مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

أحلام البنات ليست مستحيلة

swissinfo.ch

يتميز واقع الفتيات في الأحياء السكنية العشوائية بضواحي القاهرة بالتهميش المزدوج باعتبارها فتاة في مجتمع محافظ، وقاطنة بالأحياء الفقيرة، وهو ما حول حقوقها إلى مجرد حلم.

لمساعدتها على استرجاع هذه الحقوق، يمول صندوق التنمية المصري السويسري مشروعا يحمل اسم “حلم البنات”.

يمكن القول أن المشروع – الممول من قبل الصندوق المصري السويسري للتنمية – الذي يهتم بفتيات الأحياء المهمشة والذي يحمل اسم “هموم وأحلام البنات” من المشاريع الرائدة للصندوق.

وتقول نرمين فؤاد، مديرة مشروع “نساء وفتاة في ظروف صعبة”، في سياق التذكير بالأسباب التي أدت إلى بلورة هذا المشروع وتطويره، أنه “من خلال العمل مع السيدات في هذه الأحياء الفقيرة، اكتشفنا بأن هناك فتيات كثيرات يتركن فصول الدراسة لضيق الحال، وينعزلن في المنزل في انفصال تام عن الحياة الخارجية”.

وإذا ما أضفنا إلى هذا الحرمان، ثقل العادات والتقاليد الاجتماعية في المجتمع المصري عموما وفي الأحياء الفقيرة والعشوائية بالخصوص، (كالتفريق في المعاملة بين الولد والبنت)، فإن كل ذلك يولد لدى هذه البنات “نوعا من النفور من الانتماء إلى هذه المنطقة التي يرون أنها هي السبب في هذا القهر، كما يتحول ذلك إلى خلاف مع الأسرة وعدم ولاء لها”، حسب تعبير السيدة نرمين.

برنامج” أحلام البنات”

ومن خلال الاهتمام بالمرأة والفتاة المهمشة في الأحياء العشوائية، اكتشف المتعاملون معهن بأن لهاته الفتيات احتياجات وتطلعات ومشاكل لا أحد يهتم بها. كما اتضح أنهن يتوفرن على مواهب – لو تم توجيهها إيجابيا- لأدى ذلك إلى تعزيز قدراتهن على مواجهة التحديات المزدوجة التي تعترضهن كفتيات أولا، وكفتيات في أحياء مهمشة ثانيا.

وفي تعدادها لهذه التحديات، تقول السيدة نرمين فؤاد إنها تتمثل في “إخضاعهن لعادات تمارس ضدهن لا قدرة لهن على التعبير عن قبولها أو رفضها مثل الزواج المبكر أو عدم السماح لهن باختيار شريك الحياة”.

وسعيا لمعالجة هذه المشاكل، تمت بلورة مشروع تحت عنوان “هموم وأحلام البنات”، تشرف عليه مدرسة تتمثل مهمتها في تعليم البنات بأن لهن حقوقا وواجبات كما تعلمهن أمورا بدائية مثل آداب الأكل والكلام بصوت غير مرتفع، وكيفية الاعتناء بقوامهن، من تسريح الشعر إلى اللباس مرورا بنظافة الجسم وبخصوصيات المرأة من عادة شهرية وغيرها، كنقطة انطلاق باتجاه تعزيز الثقة بأنفسهن. وتلخص السيدة نرمين الهدف قائلة: “نحاول تعليم البنت بأن تصبح آدمية”.

كما يهتم هذا المشروع بمحاولة معالجة خلافات هذه الفتيات مع أهاليهن وتوعيتهن بمخاطر بعض العادات مثل ختان البنات والزواج المبكر. وفي هذا الإطار، تقول السيدة نرمين بنوع من الفخر: “إننا استطعنا إقناع فتيات بفسخ خطوبتهن بعد اقتناعهن بأن الزواج في عمر الرابعة عشرة لا يسمح لهن باتخاذ قرار تجاه شريك حياتهن أو حول كيفية تربية الأطفال”.

