صحيفة سويسرية: ما المستقبل الذي ينتظر الدروز في سوريا الجديدة؟

تناولت صحف سويسرية قرار البرلمان السويسري بشأن استمرار تمويل الأونروا بزاويتين مختلفتين، مما يعكس تباين المواقف تجاه القضية. وفي سياق آخر، ناقشت صحيفة نويه تسورخير تسايتونغ مستقبل الدروز في سوريا الجديدة، متطرقة إلى موقعهم المحتمل في المشهد السوري المتغير.
حذّرت صحيفة نويه تسورخير تسايتونغ من أن مجتمع الدروز في سوريا عالق بين ضغوط الحكومة الانتقالية الجديدة والتدخلات الإقليمية، بعد أشهر من سقوط نظام بشار الأسد. وأشارت الصحيفة إلى أن دمشق، الخاضعة لسيطرة هيئة تحرير الشام، تسعى إلى نزع سلاح الميليشيات الدرزية، بينما تحاول إسرائيل تقديم نفسها كحامية لهذه الطائفة، واستقطابها كحليف استراتيجي، مما يزيد المشهد تعقيدًا.
اشترك.ي في نشرتنا الإخبارية حول التغطية السويسرية للشؤون العربية
وتتساءل الصحيفة: هل ستتمكن الطائفة الدرزية، كما فعلت في الماضي، من الموازنة بين البراغماتية والتمرد، أم أن الضغوط المتزايدة ستجبرها على اتخاذ قرارات حاسمة في سوريا الجديدة؟
ويكتب مراسلا الصحيفة، دانيال بوم ودومينيك نار، في تقرير ميداني من مدينة السويداء: “ليس مفاجئًا أن يكون الدروز في صلب هذه التحولات. فقد وجدت هذه الطائفة، التي انفصلت عن الطائفة الشيعية الإسماعيلية في القرن الحادي عشر، نفسها مرارًا بين جبهات الصراع في تاريخ الشرق الأوسط. ويعيش أتباعها في عدة بلدان، ويتأرجحون بين التمرد، والتكيف، والبراغماتية.”
وتوضح الصحيفة أنه منذ قرون، عُرفت الطائفة الدرزية بالقدرة على المناورة بين القوى المتصارعة، وهو ما يضعها اليوم أمام معركة جديدة للحفاظ على استقلالها. ففي إسرائيل، تحالفت مع النخبة اليهودية المؤسسة، ويخدم بعض الدروز في الجيش الإسرائيلي منذ ذلك الحين. وفي لبنان، أنشأت الطائفة الدرزية مناطق خاصة بها وشكَّلت ميليشيات أثناء الحرب الأهلية تحت قيادة عائلة جنبلاط، متكيفة مع التغيرات السياسية في البلاد. أما في الأردن، فيُعَدّ الدروز جزءًا من النخبة الموالية للملك؛ فعلى سبيل المثال، يشغل الدرزي أيمن الصفدي منصب وزير الخارجية.
وفي سوريا، عاش أبناء الطائفة الدرزية، كسائر أهل سوريا، لفترة طويلة تحت قبضة عائلة الأسد، التي حكمت البلاد لأكثر من خمسة عقود. وتؤكد محسنة المحيثاوي، أول امرأة تترأس محافظة السويداء: “لقد حافظنا دائمًا على استقلاليتنا”، وتضيف: “ولن نسمح للحكام الجدد بانتزاعها منا”.
وجدت هذه الطائفة، التي انفصلت عن الطائفة الشيعية الإسماعيلية في القرن الحادي عشر، نفسها مرارًا بين جبهات الصراع في تاريخ الشرق الأوسط.
نويه تسورخير تسايتونغ
وتذكر الصحيفة أن جرمانا، الضاحية المختلطة دينيًا بدمشق والتي يقطنها عدد كبير من الدروز، شهدت في شهر مارس الماضي اشتباكات عنيفة بين المقاتلين الدروز والقوات الحكومية، مما دفع الميليشيات المحلية في السويداء إلى إعلان تشكيل مجلس عسكري مشترك للدفاع عن مناطقهم. وفي ظل هذه الأوضاع المتوترة، يبقى الدروز في حالة تأهب دائم، في ظلِّ التخوفات من تحركات الحكومة الجديدة.
وتضيف الصحيفة أنه في الوقت نفسه، صعّدت إسرائيل من خطابها، إذ صرّح رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو: “لن نقف مكتوفي الأيدي بينما تقوم هيئة تحرير الشام بقتل الدروز”، مضيفاً أنه أصدر تعليماته للجيش الإسرائيلي بالتدخل عند الضرورة. وتأتي هذه التصريحات وسط تقارير عن محاولات إسرائيلية لاستمالة الدروز كحلفاء، بما في ذلك خطط لجلب عمالة درزية سورية إلى إسرائيل في إطار مشاريع تجريبية.
من جهة أخرى، تواجه الحكومة الانتقالية برئاسة أحمد الشرع تحديات متزايدة، خاصة مع الانتفاضات الأخيرة التي قادتها جماعات موالية للأسد في الساحل. ويدرك الشرع ضرورة نزع سلاح الميليشيات التي لا تحصى ولا تعد للحفاظ على السيطرة، ويبدو أنه نجح نظريًا في ذلك عبر اتفاق مع الدروز، لكنه يظل عاجزًا عن فرض نفوذه في السويداء، حيث تعيق التدخلات الإسرائيلية تحركاته، وفق الصحيفة.
وتشير الصحيفة إلى أن سياسة “فرّق تسُد” التي تتبعها إسرائيل مع الأقليات في المنطقة قد تكون سلاحًا ذا حدين. ففي السبعينيات والثمانينيات، دعمت إسرائيل الميليشيات المسيحية في لبنان، لكنها وجدت نفسها لاحقًا غارقة في مستنقع الحرب الأهلية. ويبدو أن القيادات الدرزية في سوريا تنظر بحذر إلى أي دعم قادم من تل أبيب، حيث أكَّدت مرارًا أنها جزء من النسيج السوري، رغم سعيها للحفاظ على استقلالها الذاتي.
(المصدر: نويه تسورخير تسايتونغرابط خارجي، 16 مارس 2025، بالألمانية)
بين الدعم المشروط والضرورة الأخلاقية: تباين المواقف حول دعم الأونروا في الصحافة السويسرية
تناولت صحيفتا لوتون السويسرية الناطقة بالفرنسية ونويه تسورخير تسايتونغ الناطقة بالألمانية قرار البرلمان السويسري بشأن استمرار تمويل وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، كل منهما من زاوية مختلفة، ما يعكس تباينًا واضحًا في المواقف تجاه القضية.
صحيفة لوتون رأت في القرار انتصارًا للمبادئ الإنسانية، في حين اعتبرته نويه تسورخير تسايتونغ نتيجةً لضغوط خارجية فرضها غياب البدائل، مؤكدةً أنه لا يشكّل دعمًا غير مشروط للأونروا.
“بدعمها للأونروا، سويسرا تنقذ شرفها الإنساني”

