آخر آثار الحرب الباردة تُـحـال على التقاعد!
ودع الجيش السويسري في الأسبوع الأخير من شهر نوفمبر الماضي الوحدة العسكرية الخاصة بالعمل الإعلامي (صحافة مكتوبة وإذاعة)، بعد خدمة تواصلت منذ عام 1939.
ومن الآن فصاعدا سيقوم قسم المعلومات لدى مؤسسة الإذاعة والتليفزيون السويسرية بمهام تلك الوحدة التي لم تضطر للعمل منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
“كانت وحدة العمل الصحفي الخاصة بالجيش شبكة ممتازة لكل لغات سويسرا وثقافاتها وأجهزتها الإعلامية”، هكذا وصف روبيت لوريتان آخر رئيس لوحدة العمل الإعلامي في الجيش السويسري – بنبرات حزينة – خبرَ الاستغناء عن خدماتها في حديثه إلى سويس إنفو.
ويقول روبيت لوريتان إن سويسرا كانت البلد الأوروبي الوحيد، الذي لم يسيطر الجنرالات على صحافته وإعلامه في زمن الحرب، بل كانت تحت سيطرة القيادة السياسية، التي كانت تعد التقارير الإعلامية بواسطة المتخصصين في هذا المجال.
لقد تميزت تلك الشبكة الإعلامية بأنها لم تكن تابعة في عملها لقيادة الجيش، ولكن بصورة أقرب إلى الحكومة الفدرالية، وكانت مهمتها التواصل مع الرأي العام وقت الأزمات والحروب.
وقد تعمدت قيادة الجيش أن يتشكل الفريق العامل فيها من نفس الصحفيين الذين تعود عليهم الرأي العام في الأيام العادية، وأن لا يتم استبدالهم في أوقات الحروب، وذلك بهدف الحفاظ على الثقة القائمة بين المواطن والجهاز الإعلامي، ويتسنى في الوقت نفسه للحكومة الفدرالية مراقبة المعلومات المعطاة عبر وسائل الإعلام، منعا لحدوث أي بلبلة أو اختلاط في الآراء.
حرص على التطوير
وعلى الرغم من أن مرحلة الحرب العالمية الثانية، هي التي شهدت نشاطا واسعا لهذه الوحدة “الصحفية العسكرية-المدنية”، إن جاز إطلاق هذا الوصف عليها، إلا أن قيادة الجيش السويسري حرصت على تطويرها بشكل متواصل أثناء فترة الحرب الباردة.
فقد بلغ قوامها 2500 فرد، من بينهم مجموعة كبيرة من العاملين الدائمين في وسائل الإعلام كالإذاعة والتلفزة الرسمية والصحف وهي أجهزة غير مملوكة جزئيا أو كليا للدولة في سويسرا.
كما حرص الجيش الفدرالي على ضم مجموعة من العاملين في وسائل الإعلام الخاصة إليها، إضافة إلى تحويلها في السنوات الأخيرة إلى وحدة إعلامية متعددة الوسائط، بعد اعتماد خدمات التحرير المباشر على شبكة الإنترنت في أسلوب عملها.
انتهت دون أن تعمل!
بداية النهاية لهذه الوحدة المتميزة، تزامنت مع مرحلة تفكك المعسكر الشرقي في موفى الثمانينات وقد شكل سقوط حائط برلين في شهر أكتوبر 1989 النهاية الرسمية لحقبة الحرب الباردة، وتبعا لذلك تغيرت لغة الحوار الإعلامي، سواء كان موجها إلى الخارج أو إلى الرأي العام الداخلي.
فكان أولا صدور قرار بإلغاء الرقابة، بعد أن ثبت أنه لم يستخدم لفترات طويلة، وإثر ذلك أضيفت إلى قانون الإعلام السويسري في عام 1992 فقرة تنص على إلزام جميع الإذاعات وقنوات التلفزة الخاصة باستعمال القنوات الرسمية لهيئة الإذاعة والتلفزيون السويسرية في أوقات الطوارئ والأزمات.
ولتوفير المزيد من النفقات، والخروج من دائرة المسؤولية، تم تقليص عدد أفراد الوحدة على مدى التسعينات من 2500 شخص إلى 1700 فقط، من بينهم 500 من العاملين في أجهزة الإعلام الرسمي للدولة.
في الوقت نفسه، تسارعت وتائر التطور المذهل لثورة الاتصالات والمعلومات، والتي لم يعد بإمكان أحد أن يتخيل – في ظلها – أن حدوث أية كارثة يمكن أن تحول تماما دون الوصول إلى المعلومات أو الأخبار.
وتبعا لكل ما سبق من تطورات، رأت أغلبية برلمانية بأن الخريطة السياسية في أوروبا تغيرت بشكل كامل، ولذا فلا داعي للإبقاء على “الوحدة العسكرية الإعلامية”، وصدر القرار بإلغائها في يونيو 2003، وبدأ التنفيذ في نوفمبر 2004، لتبدأ فعاليته اعتبارا من غرة يناير 2005.
“صوت من الخندق”
ومن غير المعروف اليوم إن كانت سويسرا، التي لم تشهد حربا منذ قرن ونصف، واستعدت رغم ذلك عسكريا وإعلاميا للأوقات العصيبة، ستقوم بتفكيك أستوديو الطوارئ التابع لتلك الوحدة والمجهز بأحدث التقنيات الرقمية، و36 وحدة بث قوية للغاية تصل موجاتها إلى أعمق المخابئ في كل المناطق السويسرية، أم أنها ستحافظ عليه فقد تحتاجه يوما ما في حال وقوع كارثة طبيعية.
في انتظار ذلك، تحول أعضاء الوحدة الإعلامية العسكرية إلى “ركن الذكريات”، فمن كان منهم من أفراد الجيش المحترفين، فسوف يتحولون إلى وحدات عسكرية أخرى، أما الآخرون فسيواصلون العمل في أجهزة الإعلام العادية المكتوبة والمسموعة والمرئية، ولن يظل من كل المغامرة التي استمرت 65 عاما كاملة سوى لقاء سنوي يجمع الأحياء من العاملين القدامى، وكتاب ذكريات صدر مؤخرا تحت عنوان “صوت من الخندق”…
سويس انفو
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.