في الصحف السويسرية: محادثات جنيف بشأن السودان… خطوة جديدة نحو السلام؟
استعرضت الصحف السويسرية هذا الأسبوع، محادثات جنيف حول الحرب في السودان، وفرصَ نجاحها. كما حظيت فضيحة اعتقال عشرات اللّيبيين في معسكر تدريب غير قانوني في جنوب إفريقيا، بنصيبها من التغطية.
من السودان إلى سويسرا: خطوة نحو السلام؟
تناولت الصحف السويسرية انطلاق المحادثات حول السلام في السودان، يوم الأربعاء 14 أغسطس، في جنيف. وفي صحيفة “نويه تسورخير تسايتونغ”، الناطقة بالألمانية، سلّط صاموييل ميستيلي، مراسل الصحيفة في نيروبي، الضوء على أهمية هذه المحادثات الدولية، والتي تأتي بعد استضافة سويسرا لمؤتمر السلام في أوكرانيا، في يونيو الماضي.
وبيّن الصحفي أنه رغم أهمية المحادثات الجارية، فإنّ الشكوك تحيط بإمكانية نجاحها، خاصةً في ظل تردد الجيش السوداني في المشاركة. وأشار إلى أن الجيش السوداني وضع شروطًا متعددة للمشاركة، بهدف ضمان عدم معاملته كطرف متساوٍ مع قوات الدعم السريع. حيث طلب الجيش أن يحضر المحادثات بصفته “الحكومة” وليس “الجيش”، وأن يتم إشراك الجماعات المسلحة المتحالفة معه، لتصبح قوات الدعم السريع مجرد فصيل واحد بين عدة أطراف أخرى في المفاوضات.
وبالرغم من هذه العقبات، أكّد المبعوث الأمريكي الخاص للسودان، توم بيرييلو، في مؤتمر صحفي بجنيف يوم الاثنين الماضي، أن المحادثات ستجري حتى في حال غياب الجيش السوداني، مشدّدًا على أن الهدف منها هو وضع خطة دولية لإنهاء العنف، وفق الصحيفة. وخلص المراسل إلى أن هذه المؤشرات تعكس تعقيدات المشهد السياسي والعسكري في السودان، وتؤكد على التحديات الكبيرة التي تواجه المجتمع الدولي في محاولة حل هذه الأزمة.
من جانبها، تناولت صحيفة لوتون، الناطقة بالفرنسية، طبيعة الصراع الداخلي في السودان، أين يتنافس قائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، مع قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، على السلطة.
ونقلت الصحفية ميشيل لانغران عن المحلّل السياسي، محمد سهيل ياسين، قوله إن الجيش السوداني يسعى إلى كسب الوقت لتعزيز مواقعه على الأرض، قبل العودة إلى طاولة المفاوضات، حيث يسيطر الجيش حاليًا على مناطق كبيرة في دارفور والخرطوم. كما بيّن ياسين أنّ كل طرف يتحدّث عن السلام، لكن الواقع يظهر استمرار الانتهاكات من الجانبين، مما يجعل تحقيق السلام الحقيقي أمرًا صعبًا، مبديًا قلقه بشأن تأثير التيار الإسلامي الموالي للرئيس السابق، عمر البشير، على مسار النزاع، حيث يعمل على استمراره. وفي ما يتعلق بالمشاركة المدنية، أشار المحلّل السياسي إلى أن المجتمع المدني السوداني، الذي يشمل جماعات مؤيدة للديمقراطية، مستبعد إلى حد كبير من هذه المحادثات، وهو ما يراه عقبة أمام بناء سلام دائم.
كما نقلت الصحيفة عن العضوة في التحالف السوداني في سويسرا، لينا رشيد، قولها إن الإمارات العربية المتحدة ومصر “ليستا جهات فاعلة محايدة”، وأنّ مشاركتهما في المناقشات “مؤسفة”، مشيرة إلى أنّ هذه المحادثات تهمّش أصوات المجتمع المدني لصالح أولئك الذين يمتلكون القوة العسكرية.