تحت هذا العنوان تناولت مادلين فون هولتسين، رئيسة تحرير صحيفة لوتون، قرار مجلس الشيوخ السويسري الإبقاء على تمويل الأونروا، معتبرة أنه تأكيد على التزام سويسرا بالمبادئ الإنسانية، مشيرة إلى أن نتيجة التصويت ربما كانت ستختلف لولا السياق السياسي الحرج.
بهذا القرار تؤكد سويسرا التزامها بالحياد، وتضع نفسها إلى جانب القانون الإنساني.
صحيفة لوتون
وتوضح الكاتبة في افتتاحيتها إلى أن هذا القرار جاء في ظل تصعيد عسكري خطير، حيث “استأنفت إسرائيل قصف غزة ليلة الاثنين إلى الثلاثاء، ما أسفر عن مقتل 400 شخص على الأقل وفقًا لوزارة الصحة التابعة لحماس، مما أدى إلى إنهاء الهدنة التي أُبرمت في 19 يناير الماضي.”
وتضيف في هذا السياق “أنَّ الكارثة الإنسانية التي نشهدها يوميًّا بأعيننا، والدعم المطلق الذي يقدمه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو – في قطيعة مع الالتزامات الدولية التي تعهدت بها الولايات المتحدة – ربما أثرا على قرار بعض أعضاء المجلس، وهو أمر جيد، لأنه يعكس الإطار الجيوسياسي الفعلي الذي تتحرك فيه سويسرا”.
وحول أجواء التصويت، أوضحت فون هولتسن أن النقاش في البرلمان لم يكن تقليديًا، حيث تجاوز الانقسامات المعتادة بين المناطق الناطقة بالألمانية والفرنسية، وكذلك بين معسكري اليمين واليسار. فقد أظهرت الأزمة في غزة تعقيدًا دفع بعض أعضاء البرلمان إلى اتخاذ مواقف متباينة عن الخطوط الحزبية المعتادة، وفق الصحيفة.
واعتبرت رئيسة التحرير أن المسألة ليست مجرد تمويل، بل تتعلق بموقف سويسرا الدولي. فمن خلال دعمها للأونروا، فإنها “تؤكد التزامها بالحياد، وتضع نفسها إلى جانب القانون الإنساني. ويظل هذا القانون الدولي هو السبيل الوحيد لبناء مستقبل بين الدول ذات السيادة والسعي إلى حماية المدنيين والمدنيات من الحروب التي تجتاح كوكبنا اليوم”، وفق الصحيفة.
(المصدر: صحيفة لوتونرابط خارجي، 18مارس 2025،
بالفرنسية)
النهج الإصلاحي بدلًا من وقف التمويل: البرلمان السويسري يقرر استمرار دعم الأونروا

