“يا ما أحلى الملكية..”
كان تولى الرئيس بشار الأسد الحكم الجمهوري في سوريا خلفا لوالده الأسد أول سابقة من نوعها في الوطن العربي. لكنها، على ذلك، فتحت الباب أمام احتمالات واسعة في أساليب الحكم في العالم العربي لاسيما مع تسليط الأضواء المتزايد على عدد من أبناء الرؤساء في الجمهوريات العربية.
الكل ينفي.. أو على الأقل معظمهم. ففكرة وراثة الأبناء لآبائهم الرؤساء في جمهوريات عربية يجد فيها المعنيون غرابة تكاد تكون مستهجنة. الرئيس المصري حسني مبارك، على سبيل المثال، نفى في مقابلة نشرت يوم الأربعاء الموافق الرابع من شهر يوليو الحالي ما توارد من أخبار عن إعداده لأبنه جمال لخلافته. وشدد على موقفه هذا بالقول:”فكرة انتقال السلطة إلى أبناء الرؤساء لا تخطر على بالي.”
أما الرئيس اليمني علي عبد الله صالح فقد كان نفيه في لقاء سابق مع قناة الجزيرة الفضائية مواربا. هو بالتأكيد لا ُيعدُ أبنه أحمد لرئاسة الجمهورية اليمنية.. لكنه، أي أبنه أحمد، مواطن يمني .. له من الحقوق في العمل السياسي مثل أي مواطن عادي. وترك الباب بذلك مفتوحا.
ويتشابه هذا الوضع مع ما هو سائد في ليبيا، فالنفي لا يتعلق بمدى إمكانية خلافة الوالد، بل لأن الحديث سابق لأوانه. جاء ذلك في تصريح لأبن الرئيس معمر القذافي، الساعدي، لجريدة القدس العربي الصادرة في لندن، يوم الرابع من شهر يوليو الحالي أثناء زيارة رسمية له إلى اليابان، عندما قال:” لا أعرف لم تكثر الأسئلة حول قضية الخلافة. إنه ليس وقت هذه الأسئلة. الأمر سابق لأوانه.”
لم يخرج عن قاعدة النفي إلا العراق. فالتنافس بين ابني الرئيس صدام حسين، عدي وقصي، على “الخلافة”، والذي وفر مادة خصبة للتكهنات في الصحافة العربية والغربية على حد سواء، تم حسمه كما يرى المراقبون في شهر مايو الماضي لصالح قصي، عندما ُّرفع هذا الأخير إلى القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي. وهي نفس الخطوة التي تم اتخاذها في سوريا تمهيدا لتولي بشار الأسد الحكم.
النموذج السوري..
القاسم المشترك بين كل تلك الحالات هو النموذج السوري وهو الباعث على انتشار التكهنات وتواصلها رغم النفي المتكرر. فقد كانت سابقة بحق.. قلبت الموازين في الساحة السياسية العربية. وهي سابقة، كما يشرح السيد عبد الباري عطوان رئيس تحرير جريدة القدس العربي الصادرة في لندن، “بمعنى أن جمهوريات تتحول إلى ملكيات وابن الرئيس يرث الرئيس في الحكم.”
وهي أيضا سابقة من حيث أنها وفرت نموذجا يمكن الاحتذاء به في الجمهوريات العربية. يكمل السيد عطوان:”هناك زعماء عرب كانوا ممتنين كثيرا لهذه السابقة وسعداء بمرورها وهم الآن يراقبون هذه التجربة، ويهيئون أبناءهم في نفس الوقت ليحلوا محلهم بطريقة أو بأخرى.”
رغم النفي فالشكوك قائمة
ربما لذلك ظلت التأكيدات الرسمية بعدم وجود نية للاحتذاء بالنموذج السوري تنزل على أذان غير مصغية. ليس فقط لأن “الحكومات العربية” على حد قول السيد عطوان، اعتادت أن “تنفي أشياء ثم يتم تأكيدها عمليا في وقت لاحق”. بل لأنه من المنطقي التساؤل، لو صحت تلك التأكيدات، فكيف يمكن تفسير التسليط المتكرر للأضواء على “الأبناء”، وعلى “إنجازاتهم”، وعلى “قدراتهم الشابة”؟
والأهم، كيف يمكن تبرير تكليفهم بمهام ومناصب عليا. فعلاوة على اصطحاب الرئيس حسني مبارك لأبنه جمال في معظم جولاته إلى الخارج، خاصة إلى أوروبا والولايات المتحدة، تم تعيينه في المكتب السياسي في الحزب الوطني، الحزب الحاكم في مصر.
وفي اليمن، بزغ نجم أبن الرئيس علي عبد الله صالح، احمد، بالتدريج، ثم بدأ يترقى في السلم العسكري بسرعة الصاروخ، حتى اصبح رئيس الحرس الجمهوري.
وعلى الجبهة الليبية، ورغم عدم اتضاح الصورة كما هو الحال في العراق، اصبح من المعتاد رؤية أبني الرئيس معمر القذافي، الساعدي وسيف الاسلام، على رأس وفود رسمية إما لتمثيل ليبيا أو تسليم رسائل من أبيهما إلى رؤساء دول، بل وصل الأمر أحيانا إلى نيابتهما لأبيهما في بعض المناسبات.
الطريق إلى أين؟
والمفارقة في كل ذلك، أن ما يحدث يجري في جمهوريات عربية تأسست أصلا على أنقاض ملكيات وراثية كان الهدف من إطاحتها، على حد ما قيل آنذاك، هو التخلص من نظامها الوراثي الفاسد، وبدء صفحة جديدة تهيئ لحكم الشعب من أفراد الشعب. و إذا ما تغاضينا عن أن معظم رؤساء تلك الدول وصلوا إلى السلطة من خلال انقلابات عسكرية، فإن هذا الاتجاه المعاصر، إذا تحول فعليا إلى الإقتداء بالنموذج السوري، سينسف أحد الركائز الأساسية لتبرير شرعية أنظمتها.
وستختفي معها الحدود الفاصلة بين الجمهوريات العربية وشقيقاتها الملكية أو المشيخية، وإلى المدى الذي يدفع البعض إلى تفضيل تلك الأخيرة، رغم كونها ملكيات غير دستورية، باعتبارها قائمة على قواعد منظمة تحدد بوضوح أسلوب انتقال الحكم. و”إذا كان الأمر”، على حد قول السيد عبد الباري عطوان، “عودة إلى الملكيات فلتكن ملكيات ولتكن ملكيات دستورية.”
إلهام مانع
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.