وعلى الرغم من هذه التحديات، فإنّ كلاً من ياسين ورشيد يرحّبان بالمفاوضات الجارية في جنيف كإشارة إيجابية نحو السلام، وبأي تقدّم في وقف العنف والمجاعة.
أما صحفية ” لا ليبرتي”، إيزولدا أغازي، فقد أضافت البعد الخارجي في تحليلها للعوامل المؤدّية إلى تفاقم الوضع في السودان، أين تقوم القوى الأجنبية بدور في تأجيج الأوضاع، معتبرةً الحرب الدائرة صراعاً على الموارد. حيث يُعتبر السودان من أبرز منتجي الذهب في أفريقيا، مما يجذب اهتمام القوى الأجنبية، مثل الإمارات التي تدعم قوات الدعم السريع، ومصر وإيران اللّتين تدعمان الجيش السوداني، وفق الصحيفة.
وشدّدت أغازي على أهمية جهود السلام الدولية في ظل الأزمة الإنسانية المتفاقمة في السودان، مشيرة إلى أن الصراع أدّى إلى تدمير واسع النطاق، ووضع السكان المدنيين والمدنيات في قلب العنف المتصاعد. وقد أسفرت الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان عن عمليات قتل ونهب، ونزوح جماعي للسكان، بالإضافة إلى انتشار العنف الجنسي. كما نقلت الصحفية عن لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة حول السودان، عيشَ حوالي 18 مليون سوداني وسودانية حالةً من انعدام الأمن الغذائي الحادّ.
وذكر التقرير المساعدات الدبلوماسية التي تقوم بها سويسرا، عبر “عملية نيون”، حيث نظمت الدولة الواقعة في جبال الألب عدة اجتماعات سرية بين الأطراف السودانية. ونقل عن المبعوث السويسري الخاص إلى القرن الأفريقي، سيلفان أستير، قوله: “لقد عرضت مدينة برن، على سبيل المثال، لمجموعة واسعة من الجهات السياسية المدنية السودانية الفرصة لإجراء تبادلات سرية، مكملة لعمليات التفاوض الرسمية”.
وفي تعليق صحفي، ركّزت أرنيه بيراس، الصحفية لدى تاغيس أنتسايغر، على معاناة الشعب السوداني وأبعاد الأزمة الإنسانية، حيث يعاني 25 مليون سوداني وسودانية من الجوع بسبب الصراع. وأشارت الكاتبة إلى وصول السودان إلى الدرجة الخامسة، أي الأسوأ، من مقياس مكوّن من خمس درجات، وضعته الأمم المتحدة لتحديد مستوى الجوع في مناطق النزاع، حيث يموت الناس بالفعل بأعداد كبيرة بسبب نقص الغذاء في السودان. ورغم إعلان المجاعة رسميًا في مخيم واحد للنزوح بدارفور، إلا أن الوضع في مناطق أخرى قد يكون مشابهًا، دون توفّر بيانات كافية لتأكيد ذلك.
وبيّنت بيراس أنه بينما تنطلق في سويسرا محاولات جديدة للتوصل إلى هدنة، تبدو الجهود الدولية غير كافية لإنهاء الأزمة. وخلصت إلى أن المجتمع الدولي يتسم باللامبالاة، حيث لم ينجح حتى في فرض حظر أسلحة فعال، مما يترك الشعب السوداني عرضة للاستغلال من قبل دول مثل الإمارات. ومع استمرار الغرب في تجاهل الكارثة في السودان، يتواصل انتشار الجوع والدمار دون رادع حقيقي، وفق تعبيرها.