أما صحيفة نويه تسورخير تسايتونغ، فقد تبنت موقفًا مشككاً في دور الأونروا، مسلطة الضوء على الجدل حول ارتباط بعض موظفيها بحركة حماس الإسلامية المسلحة، ومدى مساهمة المنظمة في إدامة النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي.
لا ينبغي النظر إلى القرار باعتباره إشارة إلى الدعم السويسري غير المشروط للأونروا.
نويه تسورخير تسايتونغ
وأشارت الصحيفة إلى المخاوف الإسرائيلية من أن الأونروا تعزز مفهوم “حق العودة”، مما يعقّد جهود إيجاد حل سياسي دائم للصراع، وفق الصحيفة. كما نقلت مقترحات داخل البرلمان السويسري تدعو إلى تحويل التمويل إلى منظمات إنسانية أخرى مثل برنامج الغذاء العالمي ومنظمة الصحة العالمية، في محاولة لإيجاد بدائل أكثر توافقًا مع المصالح السويسرية والدولية.
وعلى النقيض من صحيفة لوتون، وصفت نويه تسورخير تسايتونغ أجواء التصويت في مجلس الشيوخ بالمتوترة، مشيرة إلى ضغوط سياسية قوية من جهات خارجية، وحملة مكثفة من الرسائل الإلكترونية التي استهدفت التأثير على أعضاء البرلمان.
وأوضحت الصحيفة أن التصويت كان متأثرًا بالانقسامات داخل البرلمان، حيث لم يكن هناك إجماع واضح داخل كل الأحزاب، لا سيما داخل تيار الوسط. كما ركزت على أن “البعض في البرلمان أراد إعادة تقييم دعم الأونروا، لكن غياب بدائل موثوقة جعل خيار الاستمرار في التمويل هو الأكثر واقعية”.
وأكدت الصحيفة على أنه “لا ينبغي النظر إلى القرار باعتباره إشارة إلى الدعم السويسري غير المشروط للأونروا”، مشيرةً إلى أن البرلمان أيد إصلاحًا تدريجيًا للوكالة بدلاً من إلغائها. كما دعا المجلسُ الحكومةَ السويسرية إلى العمل مع المجتمع الدولي على تطوير آلية بديلة مستقبلية، قد تشمل نقل بعض الخدمات إلى دول ذات سيادة كجزء من حل الدولتين.
وختمت الصحيفة بالقول إن القرار يطالب أيضا بتشكيل فريق لمراقبة الأونروا والكشف عن أي انتهاكات، وفي النهاية، يبقى التحدي هو إعادة هيكلة المساعدات المقدمة للشعب الفلسطيني لضمان فعاليتها، بحيث تكون جزءًا من الحل لا جزءًا من المشكلة، وفق الصحيفة.
(المصدر: نويه تسورخير تسايتونغرابط خارجي، 18ىمارس 2025، بالألمانية)
للمشاركة في النقاش الأسبوعي:
المزيد
يمكنكم.ن الكتابة لنا عبر هذا العنوان الإلكتروني إذا كان لديكم.ن رأي أو انتقاد أو اقتراح لموضوع ما.
موعدنا الجمعة 28 مارس مع عرض صحفي جديد.
مراجعة: ريم حسونة
للاشتراك في النشرة الإخبارية:

المزيد
نشرتنا الإخبارية حول التغطية السويسرية للشؤون العربية

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.