرمانهم من حقهم الطبيعي والإنساني في الدفن أكثر من 170 سنة”.
وقال “أبى العدو المتوحش إلا أن يقطع آنذاك رؤوسهم عن أجسامهم الطاهرة نكاية في الثوار، ثم قطع بها البحر حتى لا تكون قبورهم رمزا للمقاومة”.
وقالت المؤرخة المتخصصة في تاريخ الجزائر مليكة رحال على “تويتر”، “أجزاء الأجساد (…) تعود إلى منزلها بعد إقامة طويلة جدا في صناديق متحف الإنسان في باريس”.
وأضافت “جزء آخر من 1962 تجري تسويته … في 2020”.
-“جريمة ضد الانسانية”-
وطلبت الجزائر رسميا من فرنسا للمرة الأولى في كانون الثاني/يناير 2018 إعادة الجماجم وسجلات من الأرشيف الاستعماري.
وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تعهّد خلال زيارة للجزائر في كانون الأول/ديسمبر 2017 إعادة الرفات البشري الجزائري الموجود في متحف الإنسان التابع للمتحف الوطني للتاريخ الطبيعي.
وفي العام نفسه لكن قبل انتخابه، وصف ماكرون استعمار الجزائر بأنه “جريمة ضد الإنسانية”.
في نهاية العام 2017، قال رئيس المتحف برونو دافيد إن المؤسسة “مستعدة لدعم مسار الاسترداد”.
وشرح أن “الرفات البشرية دخلت في مجموعاتنا الأنتروبولجية نهاية القرن التاسع عشر عقب حلقات مختلفة مرتبطة بالغزو الفرنسي للجزائر”.
وأثار المؤرخ الجزائري علي فريد بلقاضي مسألة الجماجم في العام 2011 بعد قيامه بعملية بحث في المتحف. وأعرب عن أسفه لكون الجماجم “محفوظة في صناديق من الورق المقوى المبتذلة تشبه علب متاجر الأحذية”.
وهو نقد دحضته إدارة المتحف.
وطالبت عرائض عديدة وقعها مؤرخون بإعادة الرفات إلى الجزائر.
– تهدئة دبلوماسية –
وعشية الذكرى ال58 للاستقلال التي سيتم الاحتفال بها الأحد، تظهر هذه الخطوة الرغبة في التهدئة بعد خلاف دبلوماسي بين البلدين مرتبط ببث فيلم وثائقي على التلفزيون الفرنسي في نهاية أيار/مايو يتناول الشباب الجزائري الرافض للنظام في الجزائر حيث تتواصل موجة من الاحتجاجات منذ شباط/فبراير 2019.
وتتزامن الخطوة مع النقاش العالمي حول انتهاكات القوى الاستعمارية السابقة في العالم بعد وفاة الأميركي الأسود جورج فلويد الذي قتل على يد شرطي أبيض في الولايات المتحدة.
وتبقى قضية الذاكرة في صميم العلاقات المتقلبة بين الجزائر وفرنسا. وقد تبنى النواب الجزائريون أخيرا قانونا “تاريخيا” تمّ بمقتضاه اعتماد 8 أيار/مايو يوما للذاكرة، تخليدا لذكرى مجازر 1945 التي ارتكبتها القوات الفرنسية في مدينتي سطيف وقسنطينة (شرق).
وتريد السلطات الجزائرية أن تطرح ملف “المفقودين” أثناء حرب الاستقلال (1954-1962) البالغ عددهم أكثر من 2200 وفقا للجزائر، وأيضا الملف الخاص بالتجارب النووية الفرنسية في الصحراء الجزائرية “التي أوقعت ضحايا وما زالت”، وفق ما تقول.
وقال المؤرخ بنيامين ستورا لوكالة فرانس برس إنه “عبر هذه الحركة، تعيد فرنسا اكتشاف تاريخها. يساهم هذا في إخراج الصفحات القاتمة من تاريخنا من النسيان”.
وأضاف أنه “توجد حركة عالمية لاستعادة تاريخ الشعوب، ولا يمكن أن تكون فرنسا في منأى من ذلك”.
وفي آذار/مارس 1962، نصت اتفاقات إيفيان الموقعة مع فرنسا على وقف فوري لإطلاق النار ومهدت الطريق لإعلان استقلال الجزائر في 5 تموز/يوليو.