(المصادر: نويه تسورخير تسايتونغرابط خارجي، 13 أغسطس 2024، بالألمانية، صحيفة لوتونرابط خارجي، 13 أغسطس 2024، بالفرنسية، لا ليبرتي، صحيفة ورقية، 13 أغسطس 2024، بالفرنسية،تاغيس أنتسايغيررابط خارجي، 13 أغسطس 2024، بالألمانية)
من ليبيا إلى جنوب إفريقيا: معسكر بغطاء طلاّبي؟
ومن السودان إلى جنوب إفريقيا، حيث تفرّدت صحيفة نويه تسرخر تسايتونغ بتغطية خبر اعتقال 95 ليبيًا، في معسكر تدريب عسكري غير قانوني في جنوب إفريقيا، والذي كان قد أثار فضيحة دولية. وكان هؤلاء الرجال يتلقون تدريبات عسكرية في معسكر قريب من متنزه كروغر الوطني، فيما يُعتقد أن الجنرال خليفة حفتر، الذي يسيطر على شرق ليبيا، قد أرسلهم إلى جنوب إفريقيا، وفق الصحيفة.
وقد قُبض على هؤلاء الليبيين، في نهاية يوليو 2024، خلال مداهمة نفذتها شرطة جنوب إفريقيا للمعسكر. وكانوا قد دخلوا جنوب إفريقيا بتأشيرات طلابية، لكنّهم كانوا يتلقون تدريبات عسكرية تتضمن تكتيكات حرب الخنادق، بدلاً من الدراسة، وفق الصحيفة.
وعلى الرغم من المزاعم بتلقّي هؤلاء الرجال تدريبات أمنية عادية، فإنّ هناك اتهامات بأن معسكر التدريب كان يهدف إلى إعدادهم للقتال في ليبيا. كما قد أُبلغ عن حالات سرقة ومواجهات بين السكان المحليين والمعتقلين، مما زاد من تعقيد القضية. ونقلت الصحيفة عن محامي المتهمين، الذي رفض الكشف عن هويته، قوله: “عملائي أبرياء، وهم يتدرّبون كحراس أمن عاديين”، ولا يوجد دليل على هذه الادعاءات.
وأثارت القضية قلق السلطات في جنوب إفريقيا، أين تعاني سمعة البلاد منذ فترة طويلة. وقد وضعت فرقة العمل المعنية بالإجراءات المالية، هيئة دولية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، جنوب أفريقيا على “القائمة الرمادية”.
وأفادت الصحيفة بمواجهة المعتقلين تهمًا تتعلق بتقديم معلومات كاذبة للحصول على تأشيرات. وما زالت التحقيقات جارية، لتحديد ما إذا كانت هناك تهم إضافية تتعلق بأنشطة تدريبهم العسكري. ومن المقرر أن يبقوا قيد الاحتجاز حتى 26 أغسطس، بينما تستمر التحقيقات.
فيما يلي مختارات من مقالاتنا لهذا الأسبوع:
+ ترامب وبايدن والكراهية: كيف يعيش الأفراد من أصل أمريكيّ في سويسرا حال الاستقطاب؟
+ السودان: كلّ ما يجب معرفته عن المفاوضات الجارية في سويسرا
+ الانهيارات الأرضية في سويسرا… كيف يمكن حماية الناس والقرى؟
+ شخصيات سويسرية تركت بصمتها في تاريخ القانون الإنساني
+ الرئيس التنفيذي لمجموعة معهد لوزان لإدارة الضيافة: “يتّجه العالم نحو اقتصاد الضيافة”
+ كيف تتعامل السياحة السويسرية مع تبِعات المؤثّرين والمؤثّرات؟
يمكنكم.ن الكتابة لنا عبر هذا العنوان الإلكتروني إذا كان لديكم.ن رأي أو انتقاد أو اقتراح لموضوع ما.
موعدنا الجمعة 23 أغسطس مع عرض صحفي جديد.
تحرير: أمل المكّي
للاشتراك في النشرة الإخبارية:
المزيد
نشرتنا الإخبارية حول التغطية السويسرية للشؤون العربية
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.