آمــال واسـعـة لكنها .. حـــــــــــــذرة !
جدد التوقيع بين اليمن والسعودية على الخرائط النهائية للحدود بين البلدين الآمال بأن تشهد العلاقة بين الجارتين نقلة كبيرة على كافة المستويات.
وتأمل الأوساط السياسية ورجل الشارع في اليمن أن تساعد تسوية الخلاف الحدودي المزمن الذي دام أزيد من 70 عاما على فتح صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين العربيين.
جدد التوقيع بين اليمن والسعودية على الخرائط النهائية للحدود بين البلدين الآمال لدى الأوساط السياسية ولدى رجل الشارع بأن تشهد العلاقة بين الجارتين نقلة كبيرة على كافة المستويات بعد تسوية خلافهما الحدودي المزمن الذي دام أزيد من سبعين عاما ملقيا بظلاله على العلاقات بين الدولتين الجارتين.
وكان رئيس الحكومة اليمنية عبدالقادر باجمال وولي العهد السعودي سلطان بن عبدالعزيز وقعا نهاية الأسبوع الماضي في مدينة المكلا على الخرائط النهائية للحدود بين البلدين التي بموجبها تنازل اليمن عن مطالبته بثلاث مناطق مقابل استرداده لحوالي 40 ألف كم مربع.
فعلى مدار أزيد من سبعين عاما ظل الربط بين تسوية الملف الحدودي وتحسن العلاقات بين الدولتين يطرح باستمرار نظرا للمرجعية التأريخية والسياسية التي يستند إليها هذا المشكل.
فالخلاف اليمني السعودي على الحدود يرجع إلى العام 1934 عندما انتهت الحرب بين البلدين آنذاك بإبرام “معاهدة الطائف” التي شددت على التعاون بين الدولتين دون أن تضع حلا نهائيا لحدودهما مما ابقى العلاقات بين البلدين يغلب عليها الحذر والإرتياب ورغم الإنسجام الظاهر في بعض الفترات فقد مرت العلاقات بين الدولتين بمنعطفات ومنعرجات وصلت في بعض الأحيان إلى حد القطيعة والمواجهة.
شد وجذب .. بين المعسكرين
فبعد إعلان قيام النظام الجمهوري في اليمن الشمالي عام 1962 (الذي كان يدعمه الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر وعارضته السعودية)، تحول اليمن إلى ساحة حرب للقوى الإقليمية والدولية لم تضع أوزارها إلا بمصالحة بين الأطراف المتحاربة.
وقد تزامن ذلك بتراجع المد الناصري خاصة بعد هزيمة يونيو 1967 مما فتح الباب على مصراعيه أمام الحضور السعودي في اليمن الشمالي وزاد من قوة ذلك الحضور فلسفة الحكم في الشطر الجنوبي من البلاد الذي طبق النهج الأيديولوجي الإشتراكي وأصبح جزءا من المعسكر الإشتراكي لتغدو بذلك البلاد خلال فترة الحرب الباردة ساحة لاستقطاب القوى الإقليمية والدولية.
وبقدر ما كانت علاقة الجنوب اليمني تتقوى بالمعسكر الشرقي، كانت العربية السعودية تعمل على جر الشمال إلى مربع المعسكر الغربي الذي شاطرته مواقفه من بلدان المعسكر الشيوعي كما كانت المملكة تجتذب الشمال اليمني بغية احتوائه وإبعاده عن حركات التحرر التي سادت العالم العربي آنذاك.
ورغم تلك المحاولات التي بُذلت لإبعاد صنعاء عن المعسكر الشرقي، فإن ذلك لم يصل إلى حد القدرة على إزالة التمايز والإختلاف القائم فعليا وسط النخبة السياسية اليمنية.
فقد ظلت النخب السياسية في الحكم تحتفظ بما تحمله من تصورات ومنطلقات (ينتمي بعضها إلى تيارات حركة التحرر وينطلق البعض الأخر من تصورات تستند إلى الخصوصيات المحلية التقليدية والدينية)، الأمر الذي انعكس على طبيعة العلاقات بين البلدين حيث ظلت طيلة فترة السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي أسيرة لتلك التركيبة غير المتجانسة مما جعلها دائمة المراوحة بين الحذر والإرتياب تارة، والانسجام والتفاهم تارة أخرى.
انقلاب المعادلات
إذا كانت علاقة البلدين قد ظلت محكومة بتلك الثوابت التي ميزتها طيلة تلك الفترة، فقد طرأت متغيرات هامة قلبت الموازين مع مطلع التسعينيات عندما انهار المعسكر الإشتراكي بانهيار الاتحاد السوفيتي وإعلان الوحدة اليمنية عام 1990 التي لم يكد يمض عليها ثلاثة أشهر حتى اجتاح الرئيس صدام حسين دولة الكويت.
ونتيجة لذلك، انقلبت كل المعادلات في المنطقة ودخلت العلاقات اليمنية السعودية مرحلة جديدة من التأزم نتيجة لما اعتبرته الرياض في الموقف اليمني دعما لصدام حسين. وعلى إثر ذلك قررت المملكة العربية السعودية ومعها دول الخليج الأخرى طرد العمالة اليمنية من اراضيها بعد أن كان المهاجرون اليمنيون في تلك الدول يتمتعون بامتيازات خاصة اهمها تلك التي كانت تقدمها العربية السعودية للعمالة اليمنية استنادا إلى مقتضيات “اتفاقية الطائف” من تسهيلات في الدخول والخروج والإقامة.
وخلال الحرب الأهلية اليمنية التي اندلعت عام 1994، اتخذت بعض دول الخليج وفي طليعتها العربية السعودية موقفا داعما للإنفصال الذي اعلن حينذاك من قبل القادة الجنوبيين. وعد ذلك الموقف في نظر الكثير من المراقبين والمتابعين بمثابة انتقام من صنعاء لموقفها من الغزو العراقي للكويت، ووجدت صنعاء نفسها امام تحديات كثيرة بعد أن خرجت منهكة خرجت من تلك الحرب.
وفي العام 1995 اتفق البلدان على تجديد العمل باتفاقية الطائف بعد أن كانت فترة سريانها قد انتهت. وبعد سلسلة من الحوارات واللقاءات بين المسؤولين في البلدين، اثمرت الجهود توقيع اتفاقية جدة الحدودية بين الجانبين في يونيو من عام 2000 التي اعتبرت حينها فاتحة جديدة للعلاقات بين البلدين.
بيد أن تلك التوقعات سرعان ما تلاشت نتيجة لبقاء العلاقات الاقتصادية في حدودها الدنيا ولم ترق إلى مستوى التطلعات التي عول عليها اليمنيون في أن تعود علاقة الدولتين إلى سابق عهدها طبقا لما كان يردده بعض المسؤولين اليمنيين ويؤكدونه مرارا، فيما ظل واقع تلك العلاقات على حاله ولم تستعد العمالة اليمنية أيا من المزايا التي كانت تتمتع بها، كما لم يستأنف الدعم السخي الذي كانت تقدمه الرياض وبقية بلدان الخليج إلى صنعاء.
تجاوز الماضي
مع ذلك تسارعت الخطوات العملية لتسوية النزاع الحدودي ابتدأ من عام 2001 الموالي عندما اسند عمل تحديد المعالم الحدودية بين الجانبين إلى الشركة الألمانية “هانز لوفتبند” التي انتهت من عملية تحديد العلامات الحدودية على طول الشريط الحدودي الممتد على مسافة 1300 كلم مربع نهاية العام الماضي ومن وضع الخرائط لتلك العلامات.
لذلك جدد التوقيع الجديد الآمال بان تشهد العلاقات بين الجانبين تحولات هامة تتجاوز الماضي بكل حذره وارتيباته استنادا إلى عدة اعتبارات أهمها:
– أن مشكلة الحدود حسمت نهائيا وأسقطت الإدعاءات المتبادلة بأحقية هذا الطرف أو ذاك بمساحات لدى الطرف الأخر وهي الإدعاءات التي ظلت تعكر صفو العلاقات بين الجانبين وتستخدم كورقة ضغط متبادلة خاصة في الظروف السياسية الحرجة وبالتالي تحويل بؤر التوتر إلى مناطق للتعاون والتكامل .
– أن اليمن بما تتوفر عليه من كثافة بشرية عالية وندرة للموارد الاقتصادية مقابل قلة سكان الأقطار المجاروة في دول الخليج وثروة نفطية يوجب إدماج هذا البلد في تجمع دول المنظومة لاسيما في ظل التحديات التي تتعرض لها المنطقة.
– أن أمن دول المنطقة كل لايتجزأ بحيث لا يعني دولة بذاتها وإنما كل دولها والمقاربة الأمنية التي تفرض نفسها على دول المنطقة في مواجهة الإرهاب لاتقتصر فقط على المعالجة العسكرية وإنما تشمل خلق أطر للتعاون بين دولها تولي أهمية كبيرة للأبعاد الاقتصادية والاجتماعية. وبدا الهاجس الأمني بهذا المضمون ملفتا لانتباه المراقبين والمتابعين من خلال تصريحات المسؤولين خلال مراسم التوقيع وفي البيان الختامي الصادر عن الدورة الـ 17 لمجلس التنسيق اليمني السعودي.
آمــال وانتعاش .. وحـذر
وفي هذا الصدد قال نائب رئيس المكتب الفني للحدود الذي اشرف على تسوية هذا الملف عن الجانب اليمني السيد محسن رمضان لسويس انفو: “إن تسوية الخلافات الحدودية ستؤدي إلى تمتين العلاقات بين الدولتين والتعاون في مختلف المجالات لاسيما على المستوى الأمني والاقتصادي. فهناك تركيز كبير على العلاقة بين الأمني والاقتصادي وحتى الاجتماعي وصولا إلى التكامل”.
ويستطرد رمضان بالإشارة إلى أن ذلك سيتحقق بين البلدين عبر “برنامج يقوم على توفير فرص عمل وخلق استثمارات على جانبي خطي الحدود. وهذا من شأنه أن يوجد ضمانات حقيقية لأمن البلدين لأنه بدلا من أن يشتغل السكان على جانبي الحدود في اعمال التهريب وإثارة المتاعب الأمنية او يظلوا عاطلين عن العمل ستتهيأ لهم أجواء ومناخات محفزة لخلق فرص عمل تقوي ترابط المصالح الاقتصادية”.
عموما، يبدو أن الأمال بمرحلة جديدة من العلاقات بين البلدين قد انتعشت كثيرا بفعل هذا الإنجاز الذي طال انتظاره بعد مراوحة طويلة انعكست على مسار العلاقات بين الجارتين ووضع حدا لما اعتبر سببا في تعكير تلك العلاقات.
وقد زاد من تجدد تلك الأمال أن هناك تباشير أولية توحي باستئناف مساعدات الدعم التي تنتظرها صنعاء من جاراتها ومن بينها إعلان الرياض خلال مراسم التوقيع على الخرائط الحدودية تقديم دعم مالي لتطوير البنية التحتية اليمنية قدر بحوالي 175 مليون دولار.
من جهة أخرى، تعول حكومة صنعاء كثيرا على دور سعودي داعم لانخراطها في مجلس دول التعاون الخليجي باعتبار أن المملكة تمثل الثقل الاقتصادي والسياسي والاستراتيجي فيه ولها القول الفصل في تقرير الكثير من أموره.
لكن مع ذلك وبالرجوع إلى الخبرة التي راكمها اليمنيون من علاقاتهم بالشقيقة الكبرى فإنهم لايخفون حذرهم من أن تؤدي التقلبات السياسية التي تظل المنطقة عرضة لها إلى تبدد تلك الأمال الحذرة، وفقا لأراء العديد من المتابعين والمراقبين رغم تفاؤل الجميع بإنهاء الخلاف الحدودي المزمن بين الدولتين العربيتين الجارتين.
عبدالكريم سلام – صنعاء
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.