ولكن لإنجاح هذا المشروع، تطلب الأمر إقناع الأهل والوسط الذي تعيش فيه الفتيات، وهو ما لم يكن بالأمر السهل. وتشرح السيدة نرمين فؤاد: “بدأنا بتوضيح الأمور للأهالي وقبول بنات العائلات المقتنعة أولا”، ثم تمت الاستعانة بخبرات وتحاليل خبراء نفسانيين ومربين وهو ما ساعد على تيسير عملية نقل أفكار “ربما لا تقوى الأم على نقلها لبنتها” على حد قولها.

وبعد تكوين الدفعات الأولى، تم تعيين بعض الفتيات للعمل كمساعدات مربيات، وهو الأمر الذي أدى إلى تعزيز ثقة الأهالي وساهم في جلب أعداد جديدة للاستفادة من المشروع.

أما عن ردود فعل السلطات المصرية على بداية تنفيذ مشروع “أحلام البنات”، تقول السيدة نرمين فؤاد مديرة مشروع “نساء وفتاة في ظروف صعبة”، إن المشروع عُـرض على السيد أنيس الفقي، وزير الشباب والرياضة المصري قبل بضعة أشهر، ووعد بعرضه على مجلس الوزراء لكي “يصبح قانونا يعمم لتستفيد منه كل الفتيات اللواتي يغادرن فصول الدراسة”.

أحلام بنات “الشيخ مبارك”

للوقوف على فصل من فصول مشروع “حلم البنات” زرنا حي الشيخ مبارك ذي المساكن العشوائية في ضواحي القاهرة. واستقبلتنا عند بداية الشارع الرئيسي فتاة تعمل كمساعدة للمربية لتقودنا عبر أزقة الحي الى بيت متواضع خصصت فيه غرفة كفصل دراسة وتجمع لبنات الحي المسجلات في البرنامج.

فتيات حي “الشيخ مبارك” اللواتي كن حاضرات هذا اليوم للاحتفال بعيد ميلاد احدى زميلاتهن، تدور أحلامهن في معظمها حول إمكانية مواصلة الدراسة والتخرج بمهنة مشرفة.

أما ما يتجاوز هذا الحلم البسيط فليس بعيد المنال مثل رغبة البعض في تعلم رياضة الكاراتيه “لتعزيز الثقة في النفس وأن تصبح بطلة”، أو طلب البعض تعلم الكمبيوتر “لأنها لغة العصر”.

وتقول السيدة آمال حسن، المعلمة المشرفة على هذا الفصل، “نحاول التعرف على حلم البنت ومعرفة ما إذا كان في المتناول، ونساعدها ونوجهها لكي تخطط للوصول إليه، فنحن مجرد أداة لمساعدتهن على تحقيق أحلامهن”.

ومن بين الأنشطة التي تتم في هذه الفصول الرسم وبعض الأشغال اليدوية والخياطة والتطريز. ومن النشاطات المحبذة لدى المشاركات، الإحتفال بعيد ميلاد إحدى الزميلات، وهو ما ترى فيه المربية آمال حسن، “وسيلة من وسائل اثبات الهوية بالنسبة لفتيات لا هوية لهن”.

ومن أكبر الإنجازات التي حققتها فصول أحلام البنات في نظر السيدة آمال حسن، “منع تسع بنات من قبول الدخلة البلدي”(وهي فرض تواجد والدة العريس في غرفة العريسين أثناء ليلة الدخلة).

وتقول السيدة آمال حسن “إن تمكين الفتيات من قدر من الثقة في النفس دفع أول عروسة الى رفض ذلك، وتلتها فتيات أخريات بعد الاقتناع وإقناع الزوج والأهل بأن هذا الرفض ليس عملا مخلا بل هو الصواب بعينه”.

ولا شك أن أحسن ما يعكس حلم فتيات حي الشيخ إبراهيم، تلك الأغنية التي تفانوا في أدائها لأنها تتساءل عمن سيفسر حلمهن، والتي تقول بعض مقاطعها:

نفسي أجري ، نفسي العب، نفسي أروح للمدرسة
نفسي أكبر ولا نفسي وأبقى حاجة كويسة

نفسي احلم زي غيري، ولا حلمي موش بعيد
الحياة أضحت معايا، مش عليا يوم جديد

و”الألم” بإيدي يكتب، مش في قلبي يعصرو
حقي احلم، ايوه أحلم، حلمي مين حا يفسرو

محمد شريف – سويس إنفو – القاهرة

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية