أخيرا.. مجلس لحقوق الإنسان بآليات جديدة
توصل أعضاء مجلس حقوق الإنسان في آخر دقيقة الى المصادقة على آليات عمل المجلس بعد مناقشات دامت سنة كاملة ومساومات استغرقت يوما كاملا وتعقيدات آخر لحظة بسبب الملف الفلسطيني وكوبا وروسيا البيضاء.
رغم ذلك، يقر الجميع بأهمية اعتماد آليات جديدة كمبدأ المراجعة الدورية لملف حقوق الإنسان بالنسبة لكل الدول، إضافة الى شروط انتقاء الدول الأعضاء، وإمكانية إقصاء البلد الذي يرتكب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.
قبل دقائق من نهاية المهلة المحددة لمجلس حقوق الإنسان من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة لتحديد آليات عمله، أي في حدود منتصف ليل يوم الإثنين 18 يونيو 2007، توصلت الدول الأعضاء السبعة والأربعون الى اتفاق حول النص المنقح الذي تقدم به رئيس المجلس حول بنود وآليات وبرنامج عمل المجلس الجديد.
مساومات آخر لحظة
التوصل الى هذا الاتفاق لم يكن بدون عراقيل اللحظات الأخيرة التي تمثلت في مساومات سمحت بإلغاء المقررين الخاصين المعنيين بوضع حقوق الإنسان في كوبا وروسيا البيضاء لإسكات معارضة كوبا واستمالة روسيا رغم إصرار المجموعة الغربية.
كما تراجعت الصين بعد يوم كامل من التفاوض عن المطالب الأولية التي حاولت عن طريقها فرض ضرورة حصول أي مشروع قرار يقدم ضد بلد من البلدان على موافقة ثلثي البلدان الأعضاء في المجلس لكي يطرح للنقاش كمشروع قرار. وهي المطالب التي تراجعت عنها بعد معارضة المجموعة الغربية وتهديدها حتى بالانسحاب من المجلس، الى ثلاثين بلدا لكي تستقر في نهاية المطاف في حدود “اأبر قدر من الدعم، ويستحب أن يكون 15 بلدا” كما جاء في النص النهائي.
إصرار الصين على هذه النقطة كان من أجل تفادي أن تجد نفسها كل دورة موضع مشروع قرار تتقدم به دولة ما، وغالبا ما تكون الولايات المتحدة، للمطالبة بالتركيز على أوضاع حقوق الإنسان في الصين.
الملف الفلسطيني
الجدل الذي دار منذ بداية النقاش حول آليات المجلس الجديد، بخصوص البند المتعلق بانتهاكات إسرائيل لحقوق الإنسان في الأراضي العربية المحتلة، استمر حتى بعد إقرار آليات المجلس يوم 18 يونيو، بحيث عرقلت كندا استئناف أشغال المجلس وحاولت الطعن في طريقة اعتماد الآليات التي تضمنتها ورقة الرئيس والتي تعكس حلا وسطا بين كل المجموعات والدول.
فقد اعترضت كندا على أساس أن الطريقة التي تم بها اعتماد مجموعة آليات المجلس “تخرج عن المعتاد ولم تسمح بمناقشة بعض النقاط ومن بينها البند الخاص بالاراضي المحتلة من قبل إسرائيل”.
هذا الطعن الكندي الذي عرقل استئناف أشغال المجلس في دورته السادسة، كاد أن يخلق مشكلة قانونية عويصة نظرا لمباشرة أعضاء جدد لمهامهم في المجلس ومغادرة الأعضاء القدامى الذين خاضوا المفاوضات منذ بدايتها.
والحل الذي تم الاهتداء له لتفادي تأزم الوضع هو استئناف أشغال المجلس يوم 19 يونيو، ببيان من رئيس المجلس الجديد السفير الروماني دورو رومولوس كوستيا اعتبر فيه أن الآليات “اعتمدت في الليلة السابقة”.
اعتراض كندا على تصريح الرئيس الجديد بأن الآليات اعتمدت هو الذي شكل موضوع تصويت من قبل المجلس وحصل على تصويت لفائدته من جانب 46 دولة مقابل معارضة كندا. وهو ما اعتبر رفضا للعودة الى مناقشة نقاط بحالها من الاقتراح الذي تمت المصادقة عليه في منتصف ليل 18 يونيو.
تعليل كندا (ومعها الولايات المتحدة) لهذه المعارضة، استند إلى أنه كيف يمكن القبول باستمرار تعريض المجلس لإسرائيل من دون بقية دول العالم في كل دورة لمناقشة وإدانة في أغلب الأحيان.
الجديد رغم المساومات المصلحية
الجديد في مجلس حقوق الإنسان، رغم كل هذه المساومات المصلحية التي قامت بها المجموعات الإقليمية، او الدول الكبرى او الصغرى على حد سواء، هو أنه ينفرد عن سابقته لجنة حقوق الإنسان، بأنه اعتمد مبدأ المراجعة الدورية لوضع حقوق الإنسان في كافة البلدان الأعضاء وغير الأعضاء وهو ما يضع حدا لانتقائية طبعت أشغال لجنة حقوق الإنسان وجعلت دولآ تضل محط مراجعة ومراقبة دون غيرها.
كما أن الجديد الذي يميز المجلس عن لجنة حقوق الإنسان، كون اختيار اعضاء المجلس يتم عبر الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة وبأغلبية الثلثين. وهو ما يعتبر في نظر واضعي هذا البند وسيلة لتفادي اختيار بلدان منتهكة لحقوق الإنسان كأعضاء في المجلس.
لكن حتى هذا التجديد وجدت مجموعات إقليمية وسيلة للتحايل عليه بحيث تتفق على عدم تقديم عدد مرشحين أكثر مما يسمح بشغله في المجلس. وهذا ما تمارسه المجموعتان الإفريقية والآسيوية منذ البداية وما جعل روسيا البيضاء تقصى من العضوية مؤخرا لأن مجموعتها قدمت مرشحين أكثر من عدد المقاعد التي يجب تعويضها.
كما أن الجديد يتمثل في إمكانية إقصاء بلد من العضوية إذا ما اتضح أنه ارتكب انتهاكات جسيمة في مجال حقوق الإنسان.
أما بقية البنود فتكاد تكون مشابهة لما كانت ترتكز عليه لجنة حقوق الإنسان ولو أنه تم تغيير اسم اللجنة الفرعية لحقوق الإنسان باسم اللجنة الاستشارية لمجلس حقوق الإنسان.
وحتى البند 1503 الذي كانت تقدم في إطاره الشكاوى المقدمة ضد بلد من البلدان، وعلى الرغم من التحسينات التي أدخلت عليه احتفظ بكونه جلسة سرية تناقش فيها الاتهامات الموجهة ضد الدولة المعنية بعيدا عن الأنظار والآذان.
وما أجمع عليه أغلب المتحدثين في بداية الدورة الجديدة للمجلس بعد اعتماد آليات العمل، لخصه السفير الألماني والرئيس الحالي للاتحاد الأوربي بقوله”لقد استكملنا مرحلة البناء المؤسسي … وعلينا أن نبرهن بأن المجلس الذي اقمناه هو هيئة محسنة”.
تساؤل في محله خصوصا على ضوء ما أنفقه المجلس من وقت ومال وجهد طيلة يومين لتفادي محاولات العرقلة المختلفة التي سوف لن تفيد ملايين ضحايا الانتهاكات لحقوق الإنسان في العالم بأي شيء ملموس.
محمد شريف – سويس إنفو – جنيف
سويسرا التي كانت وراء فكرة إقامة مجلس لحقوق الإنسان عبرت على لسان السفير السويسري بليز غودي عن ان النص الذي تم اعتماده بخصوص آليات عمل المجلس “هو نص متوازن لأنه انعكاس لإرادتنا جميعا”.
ويرى السفير السويسري في ندوة صحفية عقدها مساء الثلاثاء 19 يونيو في جنيف أن “الأهداف التي حددناها تم تحقيقها ولكن ليس كلية لأن هذا هو واقع كل المفاوضات”.
وقد خص السفير السويسري من بين النقاط الإيجابية آلية المراجعة الدورية لوضع حقوق الإنسان في كل البلدان بدون استثناء، وهو ما يرى فيه ” تفاديا لكثير من الانتقائية والإزدواجية في المعايير”.
كما عبر السفير السويسري عن الارتياح لكون النص الذي تم اعتماده ينص على تعزيز جنيف كمقر لمجلس حقوق الإنسان. وقال السفير بليز غودي ” كنا نخشى أن يتم تحديد جلسات خارج المقر في جنيف”. ويرى في ذلك ” تعزيزا لجنيف وللسياسة الخارجية السويسرية”.
ولكن السفير السويسري يحذر من المبالغة في التفاؤل إذ يعتبر أن الممارسات هي التي ستبرهن على نجاعة هذه الآليات للدفاع عن حقوق الإنسان. وقد ذكر بأن مراجعة لأشغال المجلس وآلياته ستتم بعد أربع سنوات من الآن.
لكن السفير السويسري يرى ان هناك بعض النقاط التي كانت سويسرا ترغب في أن تبرز بشكل أكثر مثل ” إسناد مهمة المراجعة الدورية لأخصائيين مستقلين بدل الدول الأعضاء”. وهو ما كانت قد طالبت به منظمات المجتمع المدني.
كما عبر عن أن سويسرا كانت ترغب في دعم دور منظمات المجتمع المدني وبالأخص في تعيين المرشحين لتولي الآليات الخاصة من مقررين خاصين وخبراء وغيرهم. لكنه يرى على كل أن دور منظمات المجتمع المدني تم تعزيزه في آلية المراجعة وسمح لها أيضا بترشيح مقررين خاصين .
عن موضوع مدونة السلوك الخاصة التي رغبت المجموعة الإفريقية في فرضها لكي تتم مراعاتها أثناء ترشيح أي خبير او مقرر خاص، فيرى السفير السويسري أن سويسرا انضمت الى الاقتراح الافريقي ” لأنه اقتراح مقبول ولأن المجموعة الافريقية راعت بعض الانتقادات التي أبديناها”.
وعن المناورات التي تمت في آخر لحظة يرى السفير السويسري “أنها نتيجة كل مفاوضات مراجعة وان الدول الكبرى تحاول استغلالها لفرض وجودها” ولكنه يرى أيضا “أن لا احد كان يرغب فعلا في إغراق المركب”.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